شجرة الأركان.. ذهب سائل يحمي المغرب من التغير المناخي

10 مايو 2023
تضطلع النساء بعملية استخراج زيت الأركان الثمين (فاضل سينا/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يحتفي العالم باليوم الدولي لشجرة الأركان، في العاشر من شهر مايو/ أيار، كما في كلّ عام. باعتبارها أحد أهم أركان التنوع البيولوجي الزراعي والنظم البيئية المرنة والتراث الثقافي الثمين، إضافة لكونها مصدراً لـ"الذهب السائل"، فضلا عن دورها الكبير في محاربة التصحر، كما أنها تكتسي قيمة رمزية وعاطفية قوية لدى المجتمعات المحلية بالنظر لاستعمالاتها وفوائدها المتعددة والمتنوعة صحياً وغذائياً وجمالياً.

وتكتسي شجرة الأركان أهمية كبرى نظرا لتعدد استخداماتها وبوصفها وسيلة من وسائل الكسب، فضلا عن دورها في زيادة المرونة وتحسين التكيف مع التغيرات المناخية وتحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة - الاقتصادية والاجتماعية والبيئية - على المستوى المحلي.

كنز من كنوز المغرب

شكلت شجرة الأركان منذ غابر الأزمان، جزءا من الحياة اليومية والثقافية للسكان المنتشرين في المجالات الواسعة لجنوب وغرب المغرب، وهي نوع غابوي متجذر يعود إلى الزمن الجيولوجي الثالث.

ووفقاً للأمم المتحدة، تتميز شجرة الأركان بقدرتها على تحمل درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، وكذلك الصمود في بيئة قاسية في ظل ندرة المياه، وخطر التعرية والتربة الفقيرة، كما تعد معقلًا حقيقيًا ضد التصحر، حيث يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار ويمكن أن تعيش لمدة 200 عام.

وتُعد هذه الشجرة التي تتوطن جنوب غرب المغرب، وتنمو في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، أحد كنوز المغرب، وذات قيمة رمزية وعاطفية قوية لدى المجتمعات المحلية.

ويسعى المغرب منذ الإعلان الأممي عن 10 مايو/أيار يوما عالميا لشجرة الأركان في مارس/آذار 2021، إلى الاحتفال بهذا الحدث الدولي وتسليط الضوء على مجهودات المملكة في المحافظة على هذه الشجرة المتوطنة وتثمين مجالها كمحمية للمحيط الحيوي وتصنيفها كتراث لامادي للإنسانية، واعتبارها مصدرا للتنمية المستدامة ورمزا للتأقلم مع التغيرات المناخية.

ووفقاً لبيان سابق لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بالمغرب، يهدف هذا الاحتفال العالمي إلى إبراز الدور المتميز الذي يضطلع به المجال الحيوي للأركان في تعزيز تأقلم الساكنة المحلية، ومدى مساهمته في تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، وذلك من خلال إسهامه في الأمن الغذائي، وقدرته على التكيف مع التغيرات المناخية، وكذا الجهود المبذولة لتوفير الظروف اللازمة للعيش في ظل ما يعرفه هذا المجال من شح الموارد المائية.

ولغابات شجر الأركان منتجات حرجية وفواكه وأعلاف، وأوراقها وثمارها صالحة للأكل وذات قيمة عالية، كما أنها تشكل احتياطي علف حيويا للقطعان حتى في فترات الجفاف. وفضلا عن ذلك، تستخدم هذه الأشجار حطبا ووقودا للطبخ والتدفئة.

وتساهم الممارسات المتعلقة بالأركان وقطاع الإنتاج المستدام للأركان في التمكين الاقتصادي والإدماج المالي للمجتمعات المحلية، ولا سيما النساء اللائي يعشن في المناطق الريفية. وغيرها من المنظمات الزراعية المدعومة من المجتمعات المحلية والتعاونيات العاملة في مجال الأركان تقوم بدور أساسي في تعزيز فرص العمل المحلية ويمكن أن تؤدي دورا مهما في الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي وفي القضاء على الفقر.

الذهب السائل بأنامل المغربيات

يعتبر زيت الأركان من أندر الزيوت في العالم ويشتهر بـ "الذهب السائل" للمغرب، وله استخدامات متعددة في الطبخ والأدوية ومستحضرات التجميل. ويُعرف عن هذا الزيت علميًا قدرته على الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وفوائده للبشرة. وتتصدر المرأة المغربية عملية استخراج الزيت كاملة من خلال المعرفة المنقولة عبر الأجيال.

يمر استخراج زيت الأركان بالطرق التقليدية عبر سلسلة تبدأ من جني الفاكهة وتنتهي بالحصول على الزيت، وتضطلع النساء بشكل شبه كلي بمهام الحصول على الزيت، تتضمن على التوالي جني الثمار والتقشير والتكسير والفرز والتحميص والطحن والعجن.

ويمكن تلخيص مراحل الحصول على الزيت بطريقة تقليدية في ثلاث رئيسية، الأولى عملية تكسير النوى الصلبة باستخدام حجرين طبيعيين وبالحرص على عدم تعرض الحبوب للتلف، ثم طحن البذور برحى، وأخيرا العجن الذي يتطلب الإضافة التدريجية للماء الدافئ حسب كميات تحددها النساء حسب خبرتهن في المجال.

تغذية وصحة وجمال

يستخدم زيت الأركان بكثرة في تحضير أطباق الأعياد، كما يقدم للضيوف كهدية، وأيضا للاستهلاك اليومي مع الخبز، فضلا عن أغراضه التجميلية للحفاظ على نضارة البشرة، وعلاج حب الشباب، وتخفيف التهابات الجلد، والتقليل من الشيخوخة المبكرة. وقد دخل الزيت الذي كان سابقاً يستخدم في التغذية والتداوي، عالم مستحضرات التجميل على المستوى الدولي، وبات زيته ومنتجاته ذات شهرة كبيرة داخل المغرب وخارجه، سواء منها صابون الاستحمام أو شامبو الشعر وغيرهما، وتتم الاستفادة من جميع مكونات الشجرة، إذ تعتبر غابة الشجرة مرعى مفضلا من طرف القطعان، وخشبها ينتح فحماً جيداً، وأغصانها تسخر في تدعيم البنايات، وتكون القشور وقودا للنار في المساء، وما تبقى من العصر تسمن به الأغنام، ويلزم 150 كجم من الفاكهة لإنتاج 3 لترات من زيت الأركان.

تهديدات مستمرة

تواجه موائل غابات الأركان تهديدات مستمرة سببها إزالة الغابات وزيادة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وفقا لما أوضحت منظمة الأغذية والزراعة "فاو" التي سبق أن صنّفت منطقة آيت صواب-آيت منصور في المغرب، وهي منطقة فريدة من نوعها تزرع فيها أشجار الأركان منذ قرون، كواحدة من نظم التراث الزراعي ذات الأهميّة العالميّة. ويساعد هذا التصنيف على دعم صون هذه المنطقة والتشجيع على استغلالها استغلالًا مستدامًا لصالح الاقتصادات المحلية.

يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) حددت في عام 1988 منطقة إنتاج الأركان بوصفها محمية. كما أُدرجت جميع الممارسات والدرايات الفنية المتعلقة بأشجار الأركان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2014. وعلاوة على ذلك، اعترفت منظمة الأغذية والزراعة في كانون الأول/ديسمبر 2018 بالنظام الزراعي والرعوي المعتمد على أشجار الأركان في المغرب بوصفه نظاما تراثيا زراعيا ذا أهمية عالمية.

وفي عام 2021، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 مايو/أيار يومًا عالميًا لشجرة الأركان.

المساهمون