قد تكون صورة الأب الذي يودّع ابنته في أوكرانيا واحدة من أكثر الصور التي تصدّرت عناوين الصحف العالمية، والسبب في ذلك أنها تجسّد صورة إنسانية لسلسلة من المآسي التي عاشتها العاصمة الأوكرانية في القرن الحالي. فقد أجبر اجتياح روسيا أوكرانيا عدداً كبيراً من العائلات الأوكرانية على الفرار من بلادهم، وكانت الفتاة الصغيرة واحدة من هؤلاء الذين غادروا مدينة كييف مع والدتها، بينما بقي والدها جاهزاً للقتال. أظهر الفيديو الذي نال شهرة واسعة الأب وهو يبكي بينما كانت ابنته تتجه نحو إحدى حافلات الإنقاذ المخصّصة للمدنيين.
Ukrainian father saying goodbye to his daughter before he go to defend his country against the Russian invasion.#Ukraine pic.twitter.com/RQdItVPYxy
— Asaad Hanna (@AsaadHannaa) February 24, 2022
هذه القصة قد تكون نموذجاً لقصص عديدة يعيشها سكان أوكرانيا في الوقت الحالي، وهو ما سلّطت عليه الضوء صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية من خلال نقلها شهادات سكّان أوكرانيين هربوا إلى محطات الأنفاق والمترو.
بحسب شهادة فالنتينا كوستينكو، وهي مواطنة أوكرانية، كانت أصوت الانفجارات عالية بما يكفي لتُسمع في الأقبية، والآباء يهرعون بأطفالهم إلى الطوابق السفلية. تسأل كوستينكو: "هل يحاولون قتلنا؟ ماذا فعلنا لهم؟". اعتقد زوجها، أنطون كوستنيكو، وهو يحمل ابنهما، أنّ الهجوم "كان يستهدف على الأرجح مبنى حكومياً". يقول: "أعتقد أنهم يحاولون تدمير المنشآت والأماكن الرسمية".
من المرجح، بحسب التقارير الصحافية، أنّ تكون أصوات الانفجارات التي تحدثت عنها عائلة كوستينكو هي تلك التي استهدفت مقرّ استخبارات الدفاع الأوكرانية بالقرب من وسط المدينة. ولم تتضح تفاصيل الخسائر البشرية من الضربة، لكن لحقت بالمبنى أضرار جسيمة.
وكانت الضربات ضمن سلسلة استهدفت البنية التحتية، بما في ذلك المطارات المدنية والعسكرية بالمدينة. فقد أغارت 12 طائرة هليكوبتر حربية روسية من طراز MI-28 على مطار هوستوميل، في ضواحي العاصمة، وأطلقت رشقات من صواريخ أتاكا، ودمّرت عدداً من الطائرات وأضرمت النيران في حظائر الطائرات. وبينما كانت الهجمات من الجو مستمرة، كانت القوات الروسية والمدرعات، إلى جانب تلك الموجودة في بيلاروسيا، تتجه إلى كييف براً، بعد اختراق الحدود على بعد 80 ميلاً شمال المدينة.
فوجئ عدد كبير من سكان أوكرانيا بالهجوم على بلدهم بهذه الطريقة، بحسب أنطون كوستينكو، إذ لم تكن لديه أي فكرة عن أنّ الأوضاع بين البلدين قد تنفجر بهذه الطريقة المميتة.
تنقل صحيفة "ذا إندبندنت" عنه قوله "صحيح أننا سمعنا عن هذه الحرب منذ أسابيع، من الأميركيين والبريطانيين، لكننا اعتقدنا أنّ القادة الدوليين سيحاولون منع اندلاع القتال، ولكن ماذا حصل الآن؟"، يسأل كوستينكو.
إلى جانب هذه العائلة، يجلس إيهور نازارينكو البالغ من العمر 44 عاماً. يأسف لما يحصل في بلاده، لا بل حتى يرى أنّ هذه الحرب قد تكون مدمرة نفسياً وبشرياً لكلا الطرفين.
قصص أخرى يحملها السكّان الفارّين من الحرب. يغادر أوليغ هونشاروك مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى غرب البلاد. كان الأب -مهندس يبلغ من العمر 37 عاماً- قد أعاد عائلته مؤخراً من منزل والديه إلى المدينة، بعد أن اعتقد أنّ التحذيرات من وقوع حرب مبالغ فيها. بحسب هونشاروك "لم يعد آمناً البقاء في العاصمة، علينا حزم أمتعتنا من جديد والتوجّه إلى مكان آخر، لأن البقاء هنا قد يكون خطيراً جداً".
صحيح أنه قد تكون هذه الشهادات لسكّان أوكرانيا الذين قرروا الهروب سمة مشتركة، خاصة للعائلات التي لديها أطفال، ولكن بالنسبة للمناضلين الذي تحدّوا يوماً ما حكومة فيكتور يانوكوفيتش الموالية لموسكو، قد يكون الأمر مختلفاً.
تسأل آنا سيردويك عما إذا كانت تضحيات النضال قد ذهبت سدى، لتعود وتؤكّد أنّ نضال الشباب للحصول على الحرية والديمقراطية أمر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه.
شاركت سيردويك في الاحتجاجات عندما كانت طالبة تبلغ من العمر 20 عاماً، وكسرت ذراعها الشرطة الخاصة التي اشتهرت بوحشيتها. تقول: "لقد صدقنا حقاً ما كنا نقاتل من أجله، كنا مثاليين للغاية. لقد راودنا هذا الحلم الكبير بدولة جديدة"، وتضيف: "ربما لم يحدث كل ما كنا نأمله، كانت هناك خيبات أمل على الطريق، لكننا حققنا الكثير أيضاً. لتعود وتسأل نفسها: ماذا لو انتصر الروس، فهل سنصبح مثل دونيتسك ولوغانسك؟ لن تكون هذه دولة تستحق البقاء فيها، ستتعين علينا مغادرتها".
قضية مغادرة السكّان هرباً من النظام الروسي في حال انتصرت موسكو في الحرب تُقلق العديد من الناشطين الحقوقيين. فعلى سبيل المثال، تشير آنا سيردويك إلى أنّ صديقها قد يغادر البلاد لنشاطه الحقوقي. يخشى فيكتور شيفتس، صديق سيردويك، من إمكانية تصفيته. فقد كانت هناك تقارير منذ فترة طويلة تفيد بأنّ موسكو أعدّت قائمة بأسماء الأشخاص الذين تريد اعتقالهم. إذ ظهر المدعي العسكري الروسي قبل أيام على التلفزيون الرسمي يحمل قائمة بأسماء أولئك الذين قد يواجهون المحاكمة، وقد يكون شيفتس من ضمنهم.
يقول الأخير: "لا أعرف عدد القوائم، لكن قيل لي إنّ اسمي موجود على واحدة، لقد تحدثت عن الانتهاكات في "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك"، ولذلك لا يمكنني البقاء هنا إذا تولى الروس زمام الأمور".