في وقت واصلت فرق الإنقاذ المغربية والأجنبية لليوم السادس على التوالي، البحث عن ناجين على الرغم من تضاؤل الآمال وانتشال جثامين ضحايا، تركّز السلطات على توفير الرعاية الصحية للناجين في المناطق المتضررة من أعنف زلزال تعرفه البلاد منذ أكثر من قرن.
وتعتزم السلطات إنشاء المزيد من المستشفيات العسكرية الميدانية في العديد من المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب عدداً من الأقاليم (الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات وغيرها). وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن القوات المسلحة الملكية تعمل على إنشاء مستشفيات ميدانية في مناطق نيعقوب وأسني ومولاي إبراهيم وويركان بإقليم الحوز، بهدف رعاية المصابين من جراء الزلزال الذي هز عدداً من أقاليم المملكة يوم الجمعة الماضي.
وتُشرف على هذه المستشفيات الميدانية طواقم مغربية متخصصة، بمساعدة طواقم أجنبية وصلت إلى البلاد في إطار الدعم الذي تقدمه أربع دول هي قطر والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا وبريطانيا.
وكان الجيش المغربي قد سارع، منذ وقوع الزلزال المدمر ليل 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلى إنشاء مستشفى ميداني في قرية أسني بإقليم الحوز المنكوب جنوب مراكش، لتقديم الرعاية الصحية للمصابين من جراء الزلزال، سواء لأهالي الإقليم والقرى المجاورة. ويضم المستشفى الميداني في منطقة أسني 24 طبيباً متخصصاً يسهرون على تقديم الإسعافات الطبية والجراحية. ومن بين التخصصات المتوفرة، طبيب طوارئ، وطبيب متخصص في جراحة العظام والمفاصل، وآخر متخصص في جراحة الأنف والأذن والحنجرة، بالإضافة إلى غرفة عمليات للقيام بالعمليات الجراحية للسكان المنكوبين من جراء الزلزال. كما يقدّم مواكبة نفسية يشرف عليها طبيب نفسي و50 مساعدة اجتماعية، وخصوصاً للأطفال الذين يعيشون تحت هول الصدمة والنساء الحوامل.
في المقابل، توجه الحالات الحرجة إلى المستشفى العسكري ابن سينا بمراكش ومستشفى تحناوت والمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، بالتعاون مع وزارة الداخلية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمديرية العامة للوقاية المدنية.
ومع تقدم عمليات البحث والإنقاذ، أقيم مستشفى ميداني عسكري ثانٍ في منطقة تالكجونت التابعة لإقليم تارودانت، لتقديم الإسعافات والعلاجات للمصابين بدرجات مختلفة، وهو أول مستشفى يقام لاستقبال المصابين من بين مستشفيات ميدانية أخرى من قبل القوات المسلحة الملكية لعلاج الجرحى في المناطق البعيدة، على غرار قرية أسني في إقليم الحوز.
يقول الأستاذ في كلية الطب والصيدلة بالرباط، خالد فتحي، إنه في مناطق الكوارث الطبيعية "تبرز الحاجة إلى مستشفيات ميدانية، إذ تلعب دوراً كبيراً في مراحل الاستجابة الأولى". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه "يتم اللجوء إلى المستشفيات الميدانية لمواجهة وضع استثنائي، وخصوصاً أنه يتم إنشاؤها على مقربة من أماكن الكوارث والمتضررين، ما يساهم في توفير الوقت الذي يعد عاملاً مهماً لإنقاذ ما أمكن من الجرحى". ويشير إلى أن اضطلاع القوات المسلحة الملكية بمهمة إقامة وتسيير تلك المستشفيات في المغرب، يرجع إلى ما تملكه من إمكانيات وتراكم الخبرات والتجارب لإنجاز مهمة علاج المصابين قرب أماكن وقوع الكوارث.
ويلفت إلى أن المستشفيات المتنقلة التي تسهر عليها القوات المسلحة الملكية تضم جميع التخصصات المطلوبة لإسعاف وعلاج المتضررين من آثار الزلزال المدمر، كما تعمل طواقمها على تقديم استشاراتها الطبية والعلاجات الاستشفائية والجراحية لفائدة السكان المتضررين من الزلزال.
