تتّجه الأنظار من جديد إلى سجناء لبنان والسجون فيه على خلفية تقاعس السلطات الرسمية عن دفع الفواتير المستحقة لمورّدي المواد الغذائية، الأمر الذي يهدّد إمدادات الطعام للنزلاء خصوصاً في ظلّ رفع هؤلاء الموردين الصوت عالياً وإعلانهم وقف عملياتهم في نهاية عام 2023، أي بعد أيام قليلة.
وقد أعلنت مؤسسات مورّدة للمواد الغذائية لمصلحة عدد من السجون اللبنانية، أمس الثلاثاء، أنّها سوف تتوقّف عن تزويد تلك السجون بالمواد الغذائية بحلول نهاية العام الجاري، مطالبةً السلطات الرسمية بمستحقاتها المالية. وفي هذا الإطار، وجّهت ستّ مؤسسات هي"ديراني غروب" و"مرسال زخيا الدويهي" و"عبد الله غروب" و"أنطوان بدوي إسكندر" و"برنار الحايك للتجارة والتعهدات" و"هنيدة إلياس إسكندر" كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - شعبة الشؤون الإدارية، أعلنت فيه "التوقّف عن تأمين المواد الغذائية عند انتهاء عام 2023".
وأفادت المؤسسات المورّدة لمصلحة سجن رومية (إلى الشرق من بيروت) وسجن بعبدا للنساء (إلى الشرق من بيروت) وسجن زحلة (شرقي لبنان) وسجن طرابلس (شمالي لبنان) بأنّها تُعلم من خلال الكتاب الموجّه إلى المديرية عن "توقّفنا عن تأمين المواد الغذائية لزوم السجون وذلك بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، بسبب انتهاء العمل بمدّة الالتزام من دون وجود أيّ مناقصة جديدة وعدم وجود اعتمادات جديدة لتأمين الأموال اللازمة لاستمرار العمل، ولن يعود من طريقة قانونية لتقبض مستحقاتنا، مع العلم أنّه تبقى لدينا فواتير غير مدفوعة منذ عامَي 2020 و2021 ولأربعة أشهر عن عام 2022 وفواتير تعديل أسعار لثلاثة أشهر عن عام 2023".
ولفتت تلك المؤسسات إلى أنّه "بعد متابعة مع المدير العام ووزير الداخلية تمّ تقديم كتاب نقل اعتماد من احتياط الموازنة بقيمة 400 مليار ليرة لبنانية وتمّت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء، وعادت وزارة المالية وطلبت إلغاءه بسبب عدم توفّر الأموال، ما يؤخّر قبضنا لمستحقاتنا السابقة التي أصبحت عبئاً لم نعد نستطيع تحمّله ويعرّضنا لخسائر كبيرة في حال أيّ تدهور جديد في سعر العملة الوطنية وفي ظلّ ظروف الحرب في المنطقة".
وعند محاولة "العربي الجديد" الاطلاع على موقف وزارة الداخلية والبلديات، اكتفى مصدر بالقول إنّ "الموضوع قيد المتابعة مع الجهات المعنية، وسوف نعمل جاهدين لإيجاد حلّ قبل نهاية العام، لأنّه لا يمكن قطع المواد الغذائية عن سجناء لبنان".
سجناء لبنان ضحية غياب التخطيط
في هذا الإطار، يقول المحامي محمد صبلوح، مدير عام مركز "سيدار" للدراسات القانونية، لـ"العربي الجديد" إنّ "كلّ الحلول التي تلجأ إليها الحكومة تبقى ترقيعية ومؤقتة لا جذرية. فهذه المشكلة تطلّ برأسها في كلّ فترة، في ظلّ غياب الخطط الشاملة وعدم إقرار مجلس النواب بدوره القوانين اللازمة لإصلاح وضع السجون وتأمين حقوق سجناء لبنان".
ويلفت صبلوح إلى أنّ "المسؤولية تتحمّلها الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة التي لم تعطِ السجون الأولوية ولا تولي الاهتمام المطلوب للملفّ، على الرغم من خطورة الوضع وتأثيره المباشر على سجناء لبنان الذين يعيشون بقلق دائم، ويخشون على أنفسهم باستمرار، ويعانون من ظروف مروّعة، وذلك في ظلّ الاكتظاظ (في السجون) وتدنّي مستوى الرعاية الصحية والأخطر اليوم الأزمة الاستشفائية".
وإذ يبيّن صبلوح أنّ "السلطات المعنية غير قادرة على تأمين المستحقات المالية لمورّدي المواد الغذائية وفي الوقت نفسه يُمنع على الأهالي تأمين الأكل للسجناء، وذلك بذريعة احتمال إدخال مواد ممنوعة عبر الطعام إلى السجن"، يرى أنّ "حلّ ذلك بسيط وهو يكمن في تكثيف عمليات التفتيش وإجرائها من خلال أجهزة خاصة".
وعن وضع الاستشفاء، يؤكد صبلوح أنّه "خطر جداً، خصوصاً في سجن رومية حيث الرعاية الطبية غائبة بصورة شبه كلّية. وقبل أيام على سبيل المثال، اضطر سجناء إلى مساعدة زميل معهم يعاني من مشكلة في أسنانه لتأمين تكلفة حقنة بنج. وهذا مجرّد مثال بسيط من المشكلات الصحية التي ترتفع خطورتها في السجون".
السلطات كلها مسؤولة عن تدهور أحول سجناء لبنان
وينبّه مدير عام مركز "سيدار" للدراسات القانونية إلى "تأثير التعاطي مع السجناء في لبنان على صحتهم النفسية ونظرتهم إلى المجتمع. فبدلاً من قيام مؤسسات الدولة بإعادة تأهيل السجناء بهدف دمجهم من جديد في المجتمع عند خروجهم من السجن، فإنّها تزرع الإجرام في نفوسهم. وهذا أمر تتحمّل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة كما المشرّع اللبناني والقضاء اللبناني الذي لا يقوم بالدور المنوط به بالطريقة الصحيحة في ما يخصّ قضايا السجون. فإضرابات القضاة وتخفيض أيّام عملهم ربطاً بالأزمة النقدية والغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المحروقات تفاقم الاكتظاظ في السجون مع تأخّر محاكمة الموقوفين".
وكانت إمكانية توفير الطعام في السجون اللبنانية قد تدهورت بصورة خطرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في أواخر عام 2019. وأفادت قوى الأمن الداخلي منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في وقت سابق، بأنّه مع زيادة الطلب على المواد الغائية التي توفّرها السجون، أدّى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة اللبنانية مقارنة بالدولار الأميركي إلى صعوبة الدفع لمورّدي المواد الغذائية المتعاقدين معها. أضافت أنّ قوى الأمن التي تعمل مع وزارتَي المالية والداخلية استجابت لذلك من خلال حلول مؤقتة تضمن مدفوعات غذائية شهرية حتى نهاية عام 2023.
في المقابل، تشكو عائلات السجناء من أنّه حتى مع ضمان توصيل الطعام إلى نزلاء السجون، فإنّ الكميّات المؤمّنة تبقى غير كافية ونوعيته رديئة لدرجة أنّه يكون في الغالب غير صالح للاستهلاك.