استمع إلى الملخص
- تشجع القوانين وإدارات السجون التونسية السجناء على التعلم وتقدم الدعم لهم للخضوع للامتحانات والانتساب للجامعات، مع تكريم المتفوقين، كجزء من المسار الإصلاحي والتأهيل للاندماج المجتمعي.
- حوالي ستة آلاف سجين يتلقون التعليم أو التدريب المهني من إجمالي 11 ألف سجين، مع دعوات من جمعيات مدنية لتقليل العقوبات السجنية والاستثمار أكثر في التعليم والتدريب لتقليل نسبة العودة إلى الجريمة وتسهيل الاندماج المجتمعي.
يحرص عدد كبير من الأشخاص المحتجزين في سجون تونس الذين ينفّذون عقوباتهم على الالتحاق بالتعليم، المدرسي كما الجامعي. ويُعَدّ هذا الحرص دليلاً على رغبة السجناء في الانعتاق والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل. ولا تمنع العقوبات السالبة للحرية سجناء تونسيّين من التفوّق الدراسي وكسب رهان النجاح في الامتحانات الوطنية وصولاً إلى شهادة الدكتوراه، فالهيئة العامة للسجون تسجّل زيادة سنوية في عدد المقبلين على الانخراط في المسارَين الدراسيَّين الثانوي والجامعي. وخلال الدورة الأولى من امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) التي أُعلن عن نتائجها في 23 يونيو/ حزيران الجاري، تمكّن سجينان من اجتيازها بنجاح، في حين يستعدّ آخران لاجتياز دورة التدارك من مجموع 16 سجيناً ترشّحوا لخوض الامتحان الوطني الذي يختتم المرحلة الثانوية.
ويمثّل التحصيل العلمي في خلال مدّة التوقيف أو تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، تحدياً لسجناء يصرّون على تحقيق نجاحات في داخل أسوار مراكز احتجازهم، مستفيدين من القوانين التونسية التي تمنحهم الحقّ في التعلّم أو الحصول على تدريب مهني في خلال تنفيذهم عقوباتهم. ويتيح القانون الخاص بنظام سجون تونس الصادر في عام 2001 للسجناء فرصة مواصلة التعليم الثانوي، وذلك العالي بالتعاون مع الجهات الوطنية المعنيّة بالتعليم والتربية.
يقول المتحدث باسم الهيئة العامة للسجون التونسية رمزي الكوكي لـ"العربي الجديد" إنّ "إدارات سجون تونس تسجّل سنوياً زيادة في طلبات التعلّم التي يقدّمها سجناء في مختلف المستويات"، شارحاً أنّ "16 سجيناً خضعوا لامتحان البكالوريا هذا العام، في حين يتابع 40 آخرون دراستهم الجامعية لنيل شهادات من مستويات مختلفة، بما في ذلك شهادة الدكتوراه". ويؤكد الكوكي "حرص إدارات سجون تونس في تونس على الاستجابة لكامل طلبات التعلّم للمساجين الذين يتقدّمون بطلبات من أجل الخضوع للامتحانات الوطنية، أو للانتساب إلى إحدى الجامعات". يضيف أنّ "الناجحين في دورات بكالوريا في السنوات الماضية يواصلون تعليمهم العالي من داخل سجونهم في انتظار انقضاء مدّة عقوباتهم".
ويرى الكوكي أنّ "الإصرار على التعلّم في خلال مدّة العقوبة السالبة للحرية جزء مهمّ من المسار الإصلاحي والتأهيل للاندماج المجتمعي في مرحلة ما بعد السجن". ويشير إلى "زيادة في حرص المساجين، ولا سيّما صغار السنّ من بينهم، على مواصلة مسارهم الدراسي أو على الالتحاق بدورات تدريب مهني، موضحاً أنّ "الأسر تلعب دوراً مهماً في توفير المراجع والدروس اللازمة لأبنائها، إلى جانب ما توفّره مكتبات إدارات سجون تونس".
