سوء تغذية وجفاف.. أطفال غزة يعتمدون على المحاليل للعيش

02 مايو 2024
أطفال يحصلون على قليل من الطعام في رفح (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد أشهر من الحصار، سُمح بدخول الدقيق وبعض الأغذية إلى شمال قطاع غزة، مما يعكس جزءًا من الأزمة الإنسانية الخطيرة. الأطفال يعانون من الجفاف وسوء التغذية، مما يدفعهم وعائلاتهم للبحث عن العلاج في المستشفيات.
- الوضع الإنساني يتفاقم بسبب النقص في الموارد والمساعدات، مع تزايد معاناة السكان وخاصة الأطفال من الجفاف وسوء التغذية، مما يضع ضغطًا على المرافق الطبية.
- الأزمة تتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا لتوفير الدعم الغذائي والطبي، مع تحذيرات من تفاقم الوضع إلى مجاعة. هناك حاجة ماسة لإنهاء الحرب وتأمين مستقبل أفضل للأطفال، مع التأكيد على أهمية توفير المياه النظيفة والغذاء.

على الرغم من دخول الدقيق وبعض الغذاء إلى شمال قطاع غزة، بعد أشهر من الانقطاع وسط حصار مشدد ومستمر، كسره سماح جزئي من قبل الاحتلال الإسرائيلي للمنظمات الدولية بإدخال الغذاء، لا يزال الأطفال يتوافدون إلى مستشفى كمال عدوان في منطقة مشروع بيت لاهيا، وهم يعانون من الجفاف وسوء التغذية.
ويعاني الأطفال من سوء التغذية والجفاف في كافة محافظات القطاع، في ظل قلة المساعدات التي تدخل القطاع، وسط اعتماد تام عليها. وتقدّر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 90 في المائة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات لتأمين مصادر التغذية منذ بداية العدوان.
وفي وقت سابق، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الأطفال يتوافدون بالعشرات يومياً إلى مستشفيات قطاع غزة بسبب الجفاف ونقص الغذاء، وسط مخاطر تهدد أجسادهم بشكل يومي، في ظل عدم التوصل إلى أي اتفاق لوقف الحرب. ورصدت أعلى الأرقام في مستشفى كمال عدوان شمالي غزة، والذي يستقبل نحو 50 طفلاً يومياً بسبب الجفاف ونقص الغذاء.

في مخيم جباليا، توجهت عِطاف عبد المجيد (37 سنة) مع نجلها الأصغر إحسان (4 سنوات) إلى مستشفى كمال عدوان، بعدما عانى من الجفاف وسوء التغذية. كانت ملامح الطفل تميل للون الأصفر رغم كل محاولاتها تأمين الطعام له حتى لا تتدهور صحته. بدأ إحسان يشعر بالتحسن بعد مرور أربعة أيام على بقائه في المستشفى. وتشير أمه إلى أنها المرة الثانية التي يصاب فيها أحد أطفالها بالجفاف.
قبل ذلك، أصيب طفلها الأكبر إبراهيم (8 سنوات) بالجفاف في فبراير/شباط الماضي، ولم يشعر بتحسن إلا بعد أسبوعين. وتوضح أن فترة العلاج كانت بطيئة، بعدما أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى شل الحركة في معظم مناطق القطاع، عدا عن حاجة الكثير من الأطفال للعلاج.
وتقول عبد المجيد لـ"العربي الجديد": "بقينا في الشمال خلال كل أشهر العدوان، وقد رفضنا التهجير. لماذا نترك المكان؟ حاول زوجي دفعي إلى الفرار مرات عدة، لكنني لم أستطع تركه ثم أكتشف أن مكروهاً أصابه. واجهنا أياماً صعبة. بقيت خمسة أيام من دون تناول أي طعام. كنت أتمنى أن أطعم أطفالي الجوعى من دمي أو لحمي. لكن خلال الأيام الأخيرة، دخل القمح وبعض الأغذية أخيراً". تضيف: "اعتقدت أن كل شيء سيصبح أفضل. لكن أبنائي عانوا جراء الهزال. واستغرق علاج إحسان أياماً، قبل أن يبدأ في الاستجابة للعلاج. أخبرني الطبيب أن الأعراض مثل الهزال وقلة الانتباه وجفاف البشرة قد تستمر". وتشير إلى وفاة أبناء جيرانها بداية الشهر الحالي بسبب سوء التغذية، "وهذا ما كان يقلقني على أبنائي".
المعاناة نفسها انسحبت على طفلَي سميح إسحق (34 سنة)، والذي أدخل طفله رواد (3 سنوات) إلى مستشفى كمال عدوان في شهر مارس/آذار الماضي، فيما عولج طفله زين (6 سنوات) بمحاليل في الوريد خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل/نيسان، إلى أن تحسنت حالته. ويشدد على أن أطفاله كانوا يواجهون حالة من عدم التركيز بسبب سوء التغذية، خصوصاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
يتذكر إسحق أنه تناول الخبز المصنوع من الأعلاف، وحاول إقناع طفليه بتناوله وتناول المياه المالحة. في بعض المرات يترك نفسه عطشاناً ليعطي حصته إلى طفليه. ويقول إنه حتى مع دخول الدقيق لا يملك المال لشراء الخبز. كما أن منزله بات خالياً من كل المقومات التي قد تعينه على الاستمرار. كان يعمل في السوق في شمال القطاع، والذي تضرر من جراء العدوان.

