شارع النبي دانيال... مخاوف من اغتيال الطابع "الكوزموبوليتاني"

05 سبتمبر 2023
تشهد مكتبات شارع النبي دانيال إقبالاً واسعاً (العربي الجديد)
+ الخط -

يزيد عمر "شارع النبي دانيال" في قلب مدينة الإسكندرية عن 2350 عاماً، إذ بدأ تخطيطه في عهد الإسكندر الأكبر الذي استمدت المدينة اسمها منه، ويعتبر أيقونة المدينة الثقافية، والقبلة الأولى لراغبي شراء الكتب، كما يعد مجمعاً للأديان السماوية، إذ تجاور الكنيسة المرقسية، وهي أقدم كنيسة في قارة إفريقيا، معبد إلياهو، وهو أشهر المعابد اليهودية في الإسكندرية، وإلى جانبهما مسجد النبي دانيال الذي بني في القرن الثامن عشر.
وإلى جانب المباني التراثية الشهيرة، يتمتع الشارع بخصوصية تاريخية وثقافية، إذ تنتشر به أكشاك بيع الكتب، ومن بينها مخطوطات وكتب تراثية، وإلى جوارها محال بيع الكتب المعاصرة والحديثة؛ الجديدة والمستعملة، وكتب المدارس الخارجية، والكتب المخصصة للأطفال، ما يجعله مقصداً دائماً للمثقفين وعشاق اقتناء الكتب.
فور إعلان محافظة الإسكندرية انتهاء المرحلة الأولى من التجديد والترميم في الشارع، والتي تتم بالتنسيق مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وتقوم بتنفيذها إحدى "الجهات السيادية"، ثارت المخاوف من أن تؤدي أعمال الترميم إلى تغيير طابع الشارع، أو طمس بعض معالمه.
وحسب بيان لمحافظة الإسكندرية، فإن المشروع يهدف إلى إعادة تأهيل الشارع عبر رصد أهم المباني المسجلة في قائمة الطراز المعماري المميز، مع إعادة النسق الحضاري للشارع، وتنظيم نشاط بيع الكتب من خلال مجموعة من الأماكن المحددة ذات التصميم الذي يتماشى مع الطابع التراثي، مع مراعاة الاتصال بين الشارع ومشروع تطوير ميدان "محطة مصر". 

مباني تاريخية عريقة في شارع النبي دانيال (العربي الجديد)
مباني تاريخية عريقة في شارع النبي دانيال (العربي الجديد)

يتحدث يوسف محمد، وهو صاحب أحد محال التحف والأنتيكات في شارع النبي دانيال، لـ"العربي الجديد"، عن أهمية الشارع التاريخية والثقافية، واصفاً إياه بأنه كان على مدار عقود "قبلة للمشاهير والمثقفين"، ليس بسبب الأهمية الدينية للشارع فحسب، وإنما لما يحتويه من كنوز تراثية وثقافية. مشيراً إلى أن "أحد أهم المخاوف أن تتناقض أعمال التطوير مع الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، أو أن يجري تغيير المعالم والتفاصيل التي يتميز بها الشارع، والتي تعكس تنوع سكان المدينة، وتاريخاً عمره مئات السنين، وكونه جزءاً أساسياً من الطابع الكوزموبوليتاني للمدينة، ويخشى بعضهم أن يؤدي التطوير إلى زيادة كلفة الإيجارات في الشارع، خاصة أن المحال مملوكة لشركات حكومية، مما قد يضطر أصحابها إلى إغلاقها، أو تغيير نشاطها". 
ويقول جرجس خوري، وهو أحد أقدم سكان الشارع: "نتخوف من فقدان بعض المباني التاريخية، فالشارع يضم عشرات المباني التراثية، أو أن تتضمن خطة التطوير هدم بعض المباني التي لا تتوافق مع المعايير الحديثة، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان جزء من تاريخ المدينة، وعلى منفذي التطوير الحفاظ على الطابع التاريخي والثقافي للمنطقة".

