استمع إلى الملخص
- **تحديات ومعوقات حملة التطعيم:** وصلت مليون و260 ألف جرعة لقاح، وتستهدف الحملة تطعيم 640 ألف طفل دون سن العاشرة، وسط اكتظاظ في المستشفيات وتحذيرات من تفشي الأمراض بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
- **توعية وأهمية التطعيم:** أكد الطبيب مجدي ظهير أن اللقاح هو السبيل الوحيد للوقاية، وأطلقت الحملة جهوداً لتوعية الناس بأهمية التطعيم، وسط تخوفات من انتشار الفيروس ونقص الأدوية.
دفعت المخاوف من التداعيات الخطيرة التي يسببها فيروس شلل الأطفال آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة إلى النقاط الطبية في المحافظة الوسطى التي انطلقت فيها المرحلة الأولى من حملة تطعيم وطنية.
اصطحب الفلسطيني مطر الزق، طفليه أنس (ثماني سنوات) ونسيم (سبع سنوات)، في وقت مبكر من صباح أول من أمس الأحد، إلى نقطة طبية قريبة في مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، جرى الإعلان عن توفيرها التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال، لإعطاء جرعتي لقاح للطفلين لوقايتهما من الإصابة بالفيروس الذي يتسبب بإعاقة دائمة للمصابين.
يقول الزق الذي بدا عليه الارتياح من إتمام عملية التطعيم لـ "العربي الجديد": "كنا ننتظر وصول اللقاحات بعد انتشار الأنباء عن ثبوت وجود المرض في القطاع، ما يشكل خطراً كبيراً على أطفالنا. فور بدء حملة التطعيم، توجهت مباشرة إلى النقطة الطبية. وصلت باكراً، ولم يكن هناك أعداد كبيرة من المواطنين عند وصولي، وكانت الفرق المختصة بانتظارنا، وجرى إعطاء التطعيم بشكل سريع، وحين خرجت فوجئت بامتلاء ساحة المدرسة بمئات المواطنين، والذين اصطفوا في طوابير طويلة مع أطفالهم للحصول على اللقاح، كما اكتظت العيادات والنقاط الطبية الأخرى".
ويرجع الزق حرصه على تطعيم أطفاله إلى كون الفيروس يتسبب بإعاقات خطيرة، ويؤثر بالتالي على مستقبل الأطفال. يضيف: "لا يريد أي أب رؤية أطفاله مصابين بشلل الأطفال، بل يكون سعيداً برؤيتهم يمشون ويتقدمون في العمر، بينما هذا الفيروس يهدد كل ذلك. نعاني من متاعب متعددة مع العيش في الخيام كوننا نازحين، وانتشار المياه الملوثة وسوء التغذية. وعند العودة إلى الخيمة، كانت ملامح الراحة ترتسم على وجهي الطفلين لحصولهما على التطعيم، رغم عدم وعيهما الكافي بطبيعة المرض. أستشعر وعي الناس وحرصهم الكبير على تطعيم أطفالهم، والذي يعكسه الإقبال الكبير على النقاط الطبية للحصول على الطعوم".
وصل إلى قطاع غزة مليون و260 ألف جرعة من لقاح شلل الأطفال
ووصل إلى وزارة الصحة في قطاع غزة مليون و260 ألف جرعة لقاح، رغم كل معوقات الاحتلال لمنع عمل القطاع الطبي، وتكرار أوامر الإخلاء في المناطق التي ستجرى فيها المرحلة الأولى من عملية التطعيم. ويبلغ عدد الأطفال دون سن العاشرة المستهدفين بالتطعيم 640 ألف طفل.
تشمل حملة التطعيم الأطفال من عمر يوم حتى عشر سنوات، وتستمر في دير البلح حتى غد الأربعاء، في الفترة من الساعة 7:30 صباحاً حتى الثانية ظهراً حسب التوقيت المحلي. ومن المقرر بدء التطعيم في خانيونس في الفترة بين 5 إلى 9 سبتمبر/ أيلول الحالي، ثم في مدينة غزة ومحافظة الشمال في الفترة من 9 إلى 12 من الشهر ذاته.