في سياق متصل، يبيّن المتحدث باسم الهيئة العامة للسجون التونسية أنّ "السجناء، التلاميذ والطلاب، يحصلون على المساعدة حتى من قبل سجناء آخرين قادرين على ذلك، خصوصاً في التخصّصات التي يدرسونها. ويُسمَح لهؤلاء بقضاء وقت كامل في مكتبات السجون في خلال المراجعة". ويلفت الكوكي إلى أنّ السجناء يحتفلون بنجاح زملائهم في العنابر. كذلك قد تحتفل إدارة السجن بنجاح هؤلاء، إذ تسجّلهم من بين المتفوّقين وتخصّهم بالتكريم في يوم العلم الوطني الذي يُحتَفل به في المؤسسات السجنية، بالإضافة إلى السماح لهم بمقابلات مباشرة مع عائلاتهم". ويصف الكوكي الشهادة العلمية بأنّها "سلاح مهمّ للعودة السريعة والناجحة إلى المجتمع بعد انقضاء العقوبة"، ويتابع أنّ "تمسّك السجناء بالدراسة يسمح لهم بالحصول على دعم لملفاتهم التي تُقدَّم إمّا لتخفيض مدّة العقوبة وإمّا للحصول على إطلاق سراح مشروط".
6 آلاف في سجون تونس يتابعون تعليمهم
وتفيد بيانات الهيئة العامة للسجون التونسية بأنّ عدد السجناء الذين يتلقّون تعليمهم أو تدريباً مهنياً في اختصاصات مختلفة يُقدَّر بنحو ستّة آلاف سجين من مجموع 11 ألفاً سجين يقضون عقوبات بعد صدور أحكام باتّة في شأنهم. لكنّ جمعيات مدنية تونسية تطالب السلطات باتّخاذ إجراءات للحدّ من العقوبات السجنية في إطار سياسات تحدّ من العودة إلى الجريمة وتوجيه كلفة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية نحو الاستثمار الدراسي وتدريب المنقطعين عن التعليم.
في هذا الإطار، يقول رئيس جمعية "معاك" مصطفى بن زين لـ"العربي الجديد" إنّ "استكمال المسار الدراسي والحصول على شهادة أمران مهمّان جداً لتأهيل السجناء لمرحلة ما بعد العقوبة"، مشيراً إلى أنّ "ذلك يحدّ من نسب العودة إلى الجريمة ويثبّت انطلاق السجين في مسار إصلاحي ذاتي". يضيف بن زين: "صحيح أنّ استكمال المسار الدراسي في داخل السجن لا يمنع الوصم الاجتماعي للمساجين، غير أنّه يحدّ من تأثيره". ويرى بن زينة أنّ "من الضروري اليوم تقليص العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بأخرى بديلة أو بغرامات مالية أو بالعمل للمصلحة العامة، مع توجيه الجهد العام نحو تسهيل إعادة دمج الأشخاص الذين أُطلق سراحهم وكبح أسباب الجريمة، من أبرزها البطالة والتسرّب المدرسي والتفكك الأسري وعدم الشعور بالأمان إلى جانب الوصم الاجتماعي" الذي يطاول المحرّرين من السجون.
يُذكر أنّ دراسة أعدّتها جمعية "معاك" أوضحت، استناداً إلى بيانات رسمية أفصحت عنها وزارة العدل في تونس، أنّ كلفة السجين الواحد سنوياً تصل إلى 15 ألف دينار تونسي وهو ما يعادل خمسة آلاف دولار أميركي. أضافت الجمعية، التي تنشط في مجال قضايا دمج السجناء السابقين في المجتمع، أنّ المبلغ المذكور يضاهي كلفة تعليم عشرة تلاميذ، بحسب تقديرات لكلفة التمدرس عمل عليها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس. ولفتت الدراسة نفسها إلى أنّ "السجون التونسية تستقبل نحو 23 ألف سجين، 40% منهم مهدّدون بالعودة إلى الجريمة وقضاء عقوبات جديدة نتيجة صعوبات تحول دون اندماجهم مجدداً في المجتمع".