سوريون منهكون على أبواب شهر رمضان

22 مارس 2023
تنتظر العائلات خلال رمضان مساعدات إنسانية (بكر قاسم/الأناضول)
+ الخط -

لم تستطع فوزة هذا العام الاستعداد لحلول شهر رمضان بسبب الظروف الصعبة التي تواجهها العائلة، وحالها مثل معظم أفراد عائلات مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية، فهذا العام بالنسبة لها أصعب من العام الذي قبله من نواح عدة.
تخبر فوزة "العربي الجديد" أنها تعيش مع زوجها المريض الذي يحتاج إلى إجراء عملية قلب مفتوح، ولا يعمل منذ مدة، ما جعل العائلة في حالة يرثى لها، وتقول: "لم نحضّر أي شيء لرمضان هذا العام. زوجي مريض ولا يعمل، لكن دائماً عندما يأتي رمضان تصبح الأمور أفضل، وتتحسّن الأحوال، لذا لا بدّ من أن نتفاءل رغم كل شيء بقدوم الشهر. عشنا صعوبات دائماً قبل شهر رمضان في السنوات السابقة  لكنها كانت تمضي".
ويقول إبن مدينة القامشلي، أحمد جمعة خليل، لـ"العربي الجديد": "كنت أجهّز في السابق مواد تكفي لمدة 15 يوماً خلال رمضان، وأزيّن البيت ببعض الفوانيس، لكن الوضع يختلف في الوقت الراهن، وسأشتري كما معظم العائلات ذات الدخل المحدود احتياجاتي اليومية فقط". يضيف: "قد تخفف أجواء رمضان ما نعيشه، وتزيح عنّا بعض ضغوط الحياة، فالشهر له خصوصيّته وحضوره المختلف عن باقي الشهور، إنه شهر الخير والبركة".
وفي ظل العيش "بالقليل القليل"، يتوقع أدهم صبحي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن يكون رمضان هذا العام صعباً للغاية بسبب ارتفاع الأسعار من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم وجود عمل لتأمين دخل لأسرته. ويقول: "سنصوم شهر رمضان، ونعيشه يوماً بيوم وبالقليل مما لدينا. أتمنى أن أحصل على عمل في رمضان يسمح لي بتوفير لقمة العيش لعائلتي، وأرجو أن تتحسن الأحوال كي تعيش عائلتي أجواء رمضان كما في السابق. حالياً كل ما أستطيع تحضيره هو شراء السوس ونقعه في الماء قبل اليوم الأول من رمضان كي أصفّيه في اليوم التالي وأشربه بعد الإفطار، فالسوس بالنسبة لي يرتبط برمضان".
قبل خمسة أعوام قتل زوج أمّ محمّد حين كانت في الـ 37 من العمر لدى قصف قوات النظام وروسيا مدينة معرة النعمان، وأجبرت على مغادرة المدينة مع 3 أطفال أكبرهم في الـ 12 من العمر. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أحضّر أي شيء لشهر رمضان الحالي. ابني الكبير محمد يعمل في محلّ لبيع الدجاج، وهو من يؤمن مصاريف العائلة، ومنذ وفاة زوجي تغيّر كلّ شيء ولم نعد نستعدّ لشهر رمضان كما في السابق. أبنائي يطلبون بعض الأطعمة، لكن عمل ابني محمد يكفي بالكاد لشراء الخبز وبعض الاحتياجات".

لا استعدادات ظاهرة لرمضان في المدن السورية (عبد المنعم عيسى/ Getty)
لا استعدادات ظاهرة لرمضان في المدن السورية (عبد المنعم عيسى/ Getty)

من جهتها، تقول رنا جمال عاصي من مدينة حلب لـ"العربي الجديد": "نزحت بعد مقتل زوجي مع أطفالي قبل عشر سنوات، وأنشأنا دكاناً ومُنحنا بيتاً في عفرين، ثم أقمنا بعد الزلزال في مخيم الرمان، وأنا أتحمل مسؤولية 6 أطفال أصغرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحالياً لا أملك إي قدرة على تحضير أي شيء لشهر رمضان، وسأنتظر أن تمد المنظمات الإنسانية يد العون لعائلتي خلال هذا الشهر". 
في مدينة جبلة، يقول الناشط الإعلامي حسام الجبلاوي لـ"العربي الجديد": "تحضيرات شهر رمضان هذا العام مختلفة. في السابق كان أهالي المدينة يحضّرون المونة لشهر رمضان، ويجري تزيين المناطق الشعبيّة والحارات وحتى بعض البيوت، كما كانت تعلق فوانيس في المساجد، لكن كارثة الزلزال أثّرت على الناس والأسر، ولا تظهر أي استعدادات لرمضان. الناس فعلياً في حال صدمة من الكارثة، ولم يعد عدد كبير منهم إلى بيوتهم، وهناك من خسروا بيوتهم وأقرباءهم، وهذا الواقع يلتقي مع ارتفاع الأسعار وتقنين الكهرباء. وقد تظهر مشاهد لرمضان مع حلول الشهر، لكن كل الأهالي متأثرون بالأسعار وبالواقع المعيشي الصعب".
وتقول إسراء الشابة المتحدرة من حلب التي لجأت إلى مركز إيواء بعدما فقدت والديها وشقيقها في الزلزال، لـ"لعربي الجديد": "كنّا نجهز لهذا الشهر المبارك قبل أسابيع من قدومه، ويشتري والدي مونة للمنزل وأشياء أخرى للعيد كي لا نقع ضحية لاستغلال التجار وانقطاع المواد الأولية. الآن سأقضي هذا الشهر في مركز الإيواء، وسأتناول أدويتي ولن أستطيع الصوم، ثم سأزور العائلة والجيران في المقبرة صباح العيد".

أما نبيل الذي وصل إلى دمشق بعد غياب طال خمس سنوات فيقول لـ"العربي الجديد": "يختلف الواقع على الأرض عن كل ما قرأته وسمعته. منذ أن وصلت إلى مطار دمشق التقي أشخاصاً أنهكتهم الحرب وأفقرتهم، وأنست كثيرين منهم كل طقوس العبادة والأعراف والتقاليد، ومواسم المحبة والفرح". 
يضيف: "يتواجد في المطار شحاذون ومبتزّون، وتبدو الوجوه متعبة وحزينة وخائفة في الشوارع، أما الأسواق فلا تظهر أي رحمة في شهر الصوم الذي أصبح عبئاً وهمّاً بعدما كان الدمشقيون ينتظرونه بحب وبهجة، وباتت طقوس وتقاليد الشهر الفضيل لا تتعدى حدود المنزل، ومن بقي من الجيران". 
ويذكر أهالي الشام شهر رمضان الكريم في سنوات ما قبل الحرب عندما كان يحضر العديد من المغتربين لقضاء الشهر المبارك مع ذويهم، وكانت تمتلئ دمشق وفنادقها بالزوار من أصقاع الوطن العربي، خصوصاً السعودية ودول الخليج. أما اليوم فأصبحت دمشق كسائر المدن السورية يلفها الجوع والعطش والعجز، ويقطن شوارعها الكثير من العسكر والأغراب، ما غيّر مشاهد وطقوس الشهر الفضيل حتى في الجامع الأموي.

المساهمون