سجناء مصر... وعود بالتطعيم ضد كورونا لا تبصر النور

26 مايو 2021
داخل سجن النساء في القناطر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

للمرّة الثانية، تعِد الحكومة المصرية، ممثّلة بوزارة الصحة والسكان، بالبدء في تطعيم السجناء في مصر ضد فيروس كورونا الجديد، من دون طرح أيّ آلية للتنفيذ أو جدول زمني واضح. وبلغ عدد السجون الجديدة التي صدر قرار بإنشائها بعد ثورة يناير/كانون الثاني، حتى الآن، أي خلال 10 سنوات، 35 سجناً، لتضاف إلى 43 سجناً رئيسياً كانت موجودة قبل الثورة، ليصبح عدد السجون الأساسية في البلاد 78 سجناً.
وتقدّر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (غير حكومية) عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس/آذار 2021 بنحو 120 ألفاً، من بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، ونحو 54 ألف سجين ومحبوس جنائي، ونحو ألف محتجز لم تُعرف أسباب احتجازهم. ومن بين السجناء والمحتجزين، بلغ عدد السجناء المحكوم عليهم نحو 82 ألف سجين، وعدد المحبوسين احتياطياً نحو 37 ألفاً.
وعدُ الحكومة الأخير بتطعيم السجناء جاء خلال اجتماع عقده مجلس الوزراء المصري في 17 مايو/أيار الجاري، وقد أطلعت وزيرة الصحة والسكان هالة زايد، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، على تفاصيل تتعلق بالاحتياطي من أنابيب الأكسجين التي يحتاج إليها مرضى كورونا، وتوافر الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، والبدء في تطعيم جميع السجناء، والاتفاق مع اتحاد الصناعات المصرية على تخصيص عدد من المراكز لتكون مقرات لتطعيم العاملين، وذلك في مختلف المجمعات الصناعية وفق خطة محددة. وأوضحت، في الوقت نفسه، أنّه سيجري تخصيص سيارات للتطعيم، تتمركز بالقرب من مراكز صرف المعاشات (الرواتب التقاعدية)، بهدف توفير اللقاحات للمتقاعدين الذين يقصدون تلك المراكز.
إلاّ أنّ البيان الصادر عن مجلس الوزراء بشأن هذا الاجتماع، لم يتطرق إلى أيّ معلومات إضافية عن خطة تطعيم السجناء.
وفي 18 مايو/أيار الجاري، قال مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون المصرية، اللواء طارق مرزوق، أثناء زيارته ووفد حقوقي سجن الفيوم، إنّ هذا القرار جاء في إطار التطوير المستمر للخدمات الصحية المقدمة للسجناء، وإنّ الوزارة قامت بالفعل بتطعيم 5000 سجين من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى 1400 من أفراد الطواقم الطبية والضباط العاملين في السجون.
وأشار مرزوق إلى أنّ حملة تطعيم السجناء ضد فيروس كورونا تأتي في إطار إجراءات الوقاية لحماية جميع السجناء من وباء كورونا والحفاظ على حياتهم، مشيراً إلى أنّه لم يتم اكتشاف أيّ إصابات في سجون مصر منذ بدء تفشي الوباء، أوائل العام الماضي، بسبب الإجراءات الوقائية المشددة التي تتخذها إدارات السجون.

في مقابل النفي الرسمي، تشير منظمة "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة حقوقية مقرها جنيف، إلى أنّه في أغسطس/آب من العام الماضي، جرى رصد 111 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية، بالإضافة إلى 220 حالة مشتبها بإصابتها، و17 وفاة.
كما وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته في يوليو/تموز 2020، وفاة 14 سجيناً ومحتجزاً على الأقل بسبب مضاعفات كورونا على الأرجح في عشر مؤسسات في مصر. وأشارت روايات شهود للمنظمة ورسائل مسرّبة من سجنَين، وتقارير موثقة لمجموعات حقوقية ووسائل إعلامية محلية، إلى أنّ 14 سجيناً ومحتجزاً على الأقلّ، لقوا حتفهم على الأرجح بسبب مضاعفات ناجمة عن الإصابة بالفيروس في عشرة مراكز احتجاز حتى 15 يوليو/تموز 2020.

