صدّ المهاجرين... انتهاكات حرس الحدود الأوروبية

23 مايو 2021
محاولة لضبط الوافدين في سلوفينيا (جيف ج. ميتشل/ Getty)
+ الخط -

 

ما زالت الانتقادات تُوجَّه إلى وكالة فرونتكس، اعتراضاً على أدائها العنيف في مجال صلاحيّاتها على حدود الاتحاد الأوروبي. وتتعدّد التقارير التي تفضح لجوءها إلى عمليات صدّ المهاجرين بهدف "حماية" تلك الحدود.

فظائع غير متوقعة من قبل قارة ترفع لواء القيم الإنسانية تُسجّل في حقّ هؤلاء الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، لا سيّما على يد الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، وهو ما يعدّه مراقبون "عنفاً رسمياً". ويتعرّض مهاجرون غير نظاميين إلى أشكال مختلفة من العنف، لا سيّما الضرب والطرد المهين، وهؤلاء شباب في مقتبل العمر يتوافدون من بلدان مختلفة طالبين اللجوء، من بينهم مصريون ومغاربة وجزائريون وتونسيون وباكستانيون وسوريون وأفغان وعراقيون.

ومنذ ظهور جائحة كورونا ومحاولة مئات المهاجرين السريين العبور من تركيا إلى اليونان في فبراير/ شباط من عام 2020، راح التعامل القاسي والعنيف معهم يتزايد. وهذا لا يتعلّق بشهادات غير موثّقة ولا بشكاوى من عدد من هؤلاء الشباب الذين يواجهون تحدّيَين، الأوّل هو المخاطرة للهروب من أوضاع صعبة والثاني من أن تكون أوروبا بمثل هذا "الجحيم" الذي يقابلهم في رحلتهم إليها. وبحسب عدد من الذين تمكنوا من عبور نهر إفروس الفاصل بين اليونان وتركيا، فإنّ استقبال اليونانيين بات أعنف ممّا كان عليه في الأعوام الماضية. فهؤلاء الواصلون يبلّغون عن "تكبيل فوري" واستخدام للقوة للدفع بهم نحو معتقل في منطقة ديديموتيشو (ديموتيقة مثلما يطلق العرب عليها). 

ووفقاً لتقارير شبكة مراقبة العنف على الحدود التي تضمّ 13 منظمة غير حكومية وحقوقية صدر في 14 مايو/ أيار الجاري، ووثّق ما جرى حتى إبريل/ نيسان من العام الجاري، فإنّ هؤلاء المهاجرين الذين يُلقى القبض عليهم تعرّض عدد منهم إلى "إطفاء السجائر على أجسادهم من قبل ضباط شرطة يونانيين"، بالإضافة إلى أشكال عنف أخرى من قبيل الضرب المبرح بعد التعرية التامة على كلّ أنحاء الجسد لإجبارهم على العودة إلى تركيا. ولا يفرّق رجال الشرطة بين من يهاجر وحده وبين من يصطحب معه أطفالاً، ويتعرّض الأهل بالتالي إلى الضرب والإهانة أمام أطفالهم.

الصورة
مهاجرون وفرونتكس على مقربة من اليونان (آريس ميسينيس/ فرانس برس)
على مقربة من السواحل اليونانية تحت أنظار فرونتكس (آريس ميسينيس/ فرانس برس)

الشهادات والتوثيقات التي عملت عليها الشبكة والتي أكدها المجلس الدنماركي للاجئين، تشير إلى أشكال ممنهجة من التعذيب في ثلاث دول على أقلّ تقدير وهي اليونان وكرواتيا وسلوفينيا، بالإضافة إلى عمليات "الإبعاد العنيف" من قبل الشرطة الإيطالية. والممارسات القاسية التي وُثّقت، بحسب معدّي التقرير المشار إليه آنفاً، تجري تحت مظلة وكالة "فرونتكس" وبتعاون ضمني ما بين دول الاتحاد، وذلك بهدف إبعاد أكبر عدد من هؤلاء الواصلين إلى حدود الاتحاد الأوروبي. وقد جرى التأكد من أنّ الأمن اليوناني انتهج سياسة العنف والتعذيب لإجبار الواصلين عبر نهر إفروس على العودة إلى تركيا. 

