سكان طرابلس يؤجلون العودة خشية تجدد الاشتباكات

29 اغسطس 2023
اندلعت الاشتباكات في أحياء طرابلس السكنية (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

دارت قبل نحو أسبوعين، اشتباكات دامية في أحياء العاصمة الليبية الشرقية والجنوبية الشرقية المكتظة بالسكان بين مسلحي اللواء 444 قتال وجهاز الردع، خلفت ما يزيد عن 55 قتيلاً و146 مصاباً، وألحقت أضراراً بالغة بالممتلكات والمرافق العامة والخاصة، في حين تمكنت فرق الإنقاذ والإسعاف والطوارئ من إجلاء أكثر من 870 أسرة من مناطق الاشتباكات عبر ممرات آمنة نجحت في فتحها، ولا تزال بعض تلك الأسر في حالة نزوح لأسباب من بينها تضرر منازلها، أو الخوف من تجدد الاشتباكات.
وتولت مجموعة من أعيان منطقة "سوق الجمعة" في طرابلس جهود الوساطة بين الفصيلين المسلحين حتى توقف القتال. ويرى رضا الحسوني، أحد سكان حي "عين زارة" الذي طاولته الاشتباكات، أن دور الأعيان يعكس عجز حكومة الوحدة الوطنية عن التصدي لمثل هذه الخروقات، ويزيد من الهواجس حيال تجدد الصراع، خاصة مع اعتراف رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بدور الأهالي والأعيان في فض النزاع والتوصل إلى الهدنة، ومطالبتهم خلال اجتماعه معهم ببذل جهود من أجل المصالحة، وهو أمر يفهم منه عدم انتهاء الخلاف، وينذر باحتمال تفجر الوضع مجدداً.
وقام مسلحو اللواء 444 قتال بعد توقف الاشتباكات، بهدم أحد المقار العسكرية الواقعة داخل حي عين زارة السكني، لكن الأمر لم يفلح في طمأنة السكان بشأن عدم تكرر الاشتباكات حول ذلك المقر الذي دارت حوله أشرس المعارك أثناء الاشتباكات، ويقول الحسوني، الذي يسكن في محيط المقر العسكري، لـ"العربي الجديد"، إنه لم يعد إلى منزله خشية تجدد الاشتباك بين الطرفين.
وشهد حي طريق الشوك بمنطقة "الفرناج" أيضاً اشتباكات ضارية، ثم انسحب المسلحون، لكن نقاط التماس لا تزال قريبة، ولا تزال دوريات تابعة للطرفين تمر على تقاطعات الطرق بين الحين والآخر، وكذلك في مناطق توتر أخرى، مثل "خلة الفرجان"، وهو أمر ساهم في تمهل بعض الأسر النازحة في اتخاد قرار العودة، خاصة من تدبر مكاناً للإقامة لحين التيقن من استقرار الأوضاع.
ورغم عودة الخدمات إلى مناطق الاشتباك، كالكهرباء والمياه، يؤكد مروان الزليطني، لـ"العربي الجديد" أنه لا يزال يخشى العودة إلى شقته في عمارات الطبي بحي "طريق الشوك"، ويبقى في منزل أخيه بحي "أبو سليم" البعيد عن الاشتباكات، ويقول: "لست الوحيد، فغالبية الجيران مثلي، وهناك من يأتي لتفقد شقته، لكنه لم يرجع إليها بشكل نهائي. بينما البعض عادوا لمساكنهم، لكن الغالبية لا يزالون متأهبين للإخلاء السريع في حال تجدد الاشتباكات، وقد جمعوا الأوراق الرسمية والمستندات المهمة وما يملكون من نقود أو مصوغات في حقائب".

الصورة
اعتبرت اشتباكات طرابلس فشلاً لحكومة الوحدة الوطنية (الأناضول)
اعتبرت اشتباكات طرابلس فشلاً لحكومة الوحدة الوطنية (الأناضول)

ولم تنجح كلمة مسجلة للدبيبة خلال اجتماعه مع الأعيان بثتها القنوات الليبية، في بث الطمأنينة بين سكان طرابلس، ويقول عبد الرحمن عويلي لـ"العربي الجديد": "يتواصل القلق مع انتشار تقارير إعلامية حول قرب مغادرة الحكومة للمشهد، وسعي أطراف خارجية وداخلية لاستبدالها، وهذا يعني إمكانية اندلاع قتال بين أنصار الحكومة وخصومها. انتهت الاشتباكات الأخيرة، لكن غموض أسبابها حتى الآن يجعل الأوضاع مقلقة للغاية، فربما يكون الأمر على علاقة باستبدال الحكومة، وبالتالي تستمر المخاوف من نشوب القتال من جديد".
ووصف الدبيبة خلال كلمته التي أعقبت توقف الاشتباكات، ما حدث "جريمة كبيرة تخل بكل ما يقره الشرع والعرف، ودرسا لا يمكن أن يمر مرور الكرام".

لكن عويلي يلفت إلى أن رئيس الحكومة لم يجرؤ حتى على انتقاد قادة الفصيلين المتصارعين، بل وصفهم بأصحاب المواقف. ويعتبر أنه "ظهر في صورة الضعيف أمام جماعات مسلحة تمتلك القوة التي ينبغي أن تحتكرها الدولة، من دون أي اعتبار لحياة الناس أو لهيبة الدولة، فبدلاً من إصدار قرارات لمعاقبة طرفي الصراع، أثنى على قادتهما، كما أن الاشتباكات تركت مخلفات، ولم تقم أي من فرق الطوارئ والسلامة الوطنية بتطهير المنطقة، واكتفت بمطالبة السكان بإبلاغها حال وجود أي جسم مشبوه، فكيف لطفل يلعب أن يتعرف على الأجسام المشبوهة؟".
ويؤكد عويلي أن أحد أسباب عدم عودته إلى منطقة الفرناج، كان توقف دراسة ابنيه في الجامعة بعد أن لحقت بها أضرار بليغة، وإعلان الحكومة بدء أعمال الصيانة، على الرغم من أن إدارة الجامعة أعلنت استئناف الدراسة في الكليات التي لم تلحق بها أضرار، وإعلان وزارة التربية والتعليم استئناف امتحانات الدور الثاني لطلاب الشهادة الثانوية في عين زارة والفرناج.

المساهمون