تحوّلت قضيّة اختبارات الثانوية العامة الورقية في الكويت إلى صراع سياسي حادّ بين نواب مجلس الأمة (البرلمان) ووزارة التربية من جهة، وبين الأخيرة والسلطات الصحية من جهة أخرى، وسط دعوة النواب إلى عقد جلسة خاصة لبحث موضوع الامتحانات الورقية في ظل ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا داخل البلاد، وقرار السلطات الصحية تمديد حظر التجول الجزئي، ومنع مجلس الوزراء الكويتي المواطنين من السفر إلاّ بعد الحصول على لقاح كورونا.
ولا تنحصر النزاعات والانقسامات السياسية الحادة بين نواب مجلس الأمة الذين يهددون باستجواب وزير التربية والتعليم العالي، علي المضف، في حال إصراره على قراره إجراء الاختبارات الورقية في المدارس، وبين السلطات الصحية التي أعربت عن شكوكها في الاختبارات الورقية، خصوصاً مع ارتفاع الإصابات، بل تمتد إلى أروقة وزارة التربية نفسها والقيادات التربوية التي خرج بعضها ليطالب بالعودة عن قرار الاختبارات الورقية.
ويقول رئيس مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات الكويتية، وهو أحد قياديي القطاع التربوي في الكويت، عبد العزيز السويط، لـ"العربي الجديد": "الأجواء العامة لا تسمح بإجراء أي اختبارات ورقية، نظراً لازدياد عدد الإصابات وعدم جهوزية المدارس وتطابقها مع الشروط الصحية".
ويؤكّد مديرو مدارس عدم تأمين غالبيتها في البلاد بالشروط الصحية، وعدم تمكن المعلّمين من تحمل المسؤولية في حال وجود إصابات داخل المدرسة. ويتحدث سعود الحربي، وهو مدير مدرسة ثانوية حكومية في الجهراء لـ"العربي الجديد" عن ضرورة تأجيل الاختبارات الورقية. ويقول: "كنت من أشد المؤيدين للعودة السريعة إلى المدارس، وعودة تلاميذ الثانوية العامة إلى مقاعدهم وأداء الاختبارات، إلاّ أنّ ارتفاع أعداد الإصابات بكورونا وفشل برامج تدريب المعلمين على العمل في ظلّ الشروط الصحية، وعدم تأمين هذه الشروط في معظم المدارس، كلّها أمور تستدعي تأجيل هذه الاختبارات، أو إجراءها عن بُعد".
ووجهت وزارة الصحة الكويتية كتاباً إلى وزارة التربية، قالت فيه الوكيلة المساعدة لشؤون الصحة العامة، بثينة المضف، إنّ السلطات الصحية نفذت "زيارات عشوائية لتقييم جهوزية المدارس بدءاً من أواخر إبريل/نيسان الماضي، نظراً لتأخّر تقييمها من قبل فرق وزارة التربية، وكانت النتيجة النهائية عدم جهوزية مدارس وزارة التربية لإجراء الاختبارات الورقية أو عودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة".
ويُهدّد نواب مجلس الأمة، وزير التربية، باستمرار، بتحميله المسؤولية السياسية إذا ما ذهب تلاميذ الثانوية العامة إلى صفوفهم لإجراء الاختبارات، في وقت تتواصل الاجتماعات الماراثونية بين لجنة الشؤون التعليمية في مجلس الأمة وبين مسؤولين من وزارتي التربية والصحة، إذ يحاول كلّ طرف من الأطراف إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره من دون نتيجة.
وانتهت لجنة الشؤون التعليمية في مجلس الأمة إلى تقرير نهائي قالت فيه إن من الواجب على وزارة التربية تأجيل الاختبارات الورقية حفاظاً على صحة الطلاب، وأن الأسباب الصحية التي تم تأجيل العام الدراسي الفائت على أساسها لا تزال موجودة هذا العام متهمة وزارة التربية بالتفريط في حياة الطلاب.
وقال رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة، الدكتور حمد المطر، إنّ إلغاء الاختبارات الورقية بات ضرورة، اقتداءً بتجارب الكثير من الدول ومنها السعودية وتركيا، مؤكداً أنّ أسر التلاميذ أصبحت تحت ضغط نفسي، وأسعار الدروس الخصوصية وصلت إلى 50 ديناراً (نحو 166 دولاراً) للدرس الواحد.
ويقول عضو اللجنة التعليمية في مجلس الأمة، فايز الجمهور، لـ"العربي الجديد": "طالبنا وزير التربية مرات عدة بتحمل مسؤوليته السياسية والاجتماعية والصحية إذا غامر بزجّ أبنائنا في المدارس لأداء الاختبارات الورقية، ولن نتردد في اتخاذ أيّ إجراء سياسي لوقف ذهاب التلاميذ إلى المدارس في ظل انتشار الفيروس، وتصاعد الإصابات والوفيات". يضيف: "من مسؤولية السياسي أن يحمي الشعب الذي انتخبه، وهذه مسؤوليتنا ولن نتخلى عنها".
