إذا كانت تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها تتحدث عن صدمة أزمة كورونا في قطاع التعليم، بمن فيه التلامذة والطلاب والمعلمون والمسؤولون والأهل، باعتبارها صدمة غير مسبوقة، كونها قد أدت إلى رجوع عقارب الساعة إلى الوراء في ما يتصل بتحقيق أهداف التعليم الدولية، وأثّرت بشكل غير متناسب على الفئات الأشد فقراً وضعفاً. فكيف لنا أن نتحدث عن الصدمة ذاتها في دنيا العرب قبل الدخول في بعض نماذج التعاطي مع الجائحة التعليمية؟
لدى التدقيق في أوضاع الدول العربية وتفاعلها مع هذا الحدث الكارثي، لا بد من التفريق بين آليات وعمليات الاستجابة للوباء، بالنظر إلى أوضاع كل من هذه الدول، وطبيعة الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تمر بها، كل على حدة. دون الدخول في التفاصيل يمكن تصنيف هذه الدول تبعاً لظروفها ومداخيلها وسكانها على النحو التالي:
- دول تملك مستوى معيشياً مرتفعاً وتتمتع باستقرار اقتصادي وسياسي واجتماعي، وينطبق ذلك على معظم الدول المصدرة للنفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية (الكويت، السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، وعُمان). في المقابل، هناك دول تتمتع باقتصاد نفطي، لكنها تعاني من معضلات سياسية وأمنية تقود إلى تعذر الإفادة من هذه الثروة (العراق وليبيا على وجه الخصوص).
- أهمية مثل هذا الوضع أنه مكَّن ويمكِّن دول المحور الأول من التفاعل مع المستجدات باعتباره يمتلك المقدرات المادية التي لا بد من إنفاقها على مجاراة الاتجاه العالمي باللجوء إلى التعليم الرقمي مع متطلباته. وما يتوجب الانتباه إليه أن هذه المجاراة كانت إلى حد ما سابقة على انتشار الوباء. إذ إنها بالفعل أدخلت القطاع التعليمي إلى حد ما في العالم الرقمي مع ملاحظة وجود مشكلات لا يستهان بها.
- هناك دول ثانية تختلف في أوضاعها اختلافاً بيناً، فما يجمعها أنها دول غير منتجة للنفط ولا تتمتع باقتصادات قوية ومستويات معيشية جيدة، وتعاني من أزمات متداخلة في مجالات الخدمات والسكن والتعليم والصحة وغيرها، لكنها تفترق عن بعضها في كم المعضلات السياسية والأمنية التي تعانيها (تونس، مصر، سورية، لبنان، الجزائر، اليمن، المغرب، السودان، موريتانيا، الصومال، وجيبوتي). وهكذا فقدت مثل هذه الدول عاملين رئيسيين في مواجهة المحنة، أولهما يتمثل في الاقتصاد وفوائضه التي يمكن توجيهها للتعاطي مع متطلبات الوباء المستجد تعليمياً، وثانيهما أن العديد منها يعاني من فقدان الاستقرار السياسي والأمني بنسب متفاوتة.
- لا بد من الانتباه إلى أننا عندما نتحدث عن المجتمعات العربية نشير إلى أن أقساماً لا يستهان بها منها، لا تتمتع بأي نوع من الاستقرار، فمثلاً لا بد وأن نلحظ أن المنطقة والمجتمعات العربية تضم الآن أعلى نسبة من اللاجئين والمهجرين والنازحين بين دول العالم. لا ينطبق الأمر على الفلسطينيين في مخيماتهم ولدى الدول المضيفة، بل أيضاً على الملايين من السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين وغيرهم.
- كما نلحظ أن المجتمعات العربية تعاني من غياب الأمن الاستراتيجي القومي، وهو أمر بالغ الخطورة، فالمنطقة تتعرض سياسياً لاختراقات مدمرة لوحدة كياناتها بعد أن فقدت جامعة الدول العربية دورها القومي الوظيفي، وباتت مكوناتها عبارة عن دول مفردة لا رابط يجمع بينها ولا مانع يحميها.
(باحث وأكاديمي)