زلزال هايتي: فريق أطباء بلا حدود ما زال ناشطاً

09 سبتمبر 2021
أجريت عمليات جراحية لعشرات المصابين (أطباء بلا حدود)
+ الخط -

 

بعد أقلّ من شهر على الزلزال الأخير الذي ضرب هايتي، وبالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود، تنقل "العربي الجديد" نشاط المنظمة المستمرّ.

في تمام الساعة الثامنة و29 دقيقة صباحاً بالتوقيت المحلي من يوم السبت 14 أغسطس/ آب الماضي، ضرب زلزال جنوبي هايتي بقوة 7.2 درجات على مقياس ريختر لينتهي بعد بضع دقائق. في خلال تلك اللحظات الرهيبة بالنسبة إلى الهايتيّين، وبينما انهارت الجدران والأسقف في المناطق المنكوبة بشدّة، لقي أكثر من ألفَين و200 شخص حتفهم وأصيب أكثر من 12 ألفاً آخرين بجروح، وبدأ الناجون رحلة طويلة للتعافي من الإصابات الجسدية والنفسية.

وفي اليوم نفسه، أقامت منظمة أطباء بلا حدود مركز طوارئ في حيّ تورغو بالعاصمة بورت أو برنس، بهدف تحقيق استقرار حالات المصابين الذين تمّ إجلاؤهم من جنوب البلاد. وفي خلال الأيام الثمانية الأولى، عالج المركز 133 ناجياً من الزلزال و152 مريضاً آخر. كذلك أُحيل 82 شخصاً إلى المستشفيات المحلية لتلقّي علاج إضافي أو للخضوع لعمليات جراحية، علماً أنّ 27 من هؤلاء أُحيلوا إلى مستشفى تاباري التابع لأطباء بلا حدود والمتخصص في الإصابات الشديدة والحروق.

وبعد وقوع الزلزال، شُغلت أسرّة مستشفى تاباري بمعظمها بحالات حروق وإصابات الأخرى. وقد استقبل المستشفى ما مجموعه 70 من الناجين من الزلزال في غضون أيام، نُقل 48 منهم للخضوع لعمليات جراحية أو لتلقّي علاجات أخرى. وقد تجاوزت الاحتياجات سعة المستشفى العادية البالغة 70 سريراً، فعمد العاملون إلى تنفيذ خطة الكوارث التي تتمثّل في إضافة 19 سريراً في النقاط المغطّاة في الفناء وفي أخرى داخل المبنى.

الصورة
مصاب بعد زلزال هايتي 2021 (ريجينالد لويسان جونيور/ فرانس برس)
(ريجينالد لويسان جونيور/ فرانس برس)

الطبيب زافيير كيرنيزان، متخصّص في جراحة العظام ويعمل في مستشفى تاباري الذي تُديره منظمة أطباء بلا حدود في بورت أو برانس. ومنذ وقوع الزلزال في أغسطس الماضي، انضمّ إلى الفريق الجراحي التابع للمنظمة الذي راح يعمل في جيريمي (جنوب غربي البلاد).

ماذا فعلت يوم وقوع الزلزال؟

كنت في طريق العودة إلى منزلي من مستشفى تاباري الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود حين شعرت بهزّة أرضية. لم أظنّ في بادئ الأمر أنّ زلزالاً قوياً قد وقع. ولم أسترجع الصور والأحداث إلا بعد فترةٍ من الزمن. ودار حوار غير رسمي على مجموعة محادثة تجمع عاملين في أطباء بلا حدود، حول إمكانية إرسال فريق إلى المنطقة. أعلمت مدير الأنشطة الطبية حينها بأنّني جاهز لأعمل كجرّاح عظام متى احتاجت المنظمة إلى ذلك، فقال لي إنّنا سننطلق في تمام الساعة الثانية من بعد الظهر.

وكان كل شيء جاهزاً حينها، فانطلقنا إلى ليه كاي (عاصمة الإدارة الجنوبية). وأكثر ما أثار توتّرنا آنذاك هو عبور حيّ مارتيسان للوصول إلى طريق الجنوب الذي تأثّر بالزلزال. ففي هذه المنطقة يدور نزاع مسلّح وقد سمعنا تقارير مقلقة فاقمت من توتّرنا، وانتابنا خوف على سلامتنا وليس بسبب الزلزال.

