حذرت جمعيات بيئية في تونس من خطورة ارتفاع كمية معدن الرصاص في أنواع من الطلاء، باعتبارها "تهدد بإصابة الناس بأمراض مثل التسمم الناتج من تراكم المادة في الجسم على مدى شهور أو سنوات".
وتفيد تقارير أصدرتها منظمة الصحة العالمية بأن "كميات صغيرة من الرصاص قد تتسبب في مشاكل صحية كبيرة وخطيرة خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أعوام، والذين تصنفهم بأنهم الفئة العمرية الأكثر عرضة للتسمم بالرصاص". وتشير إلى أن هذه المشاكل الصحية "تشمل النمو العقلي والبدني للأطفال، وصولاً إلى مواجهة خطر الوفاة".
وتكشف نتائج تحاليل أجرتها جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية في تونس احتواء 30 نوع طلاء في البلاد على نسب عالية من الرصاص تصل إلى 170 ألف جزء في المليون في بعضها، و"هو رقم مرتفع جداً"، ما دفع الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات العضوية الثابتة إلى اعتبار تونس نقطة ساخنة على صعيد نسب الرصاص المركزة في الطلاء.
تقول رئيسة جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية ومنسقة الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات العضوية الثابتة سامية الغربي لـ"العربي الجديد": "أظهرت تحاليل أجريناها على 30 عينة من أنواع مختلفة للطلاء الملون في السنوات الماضية، أن نسب الرصاص عالية جداً، وتتجاوز المعدلات العادية المحددة بـ 90 ألف جزء في المليون". تضيف: "مخاطر الرصاص على صحة الإنسان كبيرة جداً، خصوصاً على الأطفال الذين يعتبرون الفئة الأكثر تعرضاً للمشاكل الصحية المرتبطة بالمادة".
وتشير إلى أنّ "جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية تقوم بحملات سنوية في المدارس والمعاهد والكليات ضمن الجهود المبذولة عالمياً للقضاء على الرصاص في الطلاء. كما تعمل لكسب التفاعل الإيجابي من السلطات المعنية مثل وزارتي البيئة والصحة والوكالة الوطنية للرقابة الصحية التي واكبت إجراءات التحليل، ما أثبت صحة تحذيراتنا من ارتفاع نسب الرصاص في الطلاء".
وتشرح الغربي أنّ "الوضع الصحي والبيئي الخطير المرتبط بكميات الرصاص في الطلاء دفعنا إلى إطلاق عملية لصوغ مشروع قانون خاص بالمسألة عام 2018، وصولاً إلى مناقشة مسوّدة نص هذا القانون مع المعنيين قي وزارتي البيئة والصحة والجمعيات وممثلين لمختبرات في جامعات". وتوضح أنّ "جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية انخرطت في مسار مكافحة ارتفاع كميات الرصاص في الطلاء عام 2012، في إطار مواكبتها تحركاً عالمياً بغطاء من الأمم المتحدة شمل تحليل 1500 عينة طلاء في دول عربية وغربية عدة، وأظهر استعمال نسب عالية جداً من الرصاص".
في السياق، كشف تقرير أصدرته الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، أنّ نتائج تحليل 52 من 72 عينة طلاء مروّج في السوق التونسية أظهر أنها غير مطابقة للمواصفات، وتحتوي على نسب مرتفعة جداً من الرصاص.
قلق صحي كبير
وتؤكد الاختصاصية الصحية، جيهان حسينات، في حديث إلى "العربي الجديد" على هامش ورشة عمل عقدت مؤخراً وتناولت تقديم مشروع القرار الخاص بالحدّ من الطلاء المصنّع الذي يوزع في السوق التونسية ويحتوي على مواد رصاص وكادميوم وأخرى معرضة للذوبان العضوي، أنّ "معدن الرصاص قد يتسبب في تسمم حاد ومزمن في الوسط المهني أو في المنزل، باعتبار أن الجسم يمتص أبخرته وأملاحه". تضيف: "نسبة واحد في المائة من السكان في تونس معرضون للتسمم في أعمالهم المهنية، وهذا رقم كبير، علماً أن الأنشطة الأكثر تأثراً بهذا الخطر، هي صناعة البطاريات والتعدين واللحام وتوزيع المحروقات وصناعة مواد الحماية من الأشعة".
وتصنّف منظمة التجارة العالمية الرصاص والكادميوم بين 10 مواد كيميائية تثير قلقاً صحياً كبيراً، وتشكل تهديداً كبيراً للأطفال والنساء الحوامل اللواتي قد ينقلن السموم إلى الأجنّة، بالإضافة إلى خطورة هذه المواد على العمال في الخطوط الأمامية، ممن يحتكون مباشرة معها.
عموماً، تتسبب مادة الرصاص الكيميائية بآثار سلبية كثيرة على الصحة، من بينها على الجهاز العصبي للطفل وقدراته الفكرية وسلوكه. كما تتعدد الأمراض الناجمة عن هذه المادة، ومنها تلف الدماغ والجهاز العصبي، واضطراب وظيفة الكلى والدورة الدموية والتناسل.