صورة إضافية: داخل سجن طرة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
داخل سجن طرة (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وبحسب الوثائق والشهادات التي جمعتها "هيومن رايتس ووتش"، فإنّ السلطات في السجون المصرية "لم تبذل إلاّ القليل جداً من الجهد من أجل عزل المرضى الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة. وفي بعض السجون، تم تخصيص زنزانة أو عدة زنازين لعزل المرضى". كما أشارت إلى عدم اتخاذ أيّ تدابير خاصة لحماية كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة تجعلهم أكثر عرضة للخطر.
وتؤكد شهادات أسر المعتقلين السياسيين في مصر، أنّ إدارات السجون ترفض إدخال الأهل المعقّمات خلال زيارة أبنائهم في السجون. وهذا ما أظهرته شهادات متتالية من أسرة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، المحبوس في سجن طرة، وشقيقته سناء سيف، المحبوسة في سجن القناطر للنساء.
وفي إبريل/نيسان الماضي، نظّمت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (غير حكومية) موكلة عن الصحافي والناشط حسن البنا مبارك، دعوى أمام محكمة القضاء الإداري، للمطالبة بإلزام وزارة الداخلية ممثلة بقطاع مصلحة السجون، السماح لأهل حسن البنا بإدخال المستلزمات الصحية وأدوات النظافة إليه، من قبيل المطهرات والكمامات والقفازات التي تساهم في الوقاية من عدوى فيروس كورونا. كما طالبت المؤسسة في دعواها بإطلاع ذويه على كافة المعلومات والتدابير الوقائية التي تتخذها مصلحة السجون ووزارة الداخلية لمنع تفشي عدوى الفيروس داخل السجون، مع تمكينه وذويه من التواصل بأيّ وسيلة كانت، عوضاً عن الزيارات العائلية الأسبوعية.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" (غير حكومي) عن تدهور الحالة الصحية للمواطنة أمل حسن (53 عاماً)، من منطقة الرمل بمحافظة الإسكندرية، وذلك بعد القبض عليها منذ قرابة ثمانية أشهر، وتفاقم مشاكلها الصحية بعد إصابتها بفيروس كورونا في سجنها، عدا عن مرضها بالسكري وسوء حالتها النفسية.

كوفيد-19
التحديثات الحية

وسبق وأن اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا في مايو/أيار من عام 2020، تمّ على إثرها تعطيل حق السجناء والمحتجزين في الزيارة الدورية لذويهم مدة تجاوزت الثلاثة أشهر، من دون توفير أيّ وسائل أخرى للتواصل، الأمر الذي أثر على صحتهم النفسية سلباً وضاعف معاناتهم، عدا عن حرمانهم من احتياجاتهم من غذاء وأدوية خلال الزيارات. وعندما سمح بعودة الزيارات في أغسطس/آب 2020، كانت مصحوبة بشروط جديدة، منها تمديد الفترة الزمنية بين الزيارة والأخرى. كما تعذّر حضور العديد من المحبوسين احتياطياً أمام النيابة العامة واستمر حبسهم بالمخالفة للمدة القانونية المحددة للحبس الاحتياطي وقانونيته. واستناداً إلى ما حددته منظمة الصحة العالمية حول الفئات التي تندرج ضمن الأولوية للحصول على اللقاحات، فإنّ السجناء والمحبوسين احتياطياً يندرجون ضمن المجموعات الأكثر عرضة للعدوى ونقلها، وذلك لتواجدهم في أماكن مزدحمة ومغلقة تصعب فيها مراعاة التباعد الجسدي.

المساهمون