وخلال يومي الأحد والاثنين، شهد مستشفى شهداء الأقصى اكتظاظاً كبيراً من قبل المواطنين لتطعيم أطفالهم، وظهرت علامات سوء التغذية والإعياء على الكثير من الأطفال نتيجة حالة التجويع التي يعيشها سكان قطاع غزة في جزء من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي.
وتصاعدت خلال الشهرين الأخيرين، التحذيرات التي أطلقتها مؤسسات حقوقية وصحية، محلية ودولية، من مخاطر تفشي الأمراض والأوبئة في القطاع نتيجة الواقع المأساوي الذي يعيشونه في مراكز الإيواء والخيام، وانتشار القمامة، وغياب مياه الشرب النظيفة، بالتزامن مع نقص الأدوية.
في 16 أغسطس/آب الماضي، أرسلت عينات من الطفل عبد الرحمن أبو الجديان الذي لا يزيد عمره عن عام واحد، إلى الأردن لفحصها، لتثبت إصابته بمرض شلل الأطفال، بعد أيام من نقله إلى مستشفى شهداء الأقصى بأعراض مرضية من بينها ارتفاع درجة الحرارة، وصعوبة التنفس، وفقدان الرغبة في الرضاعة، وعدم القدرة على تحريك أطرافه.
يقول عز الدين الشيخ، وهو خال الطفل أبو الجديان، لـ "العربي الجديد": "كان من المقرر أن يحصل عبد الرحمن على التطعيم الدوري في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن الحرب منعته من ذلك، وقد عاش عامه الأول في بيئة ملوثة كانت عاملاً أساسياً في إصابته، فنحن نشرب من مياه تحضرها شاحنات لتوزيعها بالمجان على النازحين في مخيمات دير البلح، وأعتقد أن هذه المياه التي نستخدمها للشرب والغسل وكافة الأغراض الأخرى هي أحد مسببات الإصابة".
يضيف: "بعد ظهور علامات المرض على ابن شقيقتي، توجهت به العائلة إلى مستشفى شهداء الأقصى، وهناك جرى أخذ عينة من برازه، ثم أعدناه إلى المنزل بعد تقلص الأعراض، وحينها تمكن من تحريك أطرافه، ثم ثبتت إصابته لاحقاً، فقامت وزارة الصحة بإعطائه اللقاح، وتطعيم أشقائه الذين حصلوا على الطعوم سابقاً، لكن حالة عبد الرحمن لم تتحسن، ولا يزال عاجزا عن تحريك أطرافه".
بدورها، كانت رفيف عزيز مترددة في تطعيم أطفالها بسبب تأثرها بمنشور طالعته على "فيسبوك" حول مخاطر اللقاحات، ما جعلها مقتنعة بأن تلك اللقاحات وسيلة لقتل الأطفال، أو التسبب بأضرار صحية لهم. تقول لـ "العربي الجديد": "جرى أخذ أطفالي للتطعيم من دون علمي، إذ كنت خارج المنزل، ولم يكن أحد في العائلة يدري برفضي للقاح، وحين علمت أنهم في طريقهم، حاولت عرقلة الأمر، لكن لم يجب أحد على اتصالاتي، وحينما عادوا، قررت مراقبة حالتهم لبعض الوقت، لكن لم تظهر عليهم أية أعراض".
في المقابل، يؤكد رئيس اللجنة الفنية للحملة الوطنية للتطعيم ضد شلل الأطفال، الطبيب مجدي ظهير، لـ "العربي الجديد"، أن "اللقاح يقي الأطفال من الإصابة بالمرض، وأنه العنصر الأساسي للوقاية، ونسبة تضرر الأطفال من اللقاح معدومة، ولم تسجل أي مشاكل صحية لأطفال حصلوا على اللقاح سابقاً. اللقاح هو السبيل الوحيد للوقاية، وإصابة الأطفال بالمرض تعني الشلل مدى الحياة، أو فقدان الحياة".