من جهته، يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، علي لطفي، إن المستشفيات الميدانية هي بمثابة وسائل لوجستية طبية تُعتمد عادة في حال وقوع الكوارث الطبيعية (فيضانات، حرائق، زلازل) لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين بسرعة. ويشير إلى أن المستشفيات الميدانية التي أقيمت لمواجهة التداعيات الصحية للزلزال تقدم الرعاية الصحية والإسعافات الضرورية للمصابين، الأمر الذي يساهم في إنقاذ الكثير من الأرواح، وتفادي مضاعفات الجروح والكسور التي يمكن أن تؤدي أحياناً إلى تداعيات أكثر تعقيداً.
ويوضح أن المغرب يملك تجرية متقدمة أفريقياً وعربياً على مستوى المستشفيات الميدانية وخصوصاً بالنسبة للطب العسكري، وقد استطاع خلال السنوات الأخيرة أن يضطلع بدور بارز في هذا المجال الحيوي، رصيده في ذلك صيته وخبرته التي راكمها خلال الإشراف على المستشفيات الميدانية بالمناطق المتضررة من النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، على غرار البلقان، وبرازافيل وكازمانس بأفريقيا، مروراً بالأردن وقطاع غزة، وصولاً إلى الحدود التونسية الليبية ولبنان. وأبان المغرب عن يقظته واستعداده للتدخل في مواقع شتى، لإسعاف وإنقاذ العديد من المواطنين ضحايا الحالات القصوى".
يضيف لـ "العربي الجديد": "حضور المستشفيات الميدانية اليوم مميز، وخصوصاً أن الخدمات الصحية والإسعافات قريبة من أماكن تواجد المصابين، حيث تنقذ أرواح بشرية بالإضافة إلى تفادي المضاعفات الناتجة عن الإصابة بالجروح والكسور التي يمكن أن تؤدي أحياناً إلى تداعيات معقدة".
كاميرا التلفزيون العربي ترصد عمليات تجميع إعانات المواطنين ونقلها للمتضررين من الزلزال#زلزال_المغرب pic.twitter.com/xSrxxGm4iT
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 14, 2023
ويأتي ذلك في وقت كللت الجهود المضنية التي بذلتها مختلف السلطات منذ وقوع زلزال الحوز بفتح الطريق المؤدية إلى إيغيل نتلغمت الأكثر تضرراً من هذه الكارثة الطبيعية التي ضربت المنطقة. ويعد هذا الطريق شرياناً رئيسياً لإيصال مختلف أشكال الدعم للمتضررين، والتي تم تأمينها بواسطة المروحيات التابعة للقوات المسلحة الملكية في ظل تعذر الوصول إلى المنطقة براً.
ومنذ وقوع الزلزال، واجهت فرق الإنقاذ صعوبات في الوصول إلى العديد من المناطق المتضررة من جراء الانهيارات الصخرية في تلك المناطق الجبلية الوعرة، والتي أعاقت بشكل كبير وصول الإمدادات وفرق الإنقاذ والدعم، لا سيما قرية إيغيل نتلغمت مركز الزلزال.
إلى ذلك، ألقت الهزات الارتدادية بظلالها على الناجين من الزلزال الذي ضرب المغرب ليل الجمعة الماضية. ولا يفارق القلق العديد من المغاربة، وخصوصاً في أقاليم مراكش، وورزازات، وشيشاوة، والحوز، وأزيلال، من جراء الهزات الارتدادية التي تتكرر بين الحين والآخر، وكان أحدثها صباح أمس الخميس. وضربت هزة ارتدادية بقوة 4,8 درجات على مقياس ريختر، أمس، مركز الزلزال، وشعر بها سكان مراكش والمناطق المجاورة. وقال مسؤول بالمعهد المغربي للجيوفيزياء (حكومي)، إن "الهزة الارتدادية وقعت في منطقة إيغيل بإقليم الحوز، وهي مركز الزلزال الأول".
وعلى امتداد الأيام الماضية، سُجل العديد من الهزات الارتدادية في مناطق مختلفة، وخصوصاً تلك التي ضربها الزلزال يوم الجمعة الماضي. وشعر مواطنون يوم الأحد الماضي بهزة ارتدادية جديدة وصفت بالخفيفة، وخصوصاً في المناطق الجنوبية الشرقية لمدينة مراكش على غرار منطقة سيدي يوسف بن علي.