بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب التي شنها نظام بشار الأسد على الشعب السوري، ما زال سكان القرى والبلدات في المناطق الحدودية التي تخضع لسيطرة المعارضة شمالي غرب البلاد، وأولئك النازحون إلى مخيمات هذه المناطق، يعانون من نقص في معظم الاحتياجات الأساسية وأهمها المياه بسبب قصف طائرات النظام وتلك التابعة للجيش الروسي منشآتها.
وتعطل قسم كبير من هذه المحطات، واعتمد الأهالي على صهاريج المياه كحلّ بديل لمعالجة أزمة المياه، لا سيما في المخيمات التي تفتقد أبسط مقومات الحياة، وتتوافر فيها كميات ضئيلة من المياه مخصصة للفرد يومياً، علماً أنّ سعر كمية ألف ليتر من المياه يبلغ 7500 ليرة سورية (نحو دولارين ونصف) وهي كمية لا تكفي عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص إلاّ لأسبوع واحد، في حين يعاني قاطنو هذه المخيمات أيضاً من مشاكل الصرف الصحي واستخدامهم حفراً مكشوفة تتسبب في العديد من الأمراض الجلدية وغيرها.
وأورد تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) أخيراً، وتناول الهجمات التي استهدفت مرافق للمياه والصرف الصحي خلال النزاعات حول العالم، أنّ "نحو 12.2 مليون سوري يحتاجون الوصول إلى المياه والصرف الصحي بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال سنوات الحرب العشر الماضية". وحذّرت من تعرض حياة
ملايين من الأطفال في سورية الى الخطر بسبب حرمانهم مع عائلاتهم من الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي الحيوية. وحدد التقرير عدد الذين يحتاجون إلى مياه آمنة وخدمات صرف صحي بنحو 48 مليون شخص حول العالم، من بينهم أطفال، مشيراً إلى أنّ 9 دول بينها سورية هي الأكثر تضرراً من النزاعات.
وعلّق مدير برامج الطوارئ في "يونيسف" مانويل فونتين على نتائج التقرير قائلاً إنّ "الحصول على المياه هو وسيلة للبقاء لا ينبغي أن تستخدم أبداً كأسلوب حرب، علماً أن يونيسف دعت في تقريرها إلى توفير حماية عاجلة للأطفال في الصراعات، وضمان الوصول إلى المياه الكافية والآمنة". وناشدت كل أطراف الصراع وقف الهجمات فوراً على خدمات المياه والصرف الصحي والعاملين في هذه المجالات، واتخاذ إجراءات حازمة لمحاسبة مرتكبي هذه الهجمات، والاستثمار في دعم توفير المياه والصرف الصحي في حالات النزاع، باعتبارهما "يمثلان خط الدفاع الأول ضد الأمراض المعدية".
وقال مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج لـ "العربي الجديد" إنّ "60 في المائة من مخيمات النازحين شمال غربي سورية تحتاج إلى المياه وخدمات الصرف الصحي في المخيمات العشوائية وتلك المنتظمة التي كانت تأتيها موارد مياه من منظمات إنسانية تعتمد على برامج المنَح، لكنّها توقفت أخيراً، علماً أنّ الخدمات لا تتوافر في 14 في المائة من 1304 مخيمات، ضمن مناطق تُسيطر عليها المعارضة شمال غرب سورية. ويلفت حلاج إلى أنّ "الأمراض موجودة دائماً ولا نستطيع نفيها نهائياً سواء تلك الجلدية مثل اللشمانيا، إلى جانب مشاكل أخرى مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة وإصابة العديد من الأشخاص داخل المخيمات بضربات الشمس، وأمراض أخرى سببها افتقاد وسائل الصرف الصحي وتلوث المياه، وانتشار الفضلات في بؤر الصرف الصحي المكشوفة".
من جهته، يلفت مدير مخيم أهل التح، الذي يقع على أطراف قرية باتنتا، شمالي محافظة إدلب، عبد السلام اليوسف، إلى أنّ "مؤسسة بناء للتنمية تزود المخيم بصهاريج مياه تخصص فقط كمية لا تتجاوز 25 ليتراً للفرد الواحد يومياً، وهي كمية غير كافية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "خزانات المياه داخل المخيم تحتوي على جراثيم كونها مكشوفة، وبسبب وجود المخيم في منطقة وعرة وبرية تتنشر فيها حشرات قد تدخل خزانات المياه، وكذلك بسبب غياب شبكة صحية تمنع تشكيل مستنقعات للأوساخ، ما يؤدي الى انتشار أمراض مثل حبة اللشمانيا التي أصابت فعلاً عدداً من الأطفال القاطنين في المخيم، إضافة الى أمراض معدية منها الإسهال والتقيؤ". ويطالب اليوسف بزيادة كمية مخصصات الفرد من المياه إلى 50 ليترا كحدّ أدنى يومياً، خصوصاً في فصل الصيف، حين تزداد الحاجة إلى وسائل النظافة الدائمة.
في السياق، أفاد إحصاء أخير أصدره فريق "منسقو استجابة سورية" في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بأنّ عدد المخيمات المُنتشرة في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة السورية (شمال غرب) يبلغ 1304 تؤوي 1.4 مليون شخص بينهم 410 آلاف طفل. وحدد عدد المخيمات العشوائية بـ 393 مخيماً تؤوي 187 ألف نازح ومهجر من مختلف المحافظات.
وعانى السوريون، بطرق مختلفة، طوال السنوات العشر الأخيرة، من نقص في الخدمات من قبل النظام، خصوصاً في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة كنوع من العقاب الجماعي الذي فرضه الأسد على كلّ من خرج ضده، وشمل استهداف البنى التحتية في شكلٍ مقصود بلا مراعاة تحييدها، ما زاد المعاناة الإنسانية للسكان المقيمين والنازحين، في حين تتوالى أزمات السوريين المعيشية لتزيد الأثقال على أكتافهم، فمع غلاء المنتجات وارتفاع أسعارها وتدهور قيمة الليرة وانخفاض الدخل يفقد السوريون قدرتهم على تأمين المياه.