يضيف ظهير: "نحن معنيون بتطعيم كل الأطفال، وأطلقنا حملة واسعة لتوعية الناس بأهمية التطعيم من خلال فرق تجوب الشوارع ومفتشين صحيين، كما وزعنا منشورات توعية، ووصلت رسائل نصية إلى عشرات آلاف المواطنين لتأكيد أن اللقاح آمن، ومرخص، ومستخدم في كثير من دول العالم. اكتشفت حالة مرضية واحدة، وعالمياً، يعد ثبوت إصابة واحدة وجود الوباء، وأن هناك المزيد من الإصابات التي لم يتم الوصول إليها".
يتابع: "يصيب المرض عادة الأطفال الأقل عمراً من خمس سنوات، لكن قد تمتد الإصابة إلى عمر عشر سنوات، ولا تحدث الإصابة للفئات العمرية الأكبر بسبب قوة أجهزتها العصبية، ما يضعف الفيروس أمامها، فلا يؤثر عليهم حتى لو أصيبوا به، لكنهم قد يعتبرون مصدراً للعدوى للأطفال الأدنى عمراً. عدم القضاء على الوباء يعني أن مئات الأطفال سيصابون بشلل الأطفال، وبالتالي يصبحون عبئاً على عائلاتهم، إضافة إلى تسجيل حالات وفاة".
وينتظر سكان جنوبي القطاع وشماله وصول جرعات التطعيم، والبدء في تلقيح الأطفال في ظل واقع صحي متردٍ للغاية بسبب تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي البنية الصحية بشكل شبه كامل.
من محافظة الشمال، يقول الفلسطيني محمد الكحلوت لـ"العربي الجديد"، إنه ينتظر حلول يوم التاسع من سبتمبر الذي سيبدأ فيه التطعيم بمنطقته، من أجل حصول أطفاله الأربعة على اللقاح، موضحاً أنّه كان يتخوف قبل وصول التطعيمات من إصابة أي منهم، ما يجعله حريصاً على المسارعة في إعطائهم الجرعات من أجل ضمان سلامتهم.
يضيف الكحلوت: "التطعيم ضروري للوقاية من الفيروس، والذي اختفى من قطاع غزة قبل سنوات، لكنه ظهر أخيراً بالتزامن مع العدوان المدمر الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي. وجدت على مواقع التواصل الاجتماعي عبارات ومعلومات مضللة تدعو الناس إلى عدم إعطاء أطفالهم اللقاح، لكني تجاهلتها لأنني أعرف أهميته، وتلك المنشورات التي يتداولها بعض الناس لا تستند إلى أية أسس علمية، وقد انتشرت سابقاً في وقت أزمة كورونا".
ويطالب الكحلوت بإدخال أصناف مختلفة من الأطعمة والخضروات والفواكه إلى شمالي القطاع ومدينة غزة "لضمان تغذية الأطفال، والكبار أيضاً. نعيش منذ بداية الحرب على المعلبات، وهي لا تساعد الجسم على مقاومة الأمراض، بل على العكس تضعف مناعة الناس، خصوصاً الأطفال الصغار الذين يحتاجون لتنوع الطعام للحفاظ على الصحة".
ويعاني أطفال قطاع غزة من انتشار العديد من الأمراض، ومن بينها أمراض جلدية معدية، وفي وقت سابق شهد القطاع انتشاراً لالتهاب الكبد الوبائي في مراكز الإيواء وأماكن النزوح المكتظة، ويشتكي الأهالي من ندرة الأدوية اللازمة للعلاج، وكذا وسائل النظافة الشخصية، ومن قلة المياه.