يخشى أصحاب المكتبات من تأثرهم بخطط التطوير (العربي الجديد)
يخشى أصحاب المكتبات من تأثرهم بخطط التطوير (العربي الجديد)

ويؤكد الحاج أحمد الحلبي، صاحب أحد أكشاك شارع النبي دانيال، على أهمية بقاء أكشاك بيع الكتب، وعدم المساس بأي منها، باعتبارها أحد أهم معالم الشارع، والقبلة الأولى لراغبي القراءة، مشيراً إلى أن "الوعود التي تلقيناها من المحافظ مطمئنة، لكن الخوف يتملك بعضهم منذ تسرب شائعات حول تقليص عدد الأكشاك في التصميم النهائي لتطوير الشارع. نطالب بزيادة عدد الأكشاك، وتوفير المزيد من الخدمات، وتوفير مظلات لحماية الزوار من أشعة الشمس، وتوفير دورات مياه عمومية لتنشيط الحركة التجارية، فالمنطقة وجهة سياحية وثقافية". 
ويري الخبير الأثري وأستاذ العمارة، محمد عبد التواب، أن "حالة الخوف التي تسيطر على أهالي المدينة بشكل عام، وسكان وبائعي وزائري شارع النبي دانيال بصفة خاصة، لها أسبابها، والتي تشمل تكرار حدوث عمليات تطوير مسيئة في أماكن ذات طابع خاص"، مؤكداً ضرورة أن تأخذ الحكومة هذه المخاوف على محمل الجد، وأن تعمل على ضمان الحفاظ على الطابع التاريخي والثقافي للشارع، وأن تقتصر عمليات التطوير على ترميم المباني القديمة والتاريخية، مع عدم إزالة أي منها بأي شكل، وتزويد المنطقة بالوسائل التكنولوجية، وتسهيل حركة المرور في الشارع. 

يحتاج الشارع إلى تطوير للبنية التحتية (العربي الجديد)
يحتاج الشارع إلى تطوير البنية التحتية (العربي الجديد)

يضيف عبد التواب: "على لجنة التطوير الاستعانة بالخبراء قبل طلاء المباني على جانبي الشارع بهدف الحفاظ على ذكريات الجاليات الأجنبية التي عاشت فيه، ومارس أهلها البيع والشراء، وامتزجوا مع أهالي المدينة، وشاركوا في إدارة الحرف والفنون، وتركوا لأهلها محال دونوا على جدرانها أسماءهم، والتصقت على أعتابها بقايا من طباعهم وذكرياتهم. شارع النبي دانيال هو مثال معبر عن طابع الإسكندرية الكوزموبوليتاني، لأنه يجمع أدياناً وثقافات وأعراقاً وأجناساً، وهو تجسيد حقيقي لفكرة المواطنة العالمية على أساس الأخلاق المشتركة".
من جانبه، يقول محافظ الإسكندرية، اللواء محمد الشريف، إن أعمال التطوير تشمل طلاء واجهات جميع المباني الموجودة في الشارع، مع الالتزام بكود اللون الأصلي للمباني التراثية، وترميم ما هو بحاجة إلى ترميم للحفاظ عليها، إذ يوجد نحو 15 مبنى تراثياً. مضيفاً أن طول الشارع 730 متراً، وتصل تكلفة تطويره إلى 103 ملايين جنيه، وهو أقدم شوارع الإسكندرية، إذ يعود تاريخ الشارع إلى عام 331 قبل الميلاد؛ عندما أمر الإسكندر الأكبر المهندس الإغريقي دينوقراطيس ببناء مدينة الإسكندرية لتكون عاصمة جديدة لإمبراطوريته، لما وجد فيها من موقع متميز يجعلها نواة لعصر جديد.

وطمأن المحافظ، في لقاء مع أصحاب أكشاك الكتب، بأنه "سيتم الاهتمام بالمكتبات، وتوحيد تصاميم أكشاك بيع الكتب بهدف الحفاظ على المظهر الحضاري والتراثي للشارع، وضمان عدم إعاقة حركة المرور فيه".
وتوضح نائب محافظ الإسكندرية، جاكلين عازر، أن "هناك مخطط ورؤية استراتيجية لتطوير جميع المواقع الأثرية والتراثية في المدينة، للحفاظ عليها، وإعادة المتضرر منها إلى سابق عهده، خاصة أن التغيرات المناخية أثرت على الكثير منها، ونعمل على ترميم كل واجهات المباني، مع الحرص على بقاء ألوان واجهات المباني التراثية. شارع النبي دانيال شاهد على تاريخ الإسكندرية، لذا فإن جميع أجهزة الدولة تتكاتف لإعادة الرونق إليه، وسيكون هناك تكامل بين مشروع تطويره وبين مشروع التطوير الذي جرى في مبنى محطة مصر". 

المساهمون