طابور الغذاء اليومي (مجدي فتحي/ Getty)
طابور الغذاء اليومي (مجدي فتحي/ Getty)

يقول لـ "العربي الجديد": "الكثير من الأطفال لا يزالون يعانون من الأمراض بسبب سوء التغذية. عانى طفلاي من الإسهال الشديد والهزال، وخسرا وزناً كبيراً. لا أعرف ماذا تخبئ لنا الأيام. لا نريد مساعدات فقط، بل نريد إنهاء الحرب والبحث عن عمل من جديد لأطعم ولدي وأنقذهما من أية أمراض مستقبلية".
وحتى منتصف إبريل الماضي، توفي ما لا يقل عن 32 طفلاً بسبب سوء التغذية، استناداً إلى أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة، 16 منهم تقل أعمارهم عن 5 أشهر، بينما تراوحت أعمار العشرة الآخرين ما بين 1 و8 سنوات. وصل هؤلاء إلى مستشفيات وزارة الصحة التي استقبلت آلاف الأطفال المرضى بسبب سوء التغذية والجفاف، وتشير التقديرات إلى أن الأرقام على أرض الواقع أعلى بكثير، وقد رصدت فيديوهات لهم أثناء النزوح.
ويلجأ الأطباء إلى المحاليل لمعالجة جفاف الفم وسوء التغذية، وتتكرر هذه العملية بشكل شبه يومي في كل المراكز الصحية والمستشفيات، الأمر الذي يؤكده طبيب أمراض الأطفال عبد الله خلة، الذي يتواجد في أحد المراكز الصحية في بلدة جباليا، والذي عاد إلى العمل بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من تلك المناطق.

يعانيان من سوء التغذية (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
يعانيان من سوء التغذية (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

يشير خلة إلى أنه على مدار أشهر العدوان الإسرائيلي، يتطلب علاج حالات الجفاف وسوء التغذية وقتاً أكثر من اللازم بسبب نقص المعدات واللوازم الصحية وقلة تواجد أقسام لعلاج الأطفال، واختلاط جميع المرضى والجرحى مع بعضهم البعض في بيئة علاجية واحدة، في ظل قصف وتدمير المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق مختلفة من قطاع غزة. ويقول لـ "العربي الجديد": "مواجهة الجفاف وسوء التغذية لدى الأطفال تتطلب دعماً ومساندة من مؤسسات ومنظمات صحية، بالإضافة إلى تأمين الغذاء المناسب. والصعوبة أن حالة بعض الأطفال تتدهور بمجرد انتهاء المحلول، علماً أن عدداً من الأطفال الذين توفوا في شمال القطاع أساساً واجهوا سوء التغذية والجفاف قبل الوفاة".
يضيف: "يفقد جسم الطفل مخزوناً غذائياً والكثير من العناصر الغذائية. وليس من السهل العودة إلى النظام الغذائي بسهولة. حتى لو توفر الطعام في الفترة الأخيرة بنسبة قليلة، فإن الأزمة تكمن في توفر المياه، وهو عنصر أساسي للجسم. إلا أن المياه المتوفرة ملوثة ونحن مضطرون إلى شربها".
وفي مدينة رفح، وعلى الرغم من أنها أكثر المحافظات التي تصل إليها المساعدات، إلا أن بعض الأطفال فيها يواجهون سوء التغذية والجفاف بسبب تلوث المياه. تقول سمر قديح، وهي نازحة من شرق مدينة خانيونس، إن لديها أربعة أبناء، وقد نقلوا جميعهم إلى العيادات الصحية في مدينة رفح، بسبب سوء التغذية والجفاف خلال الشهرين الماضيين.
تضيف قديح لـ "العربي الجديد": "لا أتذكر أن أطفالي شربوا مياهاً جيدة منذ بدء العدوان. كان الاعتماد سابقاً على مياه مالحة نحصل عليها. ثم أصيبت طفلتي مريم (5 سنوات) بالجفاف بسبب نقص السوائل، كما أخبرني طبيب في مجمع ناصر الطبي، قبل أن ننزح منه إلى مدينة رفح. وحالياً، نعيش قلقاً كبيراً على مستقبلهم".

ومن أخطر الحالات التي رصدت في المستشفيات والمراكز الصحية، هي إصابة الرضع بالجفاف وسوء التغذية، وأعراضها الإسهال الشديد واصفرار الوجه وبطء الحركة وبطء النمو. وعلى مدار أكثر من 6 شهور، ولد عشرات آلاف الأطفال الذين سُجلوا في مستشفيات قطاع غزة، وقد هجّروا بعد ضرب المستشفيات، كما يقول طبيب الأطفال حمدي عمران وهو يعمل في مدينة رفح.
يشير عمران إلى أن تغذية الأطفال ترتبط بالوضع الاقتصادي للعائلات، وغالبيتهم من النازحين. والأمر لا يتعلق فقط بدخول المساعدات التي لا تزال قليلة، بل بكمية الغذاء الذي تحتاجه كل أسرة والأطفال. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "أجساد الأطفال تحتاج إلى عناصر غذائية مهمة. كما أن دخول العدوان الشهر السابع كان له تأثير سلبي على نمو أجسادهم".
وفي وقت سابق، حذر المفوض العام لوكالة "أونروا"، فيليب لازاريني، من أن مجاعة يتسبب فيها الإنسان "تُحكِم قبضتها" على أنحاء قطاع غزة، متهماً إسرائيل بعرقلة إدخال المساعدات والسعي إلى تصفية أنشطة الوكالة في القطاع، وقال لازاريني، الثلاثاء، إن "إجمالي المساعدات التي تم تجميدها للوكالة الأممية يبلغ 267 مليون دولار، وإنه تم تعليق ما مجموعه 450 مليون دولار، وبفضل استئناف بعض المانحين تمويلهم، ومساهمة بلدان جديدة، وجمع أموال من القطاع الخاص، نحن اليوم في وضع أفضل مما كنا عليه قبل ثلاثة أشهر".

المساهمون