"سبيل" رهينة الأكسجين... رضيعة تجسد معاناة أطفال غزة

03 يونيو 2024
أطفال غزة يعانون من سوء التغذية، 1 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الرضيعة سبيل حمدان تكافح من أجل البقاء في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، تعاني من مشاكل صحية خطيرة تتطلب عناية مستمرة وتشمل تضخم الكبد والطحال وانسداد القناة المرارية.
- الحرب الإسرائيلية على غزة وإغلاق معبر رفح البري زادا من معاناة الأطفال والعائلات في غزة، مما أدى إلى نقص حاد في العلاج، الحفاضات، والمستلزمات الطبية، وخلق أوضاعاً مأساوية.
- الوضع الكارثي في غزة يحرم الأطفال مثل سبيل من الحصول على العلاج الضروري خارج القطاع، مع تأملات بإعادة فتح المعبر لتمكينهم من الرعاية الصحية اللازمة وإنهاء معاناتهم.

على جهاز الأكسيجين تتمسك الطفلة الرضيعة سبيل حمدان (تسعة أشهر)، بالحياة، كحال كثر غيرها من أطفال غزة ممن تفتحت أعينهم على مشاهد الحرب الإسرائيلية على القطاع وويلاتها، وداخل  مستشفى شهداء الأقصى، شرقي مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، تصارع حمدان الألم والمرض على أمل أن تجد سبيلاً لاستكمال علاجها في الخارج عقب إعادة فتح معبر رفح الحدودي، المغلق منذ بدء العملية العسكرية البرية في مدينة رفح، أقصى جنوبي القطاع.

تعاني الرضيعة حمدان من تضخم وتليف في الكبد، وتضخم في الطحال، وانسداد في القناة المرارية، ما يتسبب في تكون مياه في جسدها وتجمعها في منطقة البطن، والضغط على الرئتين والقلب، ويتطلب ذلك إجراء عمليات شفط للمياه أولًا بأول خشية تدهور حالتها الصحية، كما تشكو أمها من عدم قدرتها على توفير الملابس المناسبة لطفلتها الرضيعة مع جسدها النحيل ووجود تضخم كبير في البطن، خاصة أنها في المرحلة الثالثة والأخيرة من مرض تليف الكبد.

أطفال غزة يعيشون أوضاعا مأساوية

وتسببت الحرب الإسرائيلية على غزة، التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مضاعفة معاناة أطفال غزة، ومن بينهم الرضيعة حمدان ووالدتها، في ظل أوضاع مأساوية ونقص في العلاج والحفاضات ونزوح مستمر، حيث كانت العائلة تقيم في مدينة غزة ونزحت لأكثر من مرة حتى وصلت لمنطقة المواصي بمدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، التي تفتقر لسبل الحياة، حيث تعد المواصي مناطق رملية على امتداد الخط الساحلي، تمتد بشكل عام من جنوب غرب دير البلح (وسط القطاع)، مرورا بغرب خانيونس حتى غرب رفح (جنوب).

 تقول ريم، والدة الطفلة حمدان: "ابنتي تعاني جراء هذا المرض، وتصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن حياتها مهددة في حال توقف عمل مستشفى شهداء الأقصى بفعل نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية الاحتياطية"، إذ تعتمد الطفلة الرضيعة، التي تبلغ من العمر بضعة أشهر، على الأكسجين للبقاء على قيد الحياة بسبب الصعوبة الكبيرة في التنفس والرضاعة بفعل الضغط الذي تتسبب به المياه المتجمعة في البطن على قلبها الصغير ورئتيها المُتعبتين، وتخشى الوالدة، التي يعتصر قلبها ألمًا على طفلتها، من فقدانها في حال تفاقم أزمة نقص الوقود التي يعاني منها مستشفى شهداء الأقصى، وتوقف الأكسجين عن الأطفال المرضى، لا سيما أن الأطباء أخبروها بأن حالة ابنتها صعبة للغاية وقد تفارق الحياة في أي وقت.

وفي 27 مايو/ آيار الماضي انقطع التيار الكهربائي عن عدد من أقسام مستشفى شهداء الأقصى لساعات، جراء نقص الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، قبل أن تعود إلى العمل بعد تزويدها من قبل منظمات دولية بـ15 ألف لتر من الوقود، وتحتاج المستشفى الوحيد وسط قطاع غزة في اليوم الواحد إلى ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف لتر من الوقود لضمان استمرارية العمل.

وعلى سرير المستشفى، تحمل الأم الفلسطينية رضيعتها بين يديها ودموعها تنهمر على وجهها، وتشير بيدها إلى الانتفاخ الكبير في بطن طفلتها الناجم عن تجمع المياه نتيجة عدم توفر العلاجات اللازمة لحالتها داخل قطاع غزة بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مضيفة: "قبل ثلاثة أيام أجرينا لها عملية شفط للمياه المتجمعة، لكن المياه تتشكل مجددًا في جسدها، ومعاناتها لا تنتهي، ويتسبب ذلك بضيق في التنفس جراء الضغط على القلب والرئتين، وتتأثر رضاعتها بشكل كبير".

وتتشكل المياه داخل جسد الرضيعة حمدان بشكل دائم وتتجمع في البطن، وتقوم الطواقم الطبية بإجراء عمليات جراحية مستمرة لشفط المياه المتجمعة، لكن دون جدوى، فالعمليات تتكرر بصورة دائمة، ولم يسجل أي تحسن في حالتها الصحية منذ دخولها المستشفى في الثاني من مارس/ آذار الماضي.

وبينما تجلس في المستشفى منذ بضعة أشهر، تشتاق الوالدة لأفراد عائلتها وللأوقات السعيدة التي كانوا يقضونها معا، وتحنّ الأمّ إلى لمس أيديهم وسماع أصواتهم وتبادل الضحكات معهم، لكنها محاطة بصمت قاطع ووحدة مؤلمة، وتقول: "قلبي يعتصر ألمًا، أصبحنا نتمنى الموت في ظل المعاناة التي نعيشها والأزمات القاسية"، متسائلة باستغراب: "ما ذنب هذه الطفلة أن لا تتلقى العلاج اللازم والرعاية الصحية المناسبة كباقي الأطفال المرضى حول العالم؟! ما ذنب أطفالي الموجودين في البيت لكي يحرموا من والدتهم وشقيقتهم؟! وأن أحرم من معانقتهم؟! أليس من حق المرضى أن يتلقوا حقهم في العلاج؟"، وتأمل أن تنتهي الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة وإعادة فتح معبر رفح الحدودي مرة أخرى حتى تتمكن طفلتها من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج اللازم.

وفي السابع من مايو/ أيار الماضي، استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري مع مصر، وهو ما أدى لإغلاقه ومنع خروج الجرحى لتلقي العلاج ودخول مساعدات إنسانية هي شحيحة أساسا، بينها أدوية. ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، يواجه آلاف المرضى في القطاع الموت، حيث يحتاجون إلى العلاج والسفر خارج القطاع، ولكن إغلاق معبر رفح يحول دون خروجهم لتلقي العلاج في مستشفيات الخارج. ومنذ بدء الحرب، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج مستشفيات كثيرة عن الخدمة، ما عرض حياة المرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية.

يذكر انه للعام الـ18 على التوالي تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد أيضا في الغذاء والماء، ما ضاعف معاناة أطفال غزة.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون