كان عيد الفطر في السنوات الماضية مناسبة يخرج فيها كثيرون من سكان الخرطوم لزيارة الأهل والأقارب خارج المدينة، لكن الأوضاع تبدلت هذا العام، إذ أصبح القادرون على المغادرة يخوضون غمار رحلة فرار يخيم عليها الذعر بعدما تحولت العاصمة السودانية إلى مدينة طاردة لسكانها بسبب الحرب.
ومع بدء عيد الفطر يوم الجمعة، ما زال الرصاص وقذائف المدفعية يدويان في أرجاء المدينة، على الرغم من النداءات والمناشدات الدولية لوقف إطلاق النار بهدف السماح بدخول مواد الإغاثة الإنسانية وفتح ممر آمن للمدنيين المحاصرين.
ووافق طرفا الصراع على هدنة، فيما يستمرّ إطلاق النار الكثيف في الخرطوم.
وسعى كثيرون على مدى الأسبوع المنصرم إلى الانتقال لمناطق أكثر أمناً في العاصمة، على الرغم من إغلاق الجيش الجسور على نهر النيل بين الخرطوم وتوأمتيها أم درمان وبحري.
وهناك من قرروا المغادرة وخرجوا يجرّون حقائبهم بطول الطرق أو يحملونها فوق الرؤوس منطلقين في بداية رحلاتهم، وغالباً ما يخرجون إلى ولاية الجزيرة جنوباً أو إلى ولاية نهر النيل شمالاً.
وقال أحمد مبارك (27 عاماً) إنّه يشعر بالقلق الشديد بعد اندلاع العنف يوم 15 أبريل/ نيسان، وقبل أن يقرّر مغادرة الخرطوم أمس الخميس وليس معه سوى ملابسه التي يرتديها فقط.
وأضاف أنه لا توجد حافلات وأن الناس يسافرون سيراً على الأقدام حاملين حقائبهم، وأن السيارات التي تمر كلها سيارات خاصة وممتلئة.
وفي نهاية المطاف استطاع ركوب إحدى الحافلات التي تطوع مالكها لنقل الأفراد إلى خارج الخرطوم، ووصل مبارك إلى عطبرة التي تبعد نحو 280 كيلومتراً شمال شرقي الخرطوم وطرق باب منزل أسرته.
وذكر مبارك أنهم لم يصدقوا الأمر وأنها كانت لحظة رائعة.
ودفع الصراع على السلطة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" العاصمة الخرطوم لأول مرة إلى حرب واسعة النطاق ونزوح شهدهما سكان الخرطوم في أجزاء أخرى من البلاد في عقود ماضية.
وتسببت الاشتباكات التي حدثت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان في انقطاع إمدادات المياه والكهرباء لفترات طويلة وفي تحول المطار إلى ساحة معركة وفي إغلاق معظم المستشفيات.
وفي كثير من أحياء ولاية الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، حوصر السكان في منازلهم وخرجوا منها فقط للحصول على مستلزماتهم من المتاجر التي تعرّضت للنهب والتي تتقلص الإمدادات الموجودة فيها.
رحلات محفوفة بالمخاطر
وأصبح من الصعب العثور على الوقود. وكما هو الحال مع السلع الأخرى، قفزت أسعاره منذ بدء القتال.
وقالت محاسن أحمد (55 عاماً) وهي تغادر حي جبرة في جنوب الخرطوم مع اثنين من أقاربها على أمل العثور على حافلة متجهة إلى مدني على بعد 165 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي "أصبحت الخرطوم خطرة ونخشى أن تزداد الحرب سوءاً".
ويلقي الكثير من الفارين أول نظرة لهم على الدمار الذي أحدثه القتال مع تأثر المباني بالضربات الصاروخية وانقطاع خطوط الكهرباء وامتلاء الجدران بطلقات الرصاص وتفحم المركبات العسكرية في الشوارع.
ومع اندلاع أعمال العنف في أجزاء أخرى من السودان، يسعى البعض إلى مغادرة البلاد في مجموعات، إذ عبر ما يصل إلى 20 ألفاً منهم الحدود إلى تشاد واتجه آخرون شمالاً نحو مصر.
وهذه الرحلات محفوفة بالمخاطر، إذ يضطر الفارون في كثير من الأحيان إلى المرور عبر نقاط التفتيش التابعة لـ"قوات الدعم السريع" حيث يسمح لهم عادة بالمرور، ولكن في بعض الأوقات يتعرض بعض المدنيين لإطلاق النار.
مكرم وليد، طبيب يبلغ من العمر 25 عاماً، كان يأمل مغادرة الخرطوم مع أسرته لكنه كان قلقاً من الخطر الذي قد تتعرض له شقيقاته الثلاث الأصغر سناً. وقال "من الصعب جداً التعامل مع خطر مغادرة منزلنا وترك ممتلكاتنا".
ويخشى بعض السكان في الخرطوم من انتقال أفراد "قوات الدعم السريع" للعيش في منازلهم إذا غادروها. وتنتشر "قوات الدعم السريع" بالفعل في عدة أحياء بالعاصمة.
وشوهدت علياء متوكل، وهي مهندسة معمارية ومصممة ديكور تبلغ من العمر 26 عاماً وتعيش في الخرطوم، بينما كانت تحاول العثور على طريق آمن للخروج من المدينة مع اثنين من أشقائها وخالها وأبناء خالها وابن أختها البالغ من العمر ثمانية أشهر بعد فشل مساعيهم للاحتفال بعيد الفطر مع عائلتهم وأصدقائهم داخل المدينة المدمرة.
وتساءلت "هل سنتمكن من مغادرة المنزل أم لا؟ وإذا غادرنا المنزل، فهل سنكون بأمان؟ وإذا غادرنا، فهل سنتمكن من العودة لمنزلنا وحياتنا بالخرطوم؟ كل هذه الأسئلة في ذهني وليس لدي جواب عليها".
(رويترز)