وفي خلال عام ونصف عام فقط، تعرّض نحو 90 في المائة من الواصلين إلى حدود دول الاتحاد الأوروبي إلى مثل تلك الإهانات والتعذيب الجسدي، أي 4500 شخص تقريباً على يد الشرطة اليونانية فقط. وعمليات الصدّ التي تُمارس من اليونان إلى طريق البلقان، يكثر فيها "تعريض المهاجرين إلى سلطات لا تأبه بممارسة العنف والقسوة غير العادية"، مثلما أشار التقرير. ومن بين الأساليب التي يمارسها أوروبيو اليونان وطريق البلقان، نيابة عن النادي الأوروبي، وثّقت شبكة مراقبة العنف على الحدود تعرّض الواصلين غير المرغوب فيهم إلى "الركل والضرب بقضبان وعصي فولاذية والتهديد بالقتل بأسلحة نارية، والإيهام بالغرق من خلال الضغط على رؤوسهم تحت الماء، وتعريتهم من ملابسهم بالكامل، والاعتداء الجنسي، وحشرهم في سيارات تفتقر إلى الأوكسجين الكافي. كذلك تستخدم الشرطة الكلاب لعضّ المهاجرين، ويجري شلّهم بمسدسات الصعق الكهربائي، ثمّ بعد ذلك يُطردون من أراضي الاتحاد الأوروبي".

تفيد تقارير أعدّها مختصون بعد فحص مهاجرين من الشباب، بأنّ "أبشع عمليات التعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة تتمّ من قبل الشرطتَين اليونانية والكرواتية، وذلك قبل إعادتهم إلى خارج حدود الاتحاد الأوروبي تحت أنظار وكالة فرونتكس وبمعرفتها، من دون أن تُتاح لأيّ من هؤلاء فرصة التقدم باللجوء أو شرح أسباب فرارهم من دولهم". كذلك ثمّة تقارير صحافية وثّقت مشاركة مدنيّة كرواتية في قمع المهاجرين، ليتمّ تحميلهم بعد ضرب مبرح في مركبات نقل غير لائقة بالبشر ورميهم باتجاه حدود البوسنة والهرسك. وتحت أنظار الشرطة الكرواتية، يُهدَّدون للخروج من البلاد واجتياز الحدود، ما جعل الاكتظاظ كبيراً بين كرواتيا والبوسنة والهرسك.

وقد أشارت شبكة مراقبة العنف على الحدود في تقريرها الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى تلك العمليات، في سياق تقاريرها الدورية عن الانتهاكات التي تحصل بعلم من وكالة "فرونتكس"، ثمّ كرّرت ذلك في تقريرها الحديث الصادر في إبريل/ نيسان الماضي. وعلى الرغم من الدعوات التي وجهتها المفوضية الأوروبية مراراً وتكراراً إلى كرواتيا واليونان للتحقيق في ما يجري على الحدود البرية، فإنّ تلك الممارسات باتت شائعة في بحر إيجة كذلك، من خلال استهداف قوارب المهاجرين عمداً. ولا يختلف الوضع في البحر الأبيض المتوسط، وفقاً للشكبة التي وثّقت أنّ "عمليات الصدّ الأوروبي تشمل تسليم المهاجرين إلى خفر السواحل الليبي، فيما يدفع الاتحاد الأوروبي التكاليف المالية لتلك العمليات التي ينتهي في خلالها المهاجرون طالبو اللجوء في معتقلات ليبية".

