حذر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من زيادة محاولات الهجرة السرية خلال العام الحالي، على غرار ما حصل في 2022، وأكد المسؤول عن الإعلام بالمنتدى رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أن العام الماضي سجل وصول أكثر من 35 ألف تونسي إلى دول الإتحاد الأوروبي، وهذا الرقم يعد الأكبر في تاريخ الهجرة السرية من تونس، ومن بينهم 18 ألفاً هاجروا بحراً، فيما هاجر عن طريق البر، مروراً بدول البلقان، نحو 17 ألفاً".
وأضاف بن عمر أن "السلطات التونسية منعت نحو 36 ألفاً آخرين من الوصول إلى السواحل الإيطالية، وفي ظل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم، ومع تدهور الخدمات العمومية، فإن الرغبة في الهجرة السرية ستتزايد خلال 2023"، مشيراً إلى أنهم "متخوفون من أن تكون السنة الحالية مأساوية على سواحل تونس، في ظل صمت السلطات على مختلف الفواجع الحاصلة، والإصرار على عدم وضع استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع القضايا المسببة للهجرة".
ولفت إلى أنه "حصلت تغيرات كبيرة في تفاصيل وهوية وتصنيف المهاجرين. كانت هناك صورة نمطية، لكنها تلاشت، إذ كان المهاجر السري هو ذلك المنقطع عن الدراسة، أو العاطل عن العمل، في حين أصبحت هناك عدة فئات أخرى تقدم على محاولات الهجرة، وتشمل الهجرة النظامية الأطباء والمهندسين والعديد من الكفاءات المهنية التي تختار الهجرة بعد منحها تأشيرات قانونية للعمل في مجالها، أما الهجرة السرية فتشمل بقية الفئات التي أقصتهم تلك المنظومة، لتبقى هذه الشريحة فريسة عصابات تهريب المهاجرين".
ويشير بن عمر إلى أن "التحولات تشمل مختلف الفئات العمرية، فنبسة القصر من بين الواصلين إلى السواحل الإيطالية تقدر بنحو 16في المائة، وفي 2022، سجل وصول 3400 قاصر تونسي إلى إيطاليا، من بينهم نحو 2400 قاصر غير مرفوقين بعائلاتهم، كما أن هناك نحو 700 عائلة تونسية كاملة وصلت إلى سواحل إيطاليا خلال نفس العام، ومن المتوقع أن يشهد 2023 مزيداً من هجرة العائلات رغم الفواجع والمآسي التي تجري في البحر المتوسط خلال محاولات الهجرة، لكن تردي الوضع الاجتماعي يدفع المزيد من الأسر إلى الهجرة".
ويوضح أن "ملف المفقودين يظل أحد الملفات القديمة المتجددة، باعتبار أن الدولة قامت ببعض الخطوات في 2015، شملت بعث لجنة المفقودين، ولكن هذه الخطوات ظلت متعثرة، وسرعان ما توقف العمل عليها، إذ إن الدولة تنظر إلى المفقودين وعائلاتهم على أساس أنهم مذنبون، ولا تملك أي إرادة سياسية للكشف عن المفقودين، وقد برز هذا الأمر في قضية مفقودي مركب جرجيس، الذي غرق في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي وعلى متنه 17 شخصاً، حين تعاملت الدولة مع الملف باعتبار أنهم يتحملون وزر قرار الهجرة، وبالتالي تخلت عن المسؤولية رغم أن سياساتها هي السبب الأساسي وراء الرغبة في الهجرة".
ويواصل بن عمر: "مطلوب إنشاء هيكل خاص بالمفقودين من خلال جمع كل المعطيات والمعلومات عنهم، ومقارنته بالمعطيات الموجودة لدى الدول المجاورة، بما يمكّن من تقديم بعض الإجابات للعائلات حول مصير أبنائها، فضلاً عن ضرورة تقديم المساعدة الاجتماعية والنفسية للعائلات".
ويقول الناشط في حراك جرجيس علي كنيس، لـ"العربي الجديد"، إن "عائلات وأصدقاء المفقودين في مركب جرجيس يواصلون اعتصامهم المفتوح بمقر المعتمدية، والحراك مستمر إلى حين كشف الحقيقة ومعرفة مصير بقية المفقودين، وعددهم 10 أشخاص"، مشيراً إلى أنه "منذ غرق المركب في شهر سبتمبر، لوحظ تخاذل الدولة في التعامل مع الفاجعة، وتولى الأهالي البحث عن المفقودين، واستعانوا بالبحارة المحليين، وتمكنوا من إيجاد 7 جثث فقط، ولا يزال مصير 10 آخرين مجهولاً، ومن بينهم رضيعة وأطفال وشباب".
ويضيف كنيس: "أكثر ما أغضب الأهالي كان التزييف والمغالطات المقدمة من قبل الدولة، والتجاهل غير المبرر، وقمع المسيرة التي نظمها أهالي جرجيس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، للمطالبة بكشف الحقائق، وما زالت المطالب واضحة، وتقتصر على الحقيقة والعدالة، ومحاسبة كل متورط، فالأهالي يرجحون فرضية حصول جريمة في عرض البحر، وذلك اعتماداً على الآثار التي وجدت على عدد من الجثث".
وبين أن "السياسة التونسية تقوم على حماية حدود الاتحاد الأوروبي، والمطلوب هو تغيير سياسات التعامل مع الهجرة، ومراجعة العلاقات غير العادلة مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف، وهو ما يعني تقليص المخاطرة بالحياة، وتفادي الهجرة عبر التعامل مع الظروف المعيشية الصعبة القائمة".
وأفاد كنيس بوجود 4 جثامين في المقبرة المخصصة لمجهولي الهوية بجرجيس، وجثة أخرى في مستشفى قابس، كما أن هناك مؤشرات عديدة على أنه تم إخفاء عدة معطيات حول فاجعة مركب جرجيس، ومن بينها توصل الأهالي بإمكانياتهم الخاصة المحدودة إلى انتشال جثامين عدد من المفقودين، بينما هناك في المقابل "غياب تام للشفافية، وغموض كبير من جانب الدولة حول هذا الملف".