بدأت أزمات الوقود والكهرباء والمياه تأخذ طابعاً احتجاجياً شبه يومي في أنحاء متفرقة من محافظة السويداء جنوبي سورية، وباتت معاناة المواطنين مع وسائل النقل وانقطاع الخدمات العامة تترجم على شكل قطع طرقات، واعتصامات، مع بعض الحوادث الفردية المسلحة، رداً على التقصير في الخدمات والفساد في المؤسسات العامة التابعة للنظام السوري.
تصاعدت أشكال الاحتجاج في السويداء، ففي السبت 26 من نوفمبر/تشرين الثاني، رمى أحد المواطنين قنبلة على محطة مياه في حي القلعة، معتبراً أن هذه المحطة تضخ المياه إلى مساكن الضباط وفرع الأمن العسكري، وتحرم أهالي الحي منها، كما نقلت عنه مواقع إعلامية محلية عدة.
فيما نقلت شبكة "الراصد" صباح الأحد 29 نوفمبر مقطعاً مصوراً لأحد الشبان، يطلق النار من سلاحه الحربي أمام مبنى المحافظة، متوعداً أن تكون الطلقات القادمة في رؤوس المسؤولين إذا لم يأمنوا شبكة الاتصالات.
اللافت في واقعة إطلاق النار أمام مبنى المحافظة، الذي شاهده الناس في هذا المكان الأكثر ازدحاماً في المدينة، هو حجم التأييد من العابرين، وجرأة البعض في المشاركة، بعبارات المديح للشاب المسلح، وذم الحكومة والنظام السوري.
إضراب سيارات النقل
في هذه الأثناء، كانت معظم سيارات نقل (السرافيس) الخطوط الرئيسية في مدينة السويداء مضربة عن العمل احتجاجاً على تخفيض مخصصاتها من المحروقات، حيث توقف معظمها في مراكز النقل الرئيسية صباح أمس الإثنين، وغادروا ظهرا دون أن يقلَّوا الركاب.
"العربي الجديد" التقى مع بعض السائقين المضربين عن العمل، الذين أكدوا أنها خطوتهم الأولى قبل التصعيد، والتالية ستكون بقطع الطرقات ووقف حركة السير في المدينة بشكل كامل، وهو ما حصل صباح اليوم، إذ جرى قطع بعض الطرقات بإشعال إطارات سيارات.
وكان قد سبقهم مالكو السيارات الخاصة مطلع الأسبوع، وقطعوا المدخل الرئيسي لمدينة السويداء عند دوار العنقود، احتجاجاً على إغلاق محطة البنزين في الوقت الذي وصلتهم رسائل التعبئة. ولم يفتحوا الطريق إلا بعد حصولهم على مخصصاتهم من البنزين.
سيارات الإسعاف خارج الخدمة: أزمة وقود
المتابع لأخبار محافظة السويداء يقرأ تصعيداً واضحاً في حركة الاحتجاج الشعبي اليومية، في الوقت الذي بدت فيه السلطة عاجزة عن تأمين الخدمات الأساسية للمحافظة من وقود ومياه واتصالات في غياب شبه كلّي للتيار الكهربائي، حيث بلغ برنامج التقنين (الانقطاع) اليومي 5 ساعات من التقنين مقابل ساعة من التغذية. ولم يعد برنامج التقنين الكهربائي حجة مقنعة لغياب الوقود والاتصالات وانقطاع المياه.
فقد وصلت أزمات الوقود لشلل شبه تام لسيارات الإسعاف التابعة لمديرية صحة السويداء.
المواطن عمران عزام قال لـ"العربي الجديد": "اتصلت قبل يومين بسيارة الإسعاف المناوبة في مركز بلدتي عريقة، فأجابني أحد الممرضين أن السيارة متوقفة منذ أيام لعدم وجود البنزين، فاتصلت بإسعاف مشفى السويداء العام وأتاني الجواب نفسه، مضافاً إليه بعد احتجاجي: (مشكلتك ليست معنا بل مع مديرية التموين)".
في حين تلقى أحد المواطنين جواباً آخر من قسم الإسعاف، حيث نصحوه بالاتصال بإسعاف "الهلال الأحمر"، وللأسباب نفسها.
الفساد وتهريب المحروقات
موظف في مديرية المحروقات، طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد"؛ إن هذه الأزمة سببها الفساد المستشري في المديرية منذ سنوات، فجميع موظفي المديرية يعون تماماً كيف تصل المحروقات إلى السوق السوداء، وكيف تُهرب يومياً آلاف الليترات من المازوت والبنزين وجرّات الغاز إلى محافظة درعا المجاورة.
ويضيف المصدر: "إنها شبكة من التجار ترعاها الجهات الرسمية في السويداء، ولهم من يدعم استمرارهم ويقويه في مراكز القرار في دمشق".
"رجال الكرامة" على خط الاحتجاجات
الجديد في احتجاجات الأهالي هو دخول حركة رجال الكرامة لأول مرة على هذا الحراك، حيث قام فصيل الحركة في بلدة الكفر، الواقعة إلى الجنوب من السويداء، باحتجاز صهريج مازوت قبل أيام، وإفراغ حمولته في خزان مقسم هاتف البلدة، ثم خاطب مسؤولي المحافظة وأخذوا وعدا منهم بإصلاح الأعطال خلال فترة قصيرة.
الجدير ذكره أن الكثير من الأهالي لم يعد يرى في المؤسسات الخدمية أكثر من واجهة للحكم وفرصة للفساد والإفساد، وبدأ يعيد تشغيل محطات المياه والهاتف على نفقته الخاصة، كما حصل في العديد من البلدات والقرى، مثل قرى "رضيمة اللوا، وعرمان، والثعلة". ولكن تبقى أزمة النقل هي الأخطر والسبب الرئيسي للتصعيد. وفي غياب الحلول الجذرية لدى حكومة النظام، بدأت تعلو الأصوات مطالبة بفتح معبر حدودي مع الأردن، والتخلي عن خدمات الدولة كافة.