مرة أخرى، يعاد تسليط الضوء على سوء المعاملة التي يتعرّض لها الأطفال في فنادق اللجوء بالمملكة المتحدة، بعد فضيحة اختفاء ما لا يقل عن 200 طفل دون السادسة عشرة التي ضجّت بها وسائل الإعلام بداية العام، إذ كشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية، السبت، أنّ الأطفال في هذه الفنادق يعانون من سوء تغذية.
ويعرب العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية الخاصة باللاجئين لـ"ذا غارديان" عن مخاوفهم بشأن ارتفاع أعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، بعدما تبين أنّ عدداً كبيراً منهم يفقد الكثير من الكيلوغرامات، بسبب غياب النظام الغذائي الصحي والمتوازن، حتى إنّ البالغين يفقدون ما يصل إلى 10-15 كيلوغراماً من وزنهم.
ما سوء التغذية؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية، سوء التغذية بأنه أوجه القصور أو الإفراط في تناول المغذيات، أو عدم توازن العناصر الغذائية الأساسية، أو ضعف استخدام المغذيات. يتجلى نقص التغذية في أربعة أشكال عريضة: الهزال، التقزم، نقص الوزن، نقص المغذيات الدقيقة.
ووفق المكتبة الوطنية للطب، يؤدي سوء التغذية إلى حصول قصور في وظائف القلب والجهاز التنفسي، بالإضافة إلى مشاكل بالجهاز الهضمي، إذ يفقد القولون على سبيل المثال قدرته على إعادة امتصاص الماء وقد يؤدي هذا إلى الإسهال، الذي يرتبط بارتفاع معدل الوفيات لدى المرضى الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، كما تتأثر وظيفة المناعة، مما يزيد من خطر الإصابة بالعدوى. وبالإضافة إلى هذه العواقب الجسدية، يؤدي سوء التغذية أيضاً إلى آثار نفسية اجتماعية مثل اللامبالاة والاكتئاب والقلق.
مخاوف على صحة الأطفال
إحدى العائلات التي أمضت تسعة أشهر في أحد فنادق المملكة المتحدة، بعد فرارها من الاضطهاد والتهديدات بالقتل في وطنها، فقدت الكثير من الكيلوغرامات، بحسب شهادة الأب، إذ فقد ما لا يقل عن 9 كيلوغرامات، فيما زوجته فقدت 5 كيلوغرامات، وابنهما البالغ من العمر 11 عاماً فقد ما لا يقل عن 4 كيلوغرامات، كما فقدت ابنتهما البالغة من العمر 7 سنوات الكثير من وزنها، منذ وصول الأسرة إلى بريطانيا في مايو/ أيار من العام الماضي.
يقول الأب للصحيفة: "يعاني ابني من حساسية تجاه بعض الأطعمة، بسبب اضطراب في خلايا الدم الحمراء، ولذا طلبت من معد الطعام في الفندق إبلاغي بنوعية ومكونات الطعام، لكنه رفض ذلك، وهو ما جعلني متخوفاً جداً على صحة الطفل". بحسب ما نقلته الصحيفة عن الأب، فإن معد الطعام أكد أن الأطعمة التي يقدمها للاجئين لا يمكن تقديمها لأسرته، بسبب نوعيتها الرديئة.
كما أعربت أم سورية، تقيم في أحد فنادق لندن مع عائلتها، عن قلقها بعد فقدان ابنتها الكثير من الوزن. بحسب الأم، تزن ابنتها اليوم نحو 13 كيلوغراماً فقط. تقول الأم: "ترفض إدارة الفندق تقديم الحليب، وإن جرى تقديمه فقد يكون ممزوجاً بالماء، أما بالنسبة إلى وجبات الطعام الأخرى، مثل الدجاج، فقد أكدت الأم أنها غير صحية، وتفوح منها رائحة العفن".
من جانبه، اعترف روبرت بلومفيلد، مدير دعم اللاجئين في "ديفون" وهي مؤسسة خيرية تعنى بشؤون اللاجئين، بأنّ "بعض الأطفال ببساطة لا يأكلون، وقد جرى تأكيد حالات سوء التغذية، لدرجة أنّ بعض الأطفال باتوا معرضين للإصابة بأمراض خطيرة".
ورغم رفع آباء الأطفال والعديد من المؤسسات الاجتماعية الصوت مراراً للمطالبة بتحسين أوضاع اللاجئين، ومنحهم حصصاً غذائية مناسبة، فإنّ الحكومة ووزارة الداخلية لم تقدم أي حلول في هذا الصدد.
وأكد ستيفن فارمر، مدير مدرسة "كرانبورك إيديكوشين كامبس" التي تمنح التعليم لأطفال اللاجئين، أنّ المدرسة تقدّم وجبات لما لا يقل عن 47 طفلاً من طالبي اللجوء "لأنهم ببساطة يعانون من الجوع"، وفق ما تنقل عنه الصحيفة.
بدوره، اتهم الرئيس التنفيذي لمؤسسة Care4Calais الخيرية للاجئين ستيف سميث، السلطات البريطانية بالتخاذل، معتبراً أنّ النظام الذي يسمح للمقاولين بتحقيق هامش كبير من الأرباح، على حساب صحة وحياة الإنسان، هو نظام معطل وغير فعال، مطالباً الحكومة بضرورة التدخل بشكل عاجل.
ولم ترد الحكومة على ما يجري تداوله بشكل صريح، باستثناء تصريح لأحد متحدثي وزارة الداخلية، أكد فيه لـ"ذا غارديان" أنّ "رفاهية اللاجئين ورعايتهم لها أهمية قصوى لدى السلطات، ويجري تزويد طالبي اللجوء بثلاث وجبات يومياً، إلى جانب الفاكهة الطازجة والوجبات الخفيفة".
يذكر أنّ حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تتعرّض لضغوط عديدة في ملف اللجوء. فمن جهة، تواجه السلطات حملة بسبب فشلها في حماية حدود بريطانيا من المهاجرين السريين، فيما هناك أصوات أخرى تشير إلى أنّ الحكومة تتعامل مع أولئك المهاجرين الذين يصلون إليها بما يتنافى مع مبادئ القانون الدولي.