فور وقوع الزلزال، بدأ سكان المناطق السورية يتعاملون مع الحدث بحسب تجاربهم السابقة خلال سنوات الحرب، وتدريجياً بدأ إدراك حجم الكارثة، وظهر التمايز بين أهالي المناطق المنكوبة، ما بين مناطق اعتادت على اهتزاز الأبنية وانهيار البيوت والحرائق خلال القصف الجوي، كما جربت الهرب والإنقاذ والإسعاف والنزوح إلى العراء، ومناطق أخرى شاهدت ذلك عبر وسائل الإعلام، ولم تعشه إلّا جزئياً. هذا التمايز في تلقي الصدمة والتعامل معها شمل أيضاً الجهات المعنية بالإنقاذ والمساعدات.
في مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة المعارضة، ورغم اعتيادها على أجواء الحرب وقصف المنازل وتهدمها، شكل الدمار الواسع للمباني، والعدد الكبير من الضحايا في يوم واحد، تحدياً غير مسبوق للمؤسسات العاملة في تلك المناطق، بخاصة منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التي تصدرت جهود الإغاثة والإنقاذ، ورغم عمل حكومة تتبع للائتلاف المعارض (الحكومة المؤقتة)، وأخرى مقربة من "هيئة تحرير الشام" (حكومة الإنقاذ)، فإنّهما لا تنسقان إحداهما مع الأخرى، كما لا تنسقان مع الدفاع المدني.
وكان لمنظمة "الخوذ البيضاء" المكونة من نحو 3000 متطوع، والتي تتلقى دعماً من بعض الجهات الدولية، دور رئيسي في عمليات إنقاذ المدنيين خلال سنوات الحرب السابقة، وقضى نحو 300 من أعضائها خلال قيامهم بعملهم في السنوات السابقة، أربعة منهم خلال عمليات الإنقاذ الحالية في الزلزال. كما كانت في صدارة جهود الإنقاذ منذ وقوع الزلزال الأول.
نقص المعدات وندرة الوقود يحدان من فاعلية الدفاع المدني في الإنقاذ
وحول الآليات التي يتبعها الدفاع المدني للتعامل مع الزلزال، وتوثيق الضحايا والمفقودين، يقول مدير المكتب الإعلامي في المنظمة محمد الشبلي، لـ"العربي الجديد": "إضافة إلى عمل طواقمنا في المناطق المتضررة، فنحن نعتمد على روايات الأهالي لتحديد أعداد المفقودين، وكلما توفرت لدينا معطيات، نعتبرهم مبدئياً تحت الأنقاض، وبناء على المعلومات التي يزودنا بها الأهالي بشأن آخر موقع كان فيه أقاربهم، تتوجه فرق الدفاع المدني إلى هذه المواقع. بعد العثور على ناجين أو متوفين تحت الأنقاض، نتولى التوثيق، وفي حال لم نتعرف على هويتهم نشير إلى أنهم مجهولين، مع تسجيل كل الدلالات المتوفرة بشأن كل شخص لتسهيل التعرف إليهم لاحقاً في حال دفنهم قبل التعرف عليهم، وتُستخدم هذه الآلية منذ وقت طويل".
وحول ما اذا كانت هناك جهات أخرى تشارك في عمليات التوثيق، يؤكد الشبلي أنه ليس على دراية بذلك، مضيفاً: "لدينا تواصل مع المشافي، التي تبلغنا بوجود جثث لديها، ونقوم بدفنهم بوجود أهاليهم أو أحد من أقاربهم، والمعطيات التي لدينا تؤكد أن هناك مئات العائلات ما زالت تحت الأنقاض. قمنا بإجراء مسح للمنازل المتضررة، أو الآيلة للسقوط، وتوثيق هذه المنازل، وحذرنا الأهالي من الرجوع إليها نظراً لما يحمله ذلك من خطورة عليهم، فكلها معرضة للانهيار في حال حدوث هزات ارتدادية جديدة".
وأوضح أنّه "جرى توثيق نحو 500 مبنى سكني مدمرة بشكل كامل وأكثر من 1500 مبنى أخرى دمرت بشكل جزئي أو تصدعت وباتت معرضة للانهيار، كما نقوم بتوثيق أعداد الضحايا والمصابين، لكنّها ما زالت مجرد إحصائيات أولية، ونعتقد أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير". ويتابع: "توزيع المهام على العناصر يتبع للوحدات التخصصية، والأولويات تكون للمناطق الأشد تضرراً، أو للمباني التي تُسمع منها أصوات أحياء تحت الأنقاض، وأيضاً بناء على طبقات الركام، وإمكانية التعامل معها وفق المعدات المتوفرة في المنطقة. الدفاع المدني لديه آليات جيدة، لكن لا نمتلك معدات كافية، والمعدات الثقيلة ليست متوفرة في كل المناطق، بينما حجم الكارثة كبير، وأكبر كثيراً من إمكانياتنا".
بدوره، يقول باسم حمزة مصطفى، من فريق الدفاع المدني في مدينة الأتارب، إن "كل فريق يعمل على الأرض يكون معه شخص يقوم بتوثيق أعداد الضحايا والجرحى والناجين، والأهالي يساعدون في إزالة الأنقاض بجهودهم الشخصية، أو عبر آلياتهم، لكن الصعوبات ناجمة عن كثرة عدد المناطق المتضررة، وعدم توفر الآليات اللازمة بدرجة كافية. رغم كل الجهود، لا يمكن تحديد مصير جميع المفقودين، فيدخلون تلقائياً في عداد الضحايا بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، حين تتضاءل فرص العثور على ناجين، بخاصة أنّ الطقس البارد يضاعف محنة العالقين، ويقلل فرص نجاتهم".