الصورة
مهاجرون وشرطة على حدود كرواتيا (أندري إيزاكوفيتش/ فرانس برس)
حدود كرواتيا مقفلة أمامهم (أندري إيزاكوفيتش/ فرانس برس)

بمعنى آخر، فإنّ قول المفوضية الأوروبية إنّه يتعيّن على الدول "التحقيق للتوصّل إلى حقيقة الأمر"، لا يعكس جهلها بالأمر الحاصل في وكالتها "فرونتكس" وتعاون الشرطة الأوروبية تحت مظلة "صدّ المهاجرين". وهو ما أكّده تقرير حديث للمجلس الدنماركي للاجئين بالتعاون مع منظمات حقوقية وغير حكومية في عدد من دول البلقان. وقد نقلت الصحافة الدنماركية عن ممثلة المجلس في إيطاليا ومديرة برامجه الأوروبية، جوليا سبانيا، أنّ "أكثر ما يصدم هو أنّ عمليات الصدّ وإبعاد المهاجرين بهذه القسوة لا تتم على الصعيد الوطني فحسب، بل هي عمليات ممنهجة. ونعلم الآن أنّ ثمة تعاوناً بين مختلف قوات الشرطة من دول الاتحاد الأوروبي للقيام بأفعال غير قانونية والتحايل على قوانين الاتحاد، وهذا شيء غير مقبول على الإطلاق".

وحول منهجية تلك الأفعال، يُكشف النقاب عن أنّ "إيطاليا تدفع مهاجرين غير مرغوب فيهم إلى العودة عبر حدود سلوفينيا حيث تنتظر مركبات شرطتها التي تنقلهم إلى كرواتيا. وهناك، تنتظرهم مركبات أخرى تنقلهم بالقوة ورغماً عن إرادتهم نحو الحدود البوسنية (في ظروف لا تطاق)، ويؤمَرون حينها بالاختفاء من أراضي الاتحاد الأوروبي وعدم العودة إليها". وعلى الرغم من اعتراف إيطاليا بحدوث مثل تلك الأفعال، فإنّ كرواتيا تظل تنفي مع اليونان ممارستهما العنف. وتتوجّه الاتهامات الحقوقية نحو وكالة "فرونتكس"، علماً أنّ "ثلاث دراسات تُعَدّ حالياً حول دورها في العنف الموصوف في عمليات الإبعاد برعاية الاتحاد الأوروبي". وهذه الممارسات ليست جديدة إذا ما أخذنا انتقادات منظمة العفو الدولية منذ عام 2014، وهي تشير إلى العنف على حدود أوروبا.

ويبدو، على أقلّ تقدير، وزير الهجرة الدنماركي ماتياس تيسفايا، الباحث بشكل حثيث عن قطع الطريق رسمياً أمام استقبال بلاده وأوروبا مزيداً من المهاجرين، على معرفة بما يدور، وفقاً لما نقلته صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية في 16 مايو/ أيار الجاري. فقد بعث تيسفايا برسالة عبر البريد الإلكتروني قال فيها إنّه "على علم بالادعاءات ضد فرونتكس، ونأخذ الأمر على محمل الجدّ. ويجب احترام حقوق الإنسان، ويجب ألا يكون ثمّة شك في ذلك". 

الصورة
مهاجرون وعناصر من فرونتكس على الساحل الإسباني (خيسوس ميريدا/ Getty)
لا بدّ من توجيهات فرونتكس للواصلين إلى البرّ الإسباني (خيسوس ميريدا/ Getty)

في سبتمبر/ أيلول من عام 2020، سجّلت شبكة مراقبة العنف على الحدود ومنظمات عالمية أخرى، من قبيل "أوكسفام"، كيف تمارس اليونان عمليات إبعاد عنيف بحقّ المهاجرين الواصلين عبر نهر إفروس. فبعد يوم من وصول عدد منهم وتعرّضهم إلى الضرب المشار إليه في التقرير، "كان رجال شرطة يرتدون ملابس سوداء وملثمون يقتادون السجناء (المهاجرين) نحو مركبة سارت بهم في الليل بأضواء مطفأة نحو ضفة النهر. وقد طُلب من السجناء البقاء مختبئين، فيما كان الرجال الملثمون يفحصون الضفة التركية من النهر بمناظير ليلية، جهّزوا بعد ذلك قارباً مطاطياً ووضعوهم فيه. وفي وسط النهر، أمروهم بالنزول في الماء". وهذه شهادة لأحد الشبان الذين تعرّضوا إلى التعذيب والسحل على الأرض لإجباره على العودة إلى تركيا، بحسب ما وثقته الشبكة حول الصدّ غير القانوني في اليونان. وعلى الرغم من أنّ عدداً من هؤلاء لم يكن يجيد السباحة، فإنّ رجال الشرطة الملثّمين لم يهتموا بالأمر، مع الإشارة إلى أنّ "اثنَين من أصدقاء الشاهد اختفيا في النهر ولم يرهما منذ حينه، فيما ظلّت أسرتاهما تحاولان الحصول على خبر عنهما، من دون فائدة".