كيف كان الوضع في الجنوب عند وصولكم؟ 

كانت مدينة ليه كاي أولى محطّاتنا. أثار المشهد مشاعري آنذاك وأعادتني البيوت المنهارة والأنقاض في الشارع إلى زلزال عام 2010 الذي ترك دماراً مماثلاًَ. لم نستطع العبور قطّ في بعض المناطق واضطررنا إلى البحث عن طرقات أخرى. فأمضينا الليلة الأولى في ليه كاي ثمّ أكملنا طريقنا، وقد وجدنا طبيباً من زملائنا يقدّم الدعم في قسم الجراحة بأحد مستشفيات المنطقة.

انطلقنا في الصباح التالي إلى جيريمي. وقبل وصولنا إلى ريفييري غلاس، وجدنا أنّ انهياراً أرضياً يسدّ طريقنا. كنّا على علمٍ مسبق بأنّ الطريق مقطوع، لكنّ أحداً لم يعلم إن كان في إمكان السيارة المرور فوق الصخور. فترجّلنا من السيارة وصوّرنا الصخور التي تسدّ الطريق لمسافة كيلومتر على أقلّ تقدير. انتابنا شيء من الخوف بعد أن اكتشفنا مدى قربنا من المنحدر، كذلك كانت هزّة أرضية ارتدادية أدّت إلى وقوع بعض الصخور. فعدنا إلى ليه كاي وانتقلنا إلى جيريمي على متن طائرة مروحية. 

الصورة
مصابة بعد زلزال هايتي 2021 (ريجينالد لويسان جونيور/ فرانس برس)
مصابة بعد زلزال هايتي 2021 (ريجينالد لويسان جونيور/ فرانس برس)

كيف بدأت العمل في هذا المكان؟

تمثّلت أولى الصعوبات التي واجهناها في التواصل ومعرفة مع من نلتقي، لا سيّما أنّ أحداً لا يعرف من نكون ولماذا أتينا. لم نبدأ بالعمل الفعلي إلا بعد مرور يوم ونصف يوم من وصولنا. كان العاملون في مستشفى سانت أنطوان قد أنجزوا عملاً استثنائياً بفريق صغير وموارد محدودة، فقد وجدنا أنّ المرضى قد تلقّوا الرعاية ومواضع الإصابات نُظّفت. كذلك ثُبّتت بعض كسور في العظام بمثّبتات خارجية، وأُحيل مرضى آخرون إلى بورت أو برنس جوّاً. بالإضافة إلى ذلك، توجّه عدد من الأطباء الذين تعود أصولهم إلى هذه المنطقة لدعم المستشفى، علماً أنّهم يؤدّون وظائفهم في أماكن أخرى.

وعند وصولنا، سألنا عمّا يمكن فعله قبل أن نكمل العمل الذي كان المستشفى قد بدأ في إنجازه. فأجرينا عمليات جراحية لعدد كبير من الجرحى وعالجنا أربعة منهم يوم الأحد (في اليوم التالي للزلزال) وتسعة آخرين يوم الإثنين، ثمّ رحنا نعالج ما بين 10 و12 مصاباً في اليوم الواحد. وكنّا نغادر المستشفى ما بين الساعة الحادية عشرة ليلاً ومنتصف الليل لمعاينة أكبر عدد ممكن من المصابين بهدف تقليص عدد المصابين الذين ينتظرون العلاج أو الجراحة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

هل تستقبلون المصابين الذين يحتاجون إلى عمليات متابعة جراحية؟

نعم، بدأنا بإجراء عمليات المتابعة. ونحن نستقبل في الوقت الحالي مصابين عالجناهم سابقاً. فمنهم من يأتي لتنظيف موضع الإصابة ومنهم من يخضع لعملية جراحية ومنهم من يلتمس وضع قالب من الجبس. لكنّ الأشخاص في المناطق النائية ما زالوا يعانون من نقص في المساعدات، فيأتون إلى جيريمي لتلقّي الرعاية الطارئة.

تجدر الإشارة إلى أنّه بحلول 20 أغسطس، كان الفريق الجراحي في منظمة أطباء بلا حدود في جيريمي قد عالج 54 مصاباً من جرّاء الزلزال الذي وقع في 14 أغسطس. فعالج إصابات ككسور في العظام وأجرى عمليات جراحية لـ 36 مصاباً ووضع جبائر لأشخاص آخرين. كذلك توفّر منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الجراحية في مستشفى تاباري في بورت أو برنس. وحتى الآن، استقبل المستشفى أكثر من 45 شخصاً مصاباً من جرّاء الزلزال، بالإضافة إلى الذين عولجوا في غرفة الطوارئ وخرجوا من المستشفى أو أحيلوا إلى مكان آخر.

المساهمون