ويؤكد الناشط الإغاثي عمر السويداني لـ"العربي الجديد" أنّ "بعض الأبنية المتهدمة لم تُرفع أنقاضها نظراً لعدم صدور أصوات من تحتها تشير إلى وجود أحياء، واقتصرت الجهود على محاولات بعض الأهالي من أقارب الضحايا نبش الأنقاض بأدوات بسيطة، في غياب المعدات الثقيلة".
من جهته، يقول علي عبد المجيد، من مركز عمران، لـ"العربي الجديد"، إن "الاستجابة للزلزال كانت ضعيفة بسبب حجم الكارثة الكبير، والذي كان أكبر من البنية التحتية المتاحة، ورغم أن الدفاع المدني يغطي الكثير من المناطق، لكن نقص المعدات وندرة الوقود يحدان من فاعليته. آليات رصد الضحايا والمفقودين تعتمد على توثيق الدفاع المدني بالدرجة الأولى، إضافة إلى الإحصائيات المحلية، فكل قرية أو مجلس محلي تصدر قوائم بأسماء الضحايا، ونقوم بأرشفة هذه الإحصائيات وفق اللوائح الإسمية حسب المناطق الجغرافية".
ليس الأمر أفضل حالاً في مناطق سيطرة النظام السوري، إذ أصاب الزلزال محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، واحتاجت السلطات المحلية إلى ساعات طويلة لتبدأ أعمال الإغاثة وإحصاء الضحايا، كما تعثرت المشافي وطواقم الإسعاف التي لم تجد آلية فاعلة لنقل الضحايا والمصابين.
وما بين هلع الأهالي والنزوح الجماعي إلى أماكن آمنة خشية انهيار الأبنية، ثم وقوع الزلزال الكبير الثاني، أهملت أعمال إغاثة العالقين لساعات طويلة، إذ إنها كانت تحتاج إلى معدات، إضافة إلى معرفة أسماء القاطنين في المباني المنهارة.
في مدينتي حماة وطرطوس الأقل تضرراً، انتهت عمليات الإنقاذ في اليوم الثاني لوقوع الزلزال، وجرى توثيق أعداد الضحايا ونقل المصابين إلى المشفى، وتسلم الأهالي جثامين الضحايا لدفنهم، ولم يسجَّل مفقودون.
أما في اللاذقية، فأعلن مدير الدفاع المدني، جلال داود، أن فرق الإنقاذ وصلت إلى جميع الأبنية المنهارة، واستطاعت انتشال 34 جثة، و3 أشخاص أحياء، والعمل مستمر لانتشال ما تبقى من جثث، في حين أكدت مواقع إخبارية محلية أن فرق الإنقاذ أنهت أعمال إزالة الأنقاض والبحث عن مفقودين في معظم المناطق المتضررة في المدينة.
أهالي المناطق المتضررة يساعدون في إزالة الأنقاض بجهودهم الشخصية
في أحياء مدينة حلب المتضررة، جرى في اليوم الأول الاعتماد على أعمال الإغاثة الشعبية، قبل تدخل فرق إسعاف الهلال الأحمر السوري. يقول المهندس خالد الناجي لـ"العربي الجديد": "بعد ساعات من حدوث الزلزال، عدنا إلى حي الشيخ مقصود، وباشرنا بإزالة أنقاض أحد الأبنية المنهارة بأيدينا. كنا نسمع أصوات أحياء تحت الركام، والبعض يعرفهم، ويذكر أسماءهم. واصلنا إزالة الأنقاض بأدوات بسيطة، وأخرجنا ثلاثة أحياء، وعدداً من الجثث، قبل وصول معدات الإنقاذ الثقيلة في اليوم الثاني للزلزال".
وكانت مشفيا الجامعي والرازي الحكوميان يستقبلان المصابين والضحايا في حلب، ويوثقان المعلومات، ويسلمان جثث الضحايا تباعاً إلى ذويهم. يقول عمر الجسري، وهو أحد الناجين من الزلزال، لـ"العربي الجديد"، إنه تسلم جثة أحد أقاربه من مشفى حلب الجامعي عن طريق مكتب دفن الموتى بعد إنهاء إجراءات البيانات والتسليم، وقام المكتب بتجهيز النقل والمدفن من دون مقابل. أما مجهولي الهوية من الضحايا فما زالوا في المشافي لحين التعرف عليهم".
يضيف الجسري أن الجميع يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في البحث عن المفقودين، ومعرفة الوفيات، إذ غالباً ما تنشر عبرها صورهم، مشيراً إلى أنه "لا يمكن الوصول إلى إحصاء دقيق للمفقودين قبل إحصاء أعداد العائلات اللاجئة إلى الأماكن الآمنة".
وأعلنت حكومة النظام السوري "حصر توزيع المساعدات المقدمة للمناطق المنكوبة من جراء الزلزال في جهة واحدة، وتوزيعها وفق احتياجات كل منها، ومتابعة رصد وإحصاء أعداد الضحايا والمتضررين، والإسراع في عمليات الكشف الفني على البنية التحتية والأبنية والمدارس، إضافة إلى تكليف كل وزارة بحصر الأضرار ضمن قطاعها في سياق التخطيط للتعامل مع هذه الأضرار وفق الأولويات والإمكانات المتاحة".