تتميز النساء الصينيات في مدينة شو تشانغ بشعر كثيف وطويل. ميزة جعلت المدينة تصبح عاصمة الشعر المستعار في العالم، وقد باتت مصدر رزق للكثير من النساء والعائلات
تقع مدينة "شو تشانغ" في مقاطعة خنان بوسط الصين، وتشتهر نساؤها عن بقية أقرانهن بشعر كثيف وطويل، ومع مرور الوقت تحولت هذه الميزة إلى مصدر رزق، إذ يكسب أكثر من ثلاثمائة ألف من سكانها من الاستثمار في صناعة وتصدير الشعر.
وتعرف المدينة على نطاق واسع بأنها عاصمة الشعر المستعار في العالم. وبحسب أرقام رسمية، فإنها تنتج نصف الشعر المستعار في العالم، وتزود أكثر من 120 دولة، حيث يتم نقل آلاف الأطنان من الشعر يومياً إلى دول مختلفة.
وينظر الآباء في تلك المدينة إلى شعر بناتهم على أنه محصول، إذ يجري رعايته بعناية ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً قبل أن يتم قصه وبيعه للمراكز والأكشاك المخصصة لجمع الشعر وإرساله كمادة خام للمصانع الكبرى. ويصل سعر خصلة الشعر الواحدة إلى نحو ألف يوان أي ما يعادل 140 دولاراً، ويتوقف السعر على طول وجودة الخصلة وكثافتها.
ويلاحظ الزائر إلى شو تشانغ انتشار المظاهر والأعمال المتعلقة بالعناية بالشعر وتجارته الرائجة في كل مكان، سواء الملصقات الإعلانية على الجدران والنوافذ، أو الأكشاك الصغيرة، أو حتى بقايا الشعر المتطاير بين الأزقة والطرقات.
إعالة الأسرة
لدى الشابة الصينية شياو ليان (26 سنة) منصة على تطبيق "دوين" تروج من خلالها لبيع خصلات من شعرها الذي يتميز بكثافة عالية وطول لافت. تقول في حديث لـ "العربي الجديد" إنها تفعل ذلك لمساعدة والدتها في الحصول على دخل إضافي، لأن والدها عاجز عن الحركة والعمل.
تضيف ليان أن لديها أخت تصغرها بثلاث سنوات، وتبيع خصلات شعرها كلما وصل طوله إلى الحد المناسب، وتلفت إلى أن أعلى مبلغ حصلت عليه من جراء البيع كان 1400 يوان صيني أي ما يعادل 200 دولاراً، وتمكنت في تلك المرة من بيع خصلتين يبلغ طول الواحدة 90 سنتمتراً، وتؤكد أنها شعرت بفرحة غامرة لأنها دفعت المبلغ قسطاً مقدماً لشراء كرسي كهربائي متحرك لوالدها المقعد.
وحول التحديات التي تواجهها باعتبار أن الشعر هو زينة الفتاة، وبالتالي فإن التخلي عنه قد يسبب لها إحراجاً بين زملائها وزميلاتها، توضح أنها لا تشعر بالخجل مطلقاً كون جميع الفتيات يقدمن على فعل نفس الأمر. وتسأل: "ما قيمة الشعر والجمال إن كنت لا تملك النقود، أو كنت غير قادر على إعالة أسرتك؟".
لكنها في الوقت نفسه، تقول إنها تعاني من آلام شديدة في فروة الرأس لأنه يجري عادة اقتلاع خصلات الشعر وليس قصها لاكتساب مليمترات قليلة من طولها تساعد على رفع السعر. وتقول إنها تتغلب على ذلك باستخدام بعض المراهم الطبية، أما في ما يتعلق بالمظهر العام، فإنها تحرص على ارتداء قبعة خلال الأسابيع الأولى من بيع شعرها.
قاسم مشترك
من جهته، يقول التاجر دو وانغ، وهو من سكان شو تشانغ، إنه يعمل في جمع ومعالجة الشعر منذ تسع سنوات، ولا تحتاج هذه المهنة أكثر من كرسي صغير ومقص لجمع شعر الفتيات الراغبات في بيعه. يضيف أنه يحصل على عمولة من كل كيلوغرام من الشعر تصل إلى 100 يوان صيني، أي ما يعادل حوالي 15 دولاراً.
وعن الخطوات التي يقوم بها، يوضح أنه بعد قص الشعر، يقوم بغسله ثم تجفيفه، وفك الارتباط بين كل خصلة وأخرى. وفي حال كان هناك أي اختلاف في خصلات الشعر، يتولى فرزها بحسب اللون والنعومة والكثافة، ثم يعبئها في أكياس ويرسلها بنفسه إلى المصانع الكبيرة.
ويلفت التاجر إلى أن بساطة الأمر وعدم وجود تكلفة، شجعت العديد من السكان على مزاولة تلك المهنة، مما أدى إلى انتشار العديد من الأكشاك الصغيرة في كل مكان. ويتابع: "مرت أوقات بالكاد تجد فيها شخصاً يسير في الشارع لا يحمل أكياساً من الشعر المعد للبيع، إذ أصبحت المهنة قاسماً مشتركاً بين جميع السكان".
لكنه يشير إلى أن جائحة كورونا تسببت في تراجع زخم العمل في هذا المجال خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب عمليات الإغلاق المتكررة ووقف أنشطة التصدير إلى الخارج، وقد كبد ذلك المدينة خسائر كبيرة، على اعتبار أن تصدير الشعر المستعار هو شريان الحياة بالنسبة لها.
خصلات شعر النخبة
تاريخياً، ووفقاً للسجلات المحلية في مدينة شو تشانغ، يعود تاريخ العمل في مجال الشعر المستعار إلى عهد أسرة مينغ (1368-1644)، وكانت تباع خصلات الشعر لنساء النخبة من أجل أغراض الزينة، وشهدت المدينة في تلك الحقبة أول "بنك للشعر" في البلاد، وكان يتم شراء الشعر من التجار الريفيين.
ومع مرور الوقت، أصبح الشعر يصدّر إلى الخارج، وكانت ألمانيا أول دولة تستورد الشعر المستعار من الصين. لاحقاً، وبسبب رخص العمالة الصينية والمواد الخام الوفيرة، لجأت العديد من الشركات في كوريا الجنوبية إلى الصين، وتحديداً إلى مدينة شو تشانغ لافتتاح مصانع الشعر المستعار، الأمر الذي ساهم في ازدهار هذه التجارة.
وبحسب سجلات صينية رسمية، فإنه في عام 2020، وُصفت شو تشانغ التي يسكنها 4.3 ملايين شخص، بأنها مركز عالمي لصناعة الشعر المستعار، حيث يعمل واحد من كل 14 شخصاً في المدينة في هذه المهنة.
في المقابل، وعلى الرغم من ازدهار هذه المهنة، يعتقد خبراء أن تحسين الاقتصاد المحلي قد يساهم في الحد من الاعتماد على تجارة الشعر المستعار، وتحييد الفتيات عن مقص السماسرة باعتبارهن ضحايا لتلك التجارة القديمة. ويؤكد هؤلاء أنه يجب على الحكومة وضع قوانين رادعة لمنع الآباء من استغلال بناتهم، وحث المدارس على منع الطالبات من إطالة شعورهن لفترة طويلة، ودفعهن إلى التركيز على الدراسة والتحصيل العلمي بدلاً من التشتت والسقوط في براثن سماسرة بيع الشعر.