على بُعد عدة كيلومترات من الساحة الحمراء والكرملين، وعدة أمتار من مبنى وزارة الخارجية الروسية، ثمّة شارع سياحي يطلق عليه اسم "أربات"، تشتق تسميته من كلمة عربية، ويعدّ واحداً من أهم المعالم السياحية في موسكو، ومقصداً لزوارها من داخل البلاد وخارجها.
وفي قديم الزمان، قدم الغزاة البولنديون والفرنسيون إلى الكرملين عبر بوابة أربات. ومنذ القرن الـ18، عرف أربات أيضاً كشارع تجاري ومسكن للطبقة الأرستقراطية. في هذا الإطار، يعزو مدير مكتب "راديوس" للرحلات في موسكو، المؤرخ والمرشد السياحي، أنتون لاتينين، الشعبية الكبيرة التي يحظى بها شارع أربات إلى كونه أول شارع خصص للمشاة فقط في نهاية الحقبة السوفييتية، ليصبح مقصداً للفنانين والشباب، ورمزاً لانفتاح البلاد، وصفحة جديدة من تاريخها. يقول لـ "العربي الجديد": "أربات أول شارع خصص للمشاة في موسكو في عام 1986، بالتزامن مع تولّي آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، زمام السلطة في البلاد، وإطلاقه برنامج الإصلاح: بيريسترويكا، ما زاد من رمزية أربات الذي تحوّل إلى مقصد لمغني موسيقى الراب والجاز وحتى هواة البريك دانس، خصوصاً أنّ مثل هذه التوجهات الفنية لم يكن مرحباً بها في الدولة السوفييتية من قبل".
وحتى اليوم، ما زال أربات مقصداً لفناني الشوارع من الموسيقيين والرسامين، ويمكن رؤيتهم بكثرة عند التجول في هذا الشارع في الأوقات الدافئة في أشهر الصيف ونهايات الربيع وبدايات الخريف.
وحول الأصول العربية لتسمية شارع أربات، يشرح لاتينين: "يبدأ ذكر شارع أربات في المصادر التاريخية منذ القرن الـ16، وكلمة أربات مشتقة من العربية، وهناك روايتان تقول إحداهما إنّها مشتقة من كلمة أرباض، وتعني ضاحية، والثانية مشتقة من كلمة عربات، كون المنطقة تجارية... لكنّ الرواية الأولى هي المرجحة".
ولأربات مكانة خاصة في تاريخ الأدب والفن الروسيين، ويضم عدداً من المباني التي تعد ذات أهمية ثقافية، مثل مسرح "فاختانغوف" الذي بُني عام 1947، ومنزل الشاعر الروسي الأعظم ألكسندر بوشكين (1799 - 1837)، في الفترة بعد زواجه، والمبنى الذي قضى فيه الشاعر والملحن والفنان بولات أكودجافا (1924 - 1997) طفولته.
ويضم متحف بوشكين المكون من طابقين معرضاً أدبياً وفنياً يكشف علاقة الشاعر بموسكو وثقافتها، وقطعاً أصلية تعود إلى القرن الـ 19، والغرف التي عاش فيها بوشكين بضعة أشهر بعد زواجه من الحسناء ناتالي غونتشاروفا في عام 1831.
وأمام المتحف في شارع أربات يقع تمثال لبوشكين وناتالي، وما زال الجدال مستمراً حول تأثير غيرة الشاعر عليها في وصول الأمر إلى مبارزة مع جورج دانتيس، قُتل فيها بوشكين في عام 1837.
مع ذلك، يشير لاتينين إلى أنّ أربات ليس حاضراً في أعمال بوشكين كما هو الأمر مع غيره من الأدباء، قائلاً: "لم يقضِ بوشكين في أربات سوى شهر عسله والأشهر الثلاثة الأولى من زواجه، بينما غنّى أكودجافا له: يا أربات أنت وطني. لذلك، لهذا الشارع مكانة خاصة بين أدباء العصر الفضي في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20، وكذلك لمن برزت أسماؤهم في ستينيات القرن الماضي". وفي وقت يزخر فيه شارع أربات بالمقاهي والمطاعم ومتاجر التذكارات والتي عادة ما لا يفوّتها السياح، يلفت لاتينين إلى الجدال حول مكانة هذا الشارع بين سكان موسكو وإقبالهم عليه، كونهم لا يقصدونه كثيراً.
مع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أعده صندوق الرأي العام في عام 2014، أن 16 في المائة من سكان موسكو يعتبرون أربات مكاناً مفضلاً لهم في العاصمة، ليأتي بذلك في المرتبة الثانية بعد الساحة الحمراء (29 في المائة)، متفوقاً على معالم العاصمة مثل شارع تفيرسكايا الشهير (7 في المائة) وحديقة غوركي المطلة على نهر موسكفا، وساحة بوشكين (6 في المائة لكل منهما).
وبالتوازي مع أربات، يمتد شارع آخر يُدعى نوفي أربات (أربات الجديد) والذي ظل اسمه حتى تسعينيات القرن العشرين، شارع كالينين. وعلى العكس من أربات القديم، الذي يضم مباني تاريخية، صمم نوفي أربات في ستينيات القرن الماضي كشارع حديث وواجهة للإنجازات السوفييتية، بما فيها تسعة مبان عالية، أربعة منها في شكل كتب مفتوحة.
ويتسم نوفي أربات اليوم بدرجة عالية من الحيوية، ويضم عدداً كبيراً من المقاهي والمطاعم والمتاجر لمختلف الشرائح الاقتصادية من الزوار والسياح، وهو مفتوح أمام حركة السيارات أيضاً.
ويمكن لسكان موسكو وضيوفها الوصول إلى شارعي أربات، بسهولة على متن قطارات مترو أنفاق العاصمة، حيث تتقاطع في هذه المنطقة مجموعة من الخطوط.