غيّرت ظروف الحرب في سورية ظروف الشبّاب وتطلعاتهم، وأثّرت بشكل كبير في منحى حياتهم، خصوصاً الشباب في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سورية. ووسط مساحة جغرافية محدودة، توفر السهرات الفرص الوحيدة لعقد لقاءات تناقش أمور الحياة ومصاعبها، والترفيه عن النفس والهرب من الهموم اليومية.
وتختلف طريقة الشباب في قضاء وقت السهرة بحسب تطلعاتهم. وقد يغلب الترفيه على أماكن يجتمعون فيها، والنقاشات الجدية بشأن العمل والمستقبل في أماكن أخرى.
يلتقي حاتم محمد علي، الشاب من مدينة سراقب، أصدقاءه غالباً في مقهى صغير بمدينة إدلب، ويقول لـ"العربي الجديد": "تنسيني أجواء اللقاءات الحالية مع أصدقائي والمحببين لدي تعب اليوم. ويمضي الوقت بأحاديث مسلّية مشحونة بقوة الشباب، ويذهب على عجلة مع حلاوة اللمة والنقاشات التي نحبها، وتتنوع الأحاديث حول السيارات والأشياء التي نحبها. وقد نلعب الورق في جلسات تترافق مع بعض المشاحنات المطلوبة لإضفاء حرارة تشكل أكثر شيء نحبه في السهرات. وقد يفضل البعض الانضمام إلى أصدقاء في مجموعات ألعاب الهاتف الخلوي، ما ينقل الاجتماع الفعلي إلى العالم الافتراضي أيضاً".
ويؤكد حاتم أن وقت السهرة مميز لديه، لأنه يخفف ضغوط الحياة اليومية وينسيه مرارة النزوح، ويبعده نوعاً ما عن الواقع الصعب الذي يعيشه مع شبان كُثر في المنطقة، ويخلق له جواً من الراحة حتى لو لفترة قصيرة، ما يساعده في مواجهة الحياة والمضي قدماً فيها، ويشير إلى أن مواضيع البطالة والنزوح تتصدر الأحاديث التي تدور بين الشباب خلال السهرات، وتشمل أيضاً كيفية تغير حياتهم، وتطلعاتهم إلى مستقبل أفضل، إضافة إلى الذكريات مع أصدقاء افترقوا عنهم خلال السنوات الماضية.
ويقول عبد الكريم العثمان، الشاب من ريف حلب الشمالي، لـ"العربي الجديد": "نجتمع أحياناً في مقهى بمدينة اعزاز، ونتحدث عن همومنا ومشاكلنا بالدرجة الأولى، خصوصاً تلك المتعلقة بفترة النزوح ومغادرة بيوتنا التي سيطر عليها النظام. ويحضر صديق لي نازح من ريف حلب الشمالي في السهرة، فأستعيد معه ذكريات مضافات الأجداد، ونروي القصص والأحاديث عن مغامرات أجواء الشتاء حين يدور فنجان القهوة المرّة على الحاضرين، وهو ما نفتقده هذه الأيام ونحنّ إليه"، يضيف: "نجد في السهرة التي تمتد ساعتين أو ثلاث ساعات فسحة للراحة وتخفيف ضغوط الحياة ومشاكلها. أمور الحياة تغلب على الأحاديث التي تتناول أيضاً النزوح وقلة فرص العمل والبطالة".
أيضاً، يقول الشاب حسين العلي (26 عاماً)، المهجر من ريف حمص الشمالي ويقيم في منطقة مشهد روحين، لـ"العربي الجديد": "الأيام صعبة هنا خصوصاً أننا مهجرون. أتفرغ من العمل بحلول المساء وأتوجه إلى البيت حيث لا أفعل شيئاً سوى الجلوس ومشاهدة بعض المسلسلات على (يوتيوب)، وهو أمر روتيني ممل نوعاً ما، خصوصاً أنني لست متزوجاً، لكنه يحدث فقط حين لا أستطيع لقاء أصدقائي في السهرة التي أفضل أجواءها على البقاء حبيس المنزل".
ويتابع: "نبتعد في السهرة عن الخوض في أحاديث السياسة التي سئمنا منها، وباتت مواضيعها تزعجنا بعدما تكررت آلاف المرات في السنوات الماضية، كما نتجنب الأحاديث عن الواقع المعيشي، ونتناول مواضيع تروح عن النفس، ونستعرض أفكار الاستقرار وتكوين أسرة، والحصول على عمل. وقد نجد الطريق مسدوداً في بعض الجلسات، ثم سهلاً في جلسات أخرى. نحن أولاد واقع لا نستطيع الهرب منه".
يتابع: "بالنسبة لنا نحاول الابتعاد عن الهواتف الخلوية خلال السهرة التي يحضر مشروب المتة دائماً فيها. وتدور أبرز أحاديثنا عن مباريات كرة القدم والفرق وأخطاء اللاعبين، فهذا حديث شيّق بالنسبة لنا ننتقد فيه من وجهة نظرنا ما يجري في الملاعب، وهو بالنسبة لي ولأصدقائي أكثر شيء ممتع قد يبعدنا عن أجواء العمل بأجور متدنية، والتعب طوال النهار للحصول على أجر قليل".
ويقارن حسام حمزة، الشاب المهّجر من ريف حمص الشمالي، بين أجواء السهرة في السابق وتلك الحالية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لكل سهرة أجواؤها الجميلة التي تشعرنا براحة. خلال الحصار الذي عشته في ريف حمص الشمالي، كانت سهراتنا شبه يومية، ونخطط للغد ونحضّر للمظاهرات ونردد بعض الهتافات والأغاني الثورية. أما حالياً فتختلف الأجواء بعدما بات أصدقاء كُثر خارج البلد وقتل بعضهم".
ويتابع: "لم يعد هناك متسع للهموم والأحاديث عنها في جلساتنا. أحياناً تدور السهرة حول فيلم أو مسلسل شاهدناه، أو حتى رواية قرأها أحد الأصدقاء. وأحيانا نتصفح أخباراً طريفة على الإنترنت، وقد يسأل البعض ما الفائدة من الوقت الذي نمضيه معاً، فأجيب يقتل ذلك العزلة ويأخذنا من الوحدة والانعزال لنستعيد أجزاء من طبيعتنا الاجتماعية".