لكنّ وزارة التربية ما زالت مصرة على ضرورة إجراء الاختبارات الورقية، مؤكدة أنّها الطريقة المثالية للتأكد من مقدار ما حصل عليه التلاميذ من علم، ووقف الغش الذي وصلت بسببه نسب النجاح إلى مائة في المائة، العام الماضي. وقال المضف لنواب مجلس الأمة الذين اجتمعوا به وطالبوه بإلغاء الاختبارات الورقية إنّ الشروط الصحية داخل المدارس تبدو أكثر معقولية من المجمعات التجارية التي يواظب التلاميذ على زيارتها بشكل دوري هذه الأيام. ويسأل: "هل يعقل أن يكون من غير الصحي تواجد ستة تلاميذ داخل فصل واحد، بينما يذهبون هم أنفسهم إلى المجمعات التجارية أو الاجتماعات العائلية من دون التزام بالشروط الصحية ويكون ذلك صحياً؟". وأكد المضف أنّ أمام وزارة التربية "مسؤولية تاريخية في الحفاظ على تعليم الأجيال المقبلة، خصوصاً أنّ التعليم عن بُعد لم يؤدِّ أيّ غرض متوقع منه في العام الماضي".
ولم تقنع إجابات المضف النواب الذين أصروا على ضرورة إلغاء الاختبارات الورقية. لكنّ الجمعيات المهتمة بالشأن التعليمي أشادت بما وصفته "صمود" مجلس الوزراء الكويتي، ووزارة التربية، أمام الضغط البرلماني لمنع إجراء الاختبارات الورقية. فقد أشادت الجمعية الكويتية لجودة التعليم، بقرار مجلس الوزراء لإصراره على إجراء الاختبارات الورقية للصف الثاني عشر بهدف "تحقيق العدالة بين التلاميذ، بعد ما شهدناه من كارثة نجاح وهمية وغير حقيقية العام الماضي، في تجاوز صارخ للقيم والمبادئ العلمية، حين نجح تلاميذ كانوا قد رسبوا في الفصل الأول، وحقق عدد كبير نسباً تفوق التسعين في المائة، وتصل أحياناً إلى المائة في المائة، من دون إجراء اختبارات، في سابقة غير حضارية، فضلاً عن نجاح بقية المراحل جوازاً ومن دون دراسة واختبارات".
وانتقدت الجمعية تصريح رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة حمد المطر، والذي أشار إلى أنّ "نفسيات أولياء الأمور بدأت تنهار، وبدل أتعاب المدرس الخصوصي وصل إلى خمسين ديناراً، وأنّها أزمة في خمسين ألف بيت"، معتبرة التصريح "دعوة علنية للغش وإعطاء معلومات مزيفة وغير حقيقية عن عدد الأسر التي انهارت وتخوف أولياء الأمور فيها" في الوقت الذي يسمح فيه هؤلاء لأبنائهم بالتجمعات العامة والخاصة وكسر الشروط الصحية علناً وبشكل يومي في غالبية المناطق السكنية، وفي حين أنّ هناك نسبة كبيرة من أولياء الأمور تطالب بالاختبارات الورقية حفاظاً على مستوى التحصيل العلمي لأبنائهم. وتساءلت الجمعية: "هل الأسر التي تحدث عنها رئيس اللجنة التعليمية بدأت تنهار لأنّها كانت تعوّل على النجاح الوهمي لأبنائها بالغش ومن دون إجراء اختبارات كما حدث في العام الماضي؟ وهل هذه الأسر قد تجاهلت تعليم أبنائها ولم توفر لهم مدرسين خصوصيين طوال الفترة الماضية حتى صدموا من قرار مجلس الوزراء بالاختبارات الورقية؟".
ودعا 10 نواب في مجلس الأمة إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة قضية الاختبارات الورقية، فيما وصف مسؤول رفيع المستوى في وزارة التربية، فضل عدم الكشف عن اسمه، دعوة النواب إلى عقد الجلسة بـ"السخيفة والمخيفة في آن"، مؤكداً أنّ نواب مجلس الأمة ومنهم أكاديميون بارزون، تجاهلوا العملية التعليمية وسيرورتها وانضموا إلى ما وصفه بـ "الصراخ الهستيري المدافع عن الغش وعدم أداء الامتحانات والنجاح المجاني، أملاً بجمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المقبلة". من جهة أخرى، بدأ طلاب الثانوية العامة اعتصامات مفتوحة وصامتة أمام مجلس الأمة وسط العاصمة الكويت في احتجاج على ما أسموه استهتار وزارة التربية بصحتهم وإصراها على عقد الاختبارات الورقية.