ولا يوثّق تقرير الشبكة فقط منهجية الترحيل الإجباري وفقدان عدد من المهاجرين حيواتهم غرقاً، سواء في بحر إيجة أو نهر إفروس، وتسليم مهاجرين إلى معسكرات اعتقال ليبية برعاية رسمية أوروبية، بل هو يبيّن أنّ تلك الممارسات كانت معروفة من قبل الاتحاد الأوروبي على مدى الأعوام الماضية، خصوصاً بعد أزمة الهجرة واللجوء في عام 2015 ومحاولة قطع طريق البلقان. فالتعذيب على يد ضباط كرواتيين ويونانيين، وإساءة المعاملة بالإذلال ونهب مقتنيات المهاجرين الشخصية (مستندات ومبالغ مالية بسيطة)، ومنع المهاجرين من حقهم في دراسة طلبات لجوئهم، كلّها وغيرها من الممارسات تُعَدّ مخالفات صريحة لقوانين الاتحاد الأوروبي وحقوق الإنسان. فانتقاد المفوضية الأوروبية انتهاكات حقوق الإنسان الأوروبي (في الدول الأوروبية الأعضاء وغير الأعضاء في الاتحاد) لا تماثله الانتقادات المتعلقة بحقوق المهاجرين، وفقاً لتقارير حقوقية. وعلى الرغم من عدم تعرّض هؤلاء المبعدين إلى العنف في البوسنة والهرسك، فإنّ إجبارهم بعد وصلات التعذيب على المغادرة، سواء من كرواتيا أو اليونان، يتمّ بما يشبه تغطية سياسية أوروبية من قمّة هرم سلطة الاتحاد. 

صحيح أنّ إشادات سُجّلت في ما يخصّ عمل وكالة "فرونتكس" في مناسبات عدّة، لكنّه من الواضح أنّه وفقاً للشهادات والتوثيق الذي تقوم بها منظمات حقوقية، لم يُصر إلى وقف مخالفات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الوكالة. وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي يشدّد بشكل متكرر على أهمية احترام حقوق الإنسان فإنّ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قدّمت غطاء سياسياً لتلك الانتهاكات حين صرّحت في العام الماضي، تحديداً في فبراير/ شباط من عام 2020 بعد موجة لجوء على حدود تركيا واليونان، بأنّ ما يقوم به حرس الحدود هو أشبه بـ"درع لأوروبا"، مشيدة بعمليات الصدّ التي جرت حينها.

وفي تقريرها نفسه، وثّقت شبكة مراقبة العنف على الحدود التي بدأت بمراقبة العنف الواقع على الحدود اليونانية التركية في عام 2019، كيف أنّ العناصر اليونانية من "فرونتكس" يعمدون بشكل متكرر إلى "إجبار الوافدين على خلع ملابسهم وإحراقها، فيما تُسلب الهواتف المحمولة والمال والأغراض الثمينة الأخرى. كذلك يُحرمون لأيام عدّة من الطعام والمياه، ويُجبَرون على الشرب من المراحيض. ويتعرّضون، بعد وضع خوذ على رؤوسهم كي لا تتضرّر، إلى الضرب بالعصي والقضبان المعدنية أو الركل بأحذية ثقيلة، في حين تُهان النساء وكذلك الأطفال". ويخلص التقرير إلى أنّ "تكرار استخدام القوة الجسدية ضدّ الأشخاص في أثناء التنقل وهذه الاعتداءات ليستا فقط مذلة، إنّما هي تؤدّي غالباً إلى إصابات خطيرة من قبيل كسور في العظام أو فقدان للوعي".

المساهمون