يزداد الواقع الصحي تدهوراً في المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام السوري يوماً بعد آخر، وقد وصل الأمر إلى حدّ التحذير من التوقّف عن إجراء العمليات الجراحية في مستشفيات عدّة، وذلك في ظلّ استمرار نزيف الأطباء المتخصصين في التخدير الذين يُعَدّون من ركائز العمل الجراحي.
الطبيب محمد أ. يعمل في أحد مستشفيات دمشق، فيقول لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن هويته كاملة، إنّ "الوضع في مستشفيات سورية كارثي بكلّ ما تعنيه الكلمة، خصوصاً في ما يتعلّق بالنقص الكبير المسجّل في الكادر الطبي. فاليوم، تعاني مستشفيات في دمشق من عدم تغطية الأقسام بالكوادر الطبية اللازمة، الأمر الذي يضاعف الأعباء على من بقي من أطباء، وإن كانوا بغالبيتهم الساحقة ينتظرون فرصة السفر الأولى ليغادروا البلاد".
يضيف محمد أ. أنّه "في الفترة الماضية، كنّا نعاني من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب أعطال كثيرة بالأجهزة الطبية، لكنّ الخبرات البشرية كانت تخفف من معاناة المريض. أمّا اليوم، فثمّة نقص شديد في اختصاصات عدّة، منها أطباء التخدير الذي يؤدّون دوراً مهماً جداً في غرف العمليات من الخطوة الأولى إلى تلك الأخيرة، وكذلك الأمر في غرف العناية المركزة". ويشدّد على أنّه "في حال استمر الأمر على هذا المنحى، فسوف يأتي يوم يضطر المريض فيه إلى الانتظار مدة طويلة قبل أن يحين دوره للخضوع لعمل الجراحي، بسبب عدم توفّر أطباء متخصصين في التخدير".
من جهته، يقول طبيب متخصص في التخدير بدمشق، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد": "إذا أردنا التحدّث عن أولوية السفر، فهي لأطباء التخدير، إذ إنّهم من أصحاب الدخل الأدنى بين الأطباء، بالإضافة إلى أنّ عملهم يكاد يكون محصوراً في المستشفيات". ويشير إلى أنّ "الواقع اليوم هو ليس نتيجة الحرب فحسب، إذ إنّ أزمتنا تعود إلى ما قبل ذلك. وعلى الرغم من المطالبات الكثيرة والتحذيرات من نقص الأطباء، وعلى الرغم من النزيف الحاصل في الكوادر الطبية أمام أعين الوزارة المعنية وحكومة النظام، فإنّ أيّ حلول لم تُطرح، ولا حتى محاولات لجعل أطباء التخدير يحصلون على مقوّمات الحياة، وكأنّما الأمر لا يعني المسؤولين لا من قريب ولا من بعيد".
ويوضح طبيب التخدير نفسه أنّ "الأطباء المتخصصين في التخدير هم أساس كلّ عمل جراحي، ولا يمكن الاستغناء عنهم. فهم يمثّلون بداية كما نهاية كلّ تدخّل جراحي، بالتالي، من غير الممكن إجراء أيّ عملية جراحية بسورية في حال فقدانهم، لأنّ كلّ الجراحات مربوطة بالتخدير. ويعيد "أسباب انخفاض الوفيات نتيجة الأعمال الجراحية إلى جودة عمل أطباء التخدير، الأمر الذي يدلّ على أهميتهم الكبيرة"، محذّراً من "تراجع جودة العمل نتيجة الضغط الحاصل وسط استمرار انخفاض عدد أطباء التخدير"، ومشدّداً على "وجوب الخروج بحلول جذرية لمشكلة نقص أطباء التخدير، بطريقة تدفع الخرّيجين إلى دخول مجال الاختصاص وهم مرتاحون، علماً أنّ نتائج الحلول الجزئية تأتي سيئة".
وحول تحميل الأطباء المتخصصين في التخدير مسؤولية الأخطاء الطبية، يقول طبيب التخدير نفسه إنّ "بروتوكولاً خاصاً بهؤلاء وُضع في هذا السياق. وفي حال تطبيقه، يحصل الطبيب على حقه بموجبه، إذ إنّ الهدف منه هو حماية طبيب التخدير والمريض في الوقت ذاته، خصوصاً وسط الشكاوى". ويؤكد أنّ "براعة أطباء التخدير تؤدّي دوراً في تصنيف المستشفى الذي يعملون فيه"، لافتاً إلى أنّ "نسبة الأخطاء عند أطباء التخدير في سورية قليلة جداً، وهذا يعود إلى تميّز طبيب التخدير لدينا. حتى إنّ الطبيب السوري مطلوب في دول عربية وأوروبية عدّة".
في سياق متصل، كانت رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء السورية زبيدة شموط قد حذّرت من مخاطر النقص الحاصل في الأطباء المتخصصين في التخدير بسورية، مشيرة إلى أنّ لا أطباء تخدير في مستشفيَين حكوميَّين (مستشفى الزهراوي ومستشفى التوليد الجامعي في دمشق)، الأمر الذي يوجب توفير أطباء اختصاصيين لهما عبر مناوبات من مستشفى المواساة ومستشفى الأسد الجامعي. وكشفت شموط، في تصريح صحافي لإحدى الصحف المحلية، أنّ نحو 500 طبيب تخدير فقط تبقّوا في سورية، في حين أنّ ثمّة حاجة إلى 1500 طبيب على الأقلّ لتغطية جزء من النقص.
ورأت شموط أنّه لا بدّ من إيجاد حلول جذرية لتحسين وضع أطباء التخدير في البلاد، ومن بين الحلول المقترحة زيادة تعويض الاختصاص لأطباء التخدير بنسبة 300 في المائة، لافتة إلى أنّ ذلك يُدرَس حالياً في اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء التابع للنظام، كذلك، يأتي فصل وحدات التخدير عن الوحدات الجراحية. وشدّدت شموط على وجوب تحسين وضع أطباء التخدير في المستشفيات الخاصة كذلك، لأنّ ثمّة مستشفيات تشبه الحيتان، وهي تمتصّ دم طبيب التخدير الذي يعيش تحت رحمتها، بالتالي، يغادر أطباء كثر البلاد، وهذا ما ينذر بخطر كبير. وبيّنت شموط أنّ النسبة الكبرى من أطباء التخدير هم على أبواب التقاعد، إذ تتراوح أعمارهم بين 55 و65 عاماً، في حين أنّ ثمّة ثلاثة أطباء فقط دون 30 عاماً، علماً أنّ أربعة أطباء فقط هم مقيمون، لافتة إلى أنّه من المتوقّع أنّ يغادر البلاد كلّ طبيب اختصاصي في التخدير يتخرّج حالياً، وبالتالي "نحن في تدهور مستمر".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد الأطباء المتخصصين في التخدير يتراوح في معظم المحافظات بين خمسة و15 طبيباً كحدّ أقصى، عدا محافظة دمشق التي وصل عدد أطباء التخدير فيها إلى 150 طبيباً، في حين يُقدَّر عدد غرف العمليات فيها بـ1116 غرفة.