شاطئ غزة... البحر متنفس حصري أكثر من أي يوم مضى

17 يونيو 2024
يوفر الشاطئ فرصة لنسيان المآسي اليومية ولو مؤقتاً (محمد الحجار)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شاطئ بحر غزة يصبح ملاذًا للغزيين الهاربين من الحرارة والظروف المعيشية القاسية بسبب العدوان الإسرائيلي والحصار، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في القطاع.
- الغزيون يحاولون استعادة لحظات الفرح والراحة على الشاطئ، خاصة خلال عيد الأضحى، حيث يلعب الأطفال ويحاول الكبار تجاوز خساراتهم، في محاولة لإيجاد بصيص من الأمل.
- قصص معاناة مختلفة تروى على شاطئ البحر، حيث يحاول الأهالي الحفاظ على قرب أطفالهم وتوفير بعض الراحة لهم، متحدين الظروف الصعبة والخوف من القصف، محاولين الاحتفاظ بروح الحياة والأمل.

أصبح شاطئ بحر غزة المتنفس الوحيد أمام الغزيين المهجرين أكثر من أي يوم مضى في ظل العدوان. هناك يحاولون أخذ استراحة من الموت والحزن والقهر بعيداً عن الخيام والبيوت المدمرة والحرارة المرتفعة

لا يجد الغزيون سوى شاطئ البحر متنفساً مؤقتاً ووحيداً بالنسبة إليهم، بعدما حشر الاحتلال الإسرائيلي المهجرين في مناطق معينة في قطاع غزة. في جنوب القطاع، لا يزال يهاجم أهدافاً في مدينة رفح ويحاصرهم في غرب مدينة خانيونس في منطقة المواصي وغرب مدينة دير البلح وبعض مناطق وسط القطاع. أما في الشمال، فقد حشرهم في المنطقة الغربية لمدينة غزة.
يتجه الغزيون إلى شاطئ البحر ليجلسوا أمام متنفسهم الوحيد منذ 17 عاماً من الحصار الإسرائيلي، ثم العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وزادت أعداد الغزيين المتجهين إلى الشاطئ خلال أيام عيد الأضحى هرباً من الحر الذي يلاحقهم في خيامهم، التي أصبحت بالنسبة إليهم مثل فرن.
لدى الجميع حكاياتهم على الشاطئ. منهم من فقد عائلته ومنهم من استشهد أطفاله وآخرون فقدوا أطرافهم. جميع هؤلاء يجلسون على الشاطئ طمعاً بقسط من الراحة، فيما يمرح أطفالهم بعيداً عن احتمالات الموت الدائمة. أصبحت بعض تلك المناطق هدفاً للاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً على شاطئ البحر المطل على قرية الزوايدة، وسط القطاع. وكان الاحتلال الاسرائيلي قد قصف في 11 من الشهر الجاري أماكن قريبة من الخيام التي تنتشر على امتداد منطقة الشاطئ، بعدما امتلأت المساحات الزراعية في القرية التي تقع بين مدينة دير البلح ومخيم النصيرات بالمهجرين.


في هذا السياق، يقول عماد الحرز، الذي هُجّر من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة، إنه عاد إلى المنطقة نفسها التي تعرضت للقصف، وقرر البقاء فيها متحدياً الأضرار التي لحقت ببعض الخيام المطلة على الشاطئ. ويحاول وعائلته تناسي ما حصل والترويح عن الأطفال. بالنسبة إليه، لا بديل عن شاطئ البحر وخصوصاً خلال عيد الأضحى، وقد عجزوا عن تحقيق أي شكلٍ من أشكال الفرحة لأطفالهم.
قبل عام، كان حرز قد التقى أصدقاء استشهد بعضهم اليوم. يذكر أنه قضى وعائلته أوقاتاً ممتعة على شاطئ البحر في منطقة الزوايدة، هو الذي يفضل الاستجمام على الشاطئ. ويشير إلى أن هذا الشاطئ يعد الأقل تلوثاً بحسب سلطة جودة البيئة التي تنشر في كل عام معلومات لتحذير الغزيين من التلوث على الشواطئ، مع الإشارة إلى أفضل المناطق للاستجمام. هُجّر إلى هذه المنطقة وقد استشهد ثلاثة من أصدقائه الذين كانوا يرافقونه العام الماضي في المكان نفسه. يقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "يلهو أطفالي وهم سعداء وأكبرهم عمره 11 عاماً وأصغرهم زينة (أربع سنوات)". يضيف: "العيد جميل.

الصورة
تحول شاطئ البحر إلى مساحة للأطفال للعب والاستمتاع (محمد الحجار)
تحول شاطئ البحر إلى مساحة للأطفال للعب والاستمتاع (محمد الحجار)

وفي ظل استمرار العدوان، لن تجد أجمل من مشهد شاطئ البحر". يضيف: "في المكان نفسه قبل عام، كنت وأصدقائي عامر وماجد وأسامة هنا. جميعهم استشهدوا في مناطق متفرقة من قطاع غزة أثناء رحلة النزوح. أصبحت وحيداً في المكان نفسه، وأحاول تعويض الذاكرة الصعبة من خلال مشاهدة أطفالي يلعبون غير مبالين بالعدوان الإسرائيلي".
غرب مدينة خانيونس في منطقة المواصي، يحرص عدد كبير من الأسر على تعويض أطفالهم باللعب على شاطئ البحر بدلاً من ألعاب العيد. لكن تبقى الفرحة منقوصة رغم انتشار عدد من المبادرات الشبابية الخاصة بالأطفال في المنطقة الأكثر اكتظاظاً في قطاع غزة. ويبقى القلق في ظل تحليق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية طوال الوقت فوق رؤوسهم، وتشعرهم بأنهم ملاحقون حتى أمام شاطئ البحر، كما توضح ريا إسلام (35 عاماً)، وهي أم لطفلين. تحاول إبقاء طفليها قريبين منها على الشاطئ لأنها تشعر بالخوف. 

الصورة
هناك حاجة للاستمتاع بالهواء النقي (محمد الحجار)
هناك حاجة للاستمتاع بالهواء النقي (محمد الحجار)

تعيش إسلام قلقاً كبيراً خلال وجودها على شاطئ البحر بسبب البوارج الحربية التي تذكرها بعدوان عام 2014، عندما كان أطفال من عائلة بحر يلعبون كرة القدم في منطقة الميناء الأولى، وقد قصفتهم البارجة الإسرائيلية وقتلت الأطفال الأربعة. تتلفت إسلام يميناً وشمالاً فتجد الكثير من الناس حولها، وهو ما يطمئنها بعض الشيء. تتابع الإدلاء بشهادتها لـ"العربي الجديد": "اتجه معظمنا إلى شاطئ البحر للجلوس أمامه والاستمتاع بالهواء النقي بعيداً عن رائحة البارود والقمامة المنتشرة في المكبات المجاورة لنا. وعلى الرغم من طائرات الاستطلاع التي تحلق فوقنا في أي مكان نذهب إليه، اتخذنا من البحر متنفساً كما في السابق. لكن الخوف حاضر في نفوسنا. كأم، أسترجع قتل الأطفال حتى في لحظات الهدوء". تضيف: "نحاول الجلوس أمام شاطئ البحر. نتجمع في بعض الأحيان للسباحة ونحن نرتدي ملابس الصلاة نفسها، ثم نعود إلى الشاطئ لنحكي عن همومنا. لدينا جميعاً قصص مأساوية. كلنا خسرنا أقارب من الدرجة الأولى. أعتقد أن البحر لن يتحمل همومنا رغم كبره".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأصبح مخيم دير البلح، وأمام التلة الكبيرة المعروفة لدى سكان وسط قطاع غزة، ممتلئاً بالنازحين على امتداد حدود المخيم مع الكورنيش. يزداد الازدحام غرب مخيم دير البلح الذي وصل إليه الناس من جميع مناطق شمال القطاع ومناطق مدينة غزة. وزادت أعداد المهجرين إلى تلك المناطق نتيجة الزحف "السكاني" باتجاه البحر، إذ صارت عشرات الخيام منتشرة أمام الشاطئ مباشرة.
عادل أبو الخير (52 عاماً)، هو أحد الموجودين في المنطقة، كان يعمل صياداً قبل 15 عاماً ويقصد الشاطئ الذي أصبح مهجراً فيه اليوم. ورث المهنة عن والده الذي توفي عام 1999، وكان أحد الذين ورثوا مهنة الصيد عن أجداده في مدينة يافا، وأصابه جنود الاحتلال عام 2009 عندما أطلقوا النار على مراكب الصيادين.

الصورة
غزة (محمد الحجار)
يمارسون الرياضة على الشاطئ (محمد الحجار)

منذ ذلك الوقت، لم يعمل في مهنة الصيد. لكنه أخيراً، وأمام أطفاله الذين يلهون ويلعبون، استعاد ذاكرته وعاد إلى شاطئ البحر الذي يحبه، وكأنه يشكو له همومه. يقول لـ"العربي الجديد": "كان شاطئ البحر يشهد في مناسبات كثيرة مقتل كثيرين برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى تدمير مراكب الصيادين". كما يذكر أن بعض أقاربه الذين حاولوا الهجرة غير الشرعية قضوا حتفهم في قاع البحر. "لكن يجب أن أزيح كل مشاعري السلبية وذاكرتي من أجل أبنائي وأحفادي"، يقول.

هرب من المجاعة 

خلال الأيام الأخيرة، تحرر سكان المنطقة الشمالية من القيود الإسرائيلية، وأصبحوا يتوجهون إلى شاطئ البحر الذي احتله بالكامل ودمر الشوارع المؤدية إليه وخصوصاً أمام شاطئ بحر السودانية الأشهر في المنطقة الشمالية، والذي كان المزار الأساسي للغزيين في موسم الاصطياف. هذه السنة، عادوا إليه خلال فترة العيد للاستجمام والترويح عن أنفسهم رغم الدمار المنتشر في المنطقة، كما يبين أحمد السحار. السحار فقد منزله المكون من ثلاثة طوابق قبل أربعة أشهر، وكان يأوي 30 فرداً، بالإضافة إلى والدته المسنة وشقيقين وأطفال. جميعهم اليوم مهجرون في مدرسة في حي الكرامة، شمال القطاع، ويحرصون على الذهاب يومياً إلى الشاطئ سيراً على الأقدام، لأن المدرسة التي يقيمون فيها مدمرة جزئياً، عدا عن الجوع والضغوط النفسية. يقول السحار لـ"العربي الجديد": "نعاني بسبب الجوع. لا نريد الموت، نحن الذين نعيش في مدرسة بعض أقسامها آيلة للسقوط. نحاول الهرب من الحر قليلاً في فترة الصباح والعصر، والعودة مع غروب الشمس، إذ إن القصف الإسرائيلي يشتدّ في المساء، ونسمع قصف البوارج الحربية".

المساهمون