زلزال المغرب... جهود لإنقاذ حياة مزيد من العالقين

12 سبتمبر 2023
محاولات فرق الإنقاذ تتواصل لانتشال ناجين (آدم محمد/الأناضول)
+ الخط -

تسابق فرق الإنقاذ والبحث في المغرب الساعات على أمل الوصول إلى العالقين الذين ما زالوا تحت أنقاض عشرات المباني المدمرة في المناطق التي ضربها الزلزال القوي مساء الجمعة الماضي، غير أن مساعيها الحثيثة لإنقاذ المزيد من الأشخاص تصطدم بطبيعة التضاريس الوعرة، وتبعات الزلزال الذي قطع العديد من الطرق، وبنية المنازل نفسها التي وقع فيها الزلزال.
وسرعت فرق الإنقاذ عملياتها بحثاً عن ناجين محتملين تحت الأنقاض التي خلفها الزلزال الذي دمر العديد من القرى في أقاليم الحوز ومراكش وشيشاوة وأزيلال وتارودانت، فيما شارك أفراد ينتمون إلى الفعاليات المدنية والعشرات من النشطاء ومواطنون عاديون في حملات تبرع من أجل توفير المستلزمات الضرورية التي يحتاجها المنكوبون، وإيصالها إليهم.
وقال مسؤول في ولاية جهة مراكش آسفي، طلب عدم ذكر اسمه: "عمل فرق الإنقاذ انتقل إلى السرعة القصوى، وهناك عمل جاد للوصول إلى القرى ذات الطبيعة الجبلية الوعرة عن طريق فرق من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "فرق الإنقاذ حاولت التغلب على الصعوبات التي تطرحها الطبيعة الجغرافية لبعض القرى عبر الاستعانة بالطائرات المروحية لتقديم المساعدات العاجلة للمحتاجين. نحن في سباق مع الزمن من أجل بلوغ ما تبقى من القرى المعزولة خلال الساعات القادمة".
وجندت السلطات المغربية فرقاً مختلفة في عملية البحث والإنقاذ التي أطلقتها منذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال، وتعمل عناصر من القوات المسلحة الملكية إلى جانب رجال الوقاية المدنية والسلطات المحلية للوصول إلى العالقين، وانتشال جثث الضحايا الذين وصلت أعدادهم إلى 2497 وفاة، وفق آخر تحديث رسمي.
ولم تؤثر عقبة صعوبة تضاريس المناطق المنكوبة على جهود الإنقاذ الرسمي فقط، بل تعدته إلى إعاقة عمل المتطوعين ومنظمات المجتمع المدني، والتي عبأت كل إمكانياتها لتقديم المواد الغذائية والخيام لسكان المناطق المتضررة.
يقول الناشط المدني، محمد بمنصور، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر برفقة مجموعة من المتطوعين للعودة من طريقهم إلى قرية تيكغت بدائرة مجاط في ضواحي مدينة شيشاوة، بعدما أخبرته قوات الأمن بصعوبة الوصول إلى القرية التي تحولت إلى ركام من جراء الزلزال، مشيراً إلى أنهم اضطروا لتسليم المساعدات التي حملوها إلى إحدى الجمعيات العاملة بالمنطقة، والتي تتولى توزيع ما يصل من معونات موجهة لضحايا الزلزال. 
ولفت إلى أن "السلطات لجأت مع صعوبة الوصول إلى القرية إلى الاستعانة بطائرات من دون طيار لمساعدة الطواقم الميدانية على اكتشاف الجثث، إلى جانب استعمال الطائرات العمودية للقيام بمسح شامل لمختلف الخسائر المادية، وكذا إيصال المساعدات الإنسانية إلى من تبقى من سكان القرى المنكوبة".
وحذرت فرق الإنقاذ التي تبحث وسط الركام من أن البيوت التقليدية المبنية من الطوب اللبن والحجر والخشب المنتشرة في منطقة جبال الأطلس الكبير تقلل من فرص العثور على ناجين. وفي مركز للجيش جنوبي مدينة مراكش التاريخية، قال أحد أفراد الإنقاذ العسكري لـ"رويترز": "من الصعب انتشال أحياء لأن معظم الجدران والأسقف تحولت إلى تراب عندما سقطت، ودفنت من كان بالداخل".
ومع بناء العديد من البيوت من الطوب اللبن والأخشاب، انهارت المباني بسهولة لتتحول إلى أكوام حطام عندما وقع الزلزال من دون إتاحة جيوب هوائية يمكن أن توفرها المباني الخرسانية. وقال خبراء إنه حتى المنازل أو المباني الخرسانية تفتقر في كثير من الأحيان لتصميم مضاد للزلازل في منطقة غير معتادة على مثل هذه الهزات القوية، مما يترك الناجين وعمال الإنقاذ يتنقلون بين أكوام الأنقاض مع عدم وجود أي جدران تقريباً.

دمار هائل خلفه زلزال المغرب (ستيفانو لوريسو/Getty)
دمار هائل خلفه زلزال المغرب (ستيفانو لوريسو/Getty)

وتبنت الحكومة المغربية مشروعاً لإحداث "الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال"، والذي سيفتح لتلقي التبرعات. ويهدف المشروع إلى تغطية نفقات تشمل إعادة بناء المنازل المدمرة، والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة، وأيضاً التكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى من جراء الزلزال، لا سيما ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية.
يقول رئيس جمعية "تمونت أنيدور أسبف النلل"، بإقليم شيشاوة، مصطفى جقرو، إن "عمليات إيصال المساعدات إلى المتضررين والبحث عن الضحايا تحت الأنقاض تأثرت خلال الساعات الماضية في عدد من قرى الإقليم بسبب الطبيعة