تزداد المخاوف من تداعيات ومخاطر أزمة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مدينة زليتن الساحلية غربي ليبيا، ما دفع بعض السكان إلى ترك منازلهم، والنزوح من المدينة. بدأت الأزمة قبل شهر، حين اشتكى أهالي عدد من الأحياء من تجمع المياه التي تخرج من جوف الأرض، وتشكيلها بركاً واسعة في المزارع وبين المنازل، ومع تزايد كميات المياه الجوفية المتدفقة إلى سطح الأرض تحوّلت الأزمة إلى قضية أثارت اهتمام الرأي العام.
ورغم التدابير التي اتخذتها سلطات المدينة بدعم من حكومتي الوحدة الوطنية في طرابلس ومجلس النواب في الشرق، والتي شملت إرسال آليات لشفط المياه، استمر تزايد انتشار برك المياه، ما أدى إلى نزوح مزيد من السكان. وحتى مطلع فبراير/ شباط الجاري، نزحت عشرات الأسر، في حين تستعد أسر أخرى للنزوح، فور توفير بلدية المدينة مساكن بديلة لها، بحسب تصريحات أدلى بها مسؤولو البلدية، والذين يشتكون من قلة الدعم الحكومي.
عجزت بلدية زليتن عن تحديد سبب ارتفاع المياه الجوفية
وأعلن جهاز مراقبة التعليم في بلدية زليتن إغلاق 11 مدرسة في مناطق تضررت من ارتفاع منسوب المياه الذي بات يغطي مساحات واسعة، ما حتم عدم إرسال الأهالي أطفالهم إليها. وينتظر الجهاز تنظيم وزارة التعليم لعملية توزيع طلاب المدارس المغلقة على مدارس أخرى في المنطقة، في حين يعتبر علي محيسن، أحد سكان الأحياء المتضررة، أن عدم توزيع الطلاب على مدارس أخرى يتعلق بعدم وضوح أماكن استقرارهم بعدما نزحت عائلاتهم، والأولوية حالياً هي لتحديد الأحياء التي ستمكث فيها الأسر، كي ينتقل أولادها إلى مدارس قريبة في مرحلة تالية.
وعجزت بلدية زليتن، خلال الفترة الماضية، عن تحديد سبب ارتفاع المياه الجوفية إلى سطح الأرض، ما دفعها إلى الاستعانة بفريقين من الخبراء الدوليين في المياه والتربة توجها الى المدينة، أحدهما إنكليزي والثاني مصري.
وتوقعت البلدية، استناداً إلى دراسات أجرتها مصلحة المياه والتربة الليبية، أن تستغرق معالجة الأزمة ثلاثة أشهر على الأقل، ودعت الحكومتين في ليبيا إلى التحرك بسرعة لدعمها، وإعلان زليتن منطقة منكوبة.
من جهته، أعلن مجلس النواب أن مدينة زليتن "منكوبة"، وكلّف الحكومة الخاضعة لسلطته بحلّ مشكلة المياه الجوفية، وتخصيص المبالغ المالية اللازمة لذلك، لكن محيسن يؤكد أن "البلدية لا تملك أي إمكانيات لمواجهة المخاطر، بدليل أنه لم يصل إلا سيارات لشفط المياه فقط إلى المناطق، والتي لم تعالج المشكلة بالكامل".
ويتحدث علي محيسن لـ"العربي الجديد"، عن "انتشار حشرات ضارّة وبعوض بسبب برك المياه، وأن لسعات هذه الحشرات مختلفة، لأنها تنتقل من برك اختلطت مياهها بتلك في مجاري الصرف الصحي. وأكدت إدارات المصحات الخاصة ومستشفى المدينة أنها لا تعرف هذا النوع من اللسعات، وليست لديها أمصال وعلاجات لها". ويضيف: "حال سكان الأحياء الساحلية في المدينة كارثي، فنحن نعيش في خوف من كل شيء، حتى من احتمال أن تنهار المنازل التي بدأت جدرانها في التشقق بسبب الأرض الرطبة".
وحذرت بلدية المدينة من كارثة محتملة إذا رفض بعض أهالي زليتن إخلاء منازلهم، لكن محيسن يسأل "إلى أين سنذهب؟ فإيجارات المنازل ترتفع باستمرار، والحكومة لا توفر بدائل مالية، رغم أن أحداً لا يرغب في البقاء".
ويتحدث أستاذ علوم البيئة عمران الحشاني لـ"العربي الجديد" عن تداعيات خطيرة قد تنتج من استمرار ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في زليتن، ويطالب "بالتنبه من الأضرار في الممتلكات الخاصة، خصوصاً المباني المتعددة الطوابق التي قد تصبح آيلة للسقوط، وأيضاً من احتمال أن تتسرب مياه الصرف الصحي إلى الخزانات والصهاريج، ما يرفع نسب التلوّث فيها، ويجعلها غير صالحة للشرب، ومن جلب حشرات ضارّة، توجد في البرك الراكدة، الأمراض والأوبئة".
وفي تقرير سابق، قال مختار الصدّيق، أحد سكان زليتن، لـ"العربي الجديد"، إن "حملة معالجة الأضرار اكتفت بالاطلاع على الأوضاع، في حين ظلت بعض البيوت غارقة بالمياه، ونزح سكان من منازل دخلتها المياه الجوفية المتدفقة إلى سطح الأرض من دون أن يعرفوا متى سيعودون إليها". وأشار إلى أن "الوصول إلى المياه الجوفية كان يحتاج إلى حفر نحو 40 متراً، في حين يحصل ذلك عبر الحفر نحو مترين فقط في بعض المناطق، كما تغطي المياه مساحات كبيرة في مناطق أخرى".