سهرات الجزائريين الرمضانية... مسامرات وورق ودومينو في المقاهي الشعبي
لطالما شكلت المقاهي الشعبية مقصد الجزائريين الأول لقضاء سهرات رمضان، إذ يتوجه الكثير منهم إليها بشكل شبه يومي لاحتساء القهوة، ولقاء الأصدقاء لتبادل أطراف الحديث حول مختلف القضايا والمواضيع. فالمقاهي تستقبل مختلف الفئات، من الشباب إلى الكهول، لتعويض الفراق المؤقت الذي يعيشونه نهاراً لأسباب منها الاعتكاف، أو قراءة القرآن، أو التزام البيوت بسبب الصيام، على عكس باقي شهور السنة.
وتشجع الأجواء الليلية، والطقس المعتدل، والشوارع المزينة بالأنوار على كثافة الحركة بعد الإفطار في غالبية المدن الجزائرية، ويتوجه كثيرون بعد صلاة التراويح مباشرة إلى المقاهي الشعبية المنتشرة، والتي تظل مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل.
يقول الثلاثيني رشيد شيكر، إنه مولع باحتساء القهوة، ويسارع إلى الذهاب إلى المقهى القريب من منزله، للحصول على فنجان قهوة بعد الصيام، مشيراً إلى أنه في ظل تهافت الجيران والوافدين إلى المقهى، يصبح الحصول على مقعد من الأمور الصعبة في بعض الأحيان. يشير إلى أنه كان في السابق يبقى في البيت بعد الإفطار لفترة أطول، وحين يذهب إلى المقهى يجد كل المقاعد محجوزة، ما جعله يقرر الخروج مباشرة بعد الإفطار للظفر بمكان، وتمضية وقت ممتع مع الأصدقاء.
في وسط مدينة حمر العين قرب العاصمة الجزائر، يتواجد مقهى شعبي قديم شاهد على مختلف المراحل التي مرت بها البلاد. أنشئ المقهى في سنوات الاستعمار الفرنسي، وهو يعرف في شهر رمضان توافداً كبيراً من مختلف الأحياء والتجمعات السكانية المحيطة بالمدينة، إذ كان في السابق مقراً لتجمع المجاهدين بعد الاستقلال، وكانوا يلتقون فيه لتذكر قصص الكفاح والنضال، ما جعله يستقطب فئات من المثقفين والفلاحين والطلاب والرياضيين.
يقول محمد موتشو، مالك المقهى، إن "شغف الجزائريين بالمقاهى كبير، فبغض النظر عن الغالبية الذين يقصدونها بعد الإفطار، إلا أن كثيرين أيضاً يمرّون فيها لأخذ قهوتهم قبل أذان المغرب، من أجل احتسائها في البيت بعد الإفطار مباشرة، ما دفعني إلى توظيف عمال إضافيين للتكفل بالطلبات المتضاعفة على القهوة وبعض المشروبات الأخرى في شهر رمضان".
ويعتبر عمار شرايفي، وهو صاحب مقهى بمنطقة تيبازة، أن "رمضان هذا العام يعد منة من الله بعد تراجع انتشار كورونا، ورفض تمديد الحظر الصحي". يقول لـ"العربي الجديد": "العام الماضي كان عاماً أسود علينا بسبب توقف النشاط، وخصوصا خلال شهر رمضان، وكنا نضطر لبيع القهوة بشكل سري، وكان زبائننا يقصدوننا يومياً لأخذ القهوة رغم الإجراءات الصارمة المفروضة، لكن تعلق الناس بالقهوة والمقاهي كان أقوى".
يختلف نمط عمل المقاهي خلال رمضان في الجزائر، فبعضها يوفر إلى جانب المشروبات، والسمر، فرصة للتسلية بالألعاب المختلفة ومنها "الدومينو"، وألعاب الورق. كما أصبحت بديلاً للفضاءات الاجتماعية المغلقة، ومكاناً يستقطب الهاربين من ضيق الحياة اليومية، والباحثين عن السمر والسهر رفقة الأصدقاء، وتمتد الجلسات في بعض المقاهي حتى وقت متأخر من الليل.
ويبرز في رمضان خصوصاً نوع مختلف من المقاهي، عبارة عن خيام فنية وثقافية، إذ يغتنم البعض الشهر لإنشاء تلك الخيام الرمضانية التي تتميز بالديكور التقليدي الذي يضفي مزيداً من الجمال ويستقطب المزيد من الزبائن، ويتم تنظيم جلسات فنية داخل تلك الخيام، تؤديها فرق متخصصة في الفنون الشعبية لإمتاع الحضور، وتستمر أنشطتها أحياناً حتى مطلع الفجر.
في سياق متصل، لا يجد سكان القرى والبلدات الريفية الصغيرة سوى ما يعرف محليا بـ"المحشاشات"، وهي مقاه صغيرة يتم إنشاؤها خلال رمضان، أو في فصل الصيف، وهي تستقطب عادة الأشخاص الذين يعشقون لعب الدومينو والورق.
حصل سليم على شهادة في الهندسة المدنية، لكنه بادر إلى فتح مقهى من القصب في قريته "اتفساسين" الواقعة بين محافظتي عين الدفلى وتيبازة. يقول إن المقهى ساهم في انتشاله من البطالة من جهة، وخلق فضاء للقاء الأصدقاء والجيران وسكان التجمعات المتناثرة في الجبال الواقعة بالمنطقة من جهة ثانية.
يقول سليم لـ"العربي الجديد" إن الظروف الصعبة التي عاشها منذ تخرجه دفعته إلى إنشاء المقهى، واستغلال ألعاب الدومينو والورق لإتاحة الفرصة للقاء مع احتساء القهوة، مؤكداً على شعبية هذه الألعاب خلال تمضية الوقت في سهرات رمضان.
ويلفت إلى أنه في المناطق المعزولة مثل المنطقة التي يعيش فيها، تتوقف حياة الليل والسهر تقريباً طوال شهور السنة، لكنها تعود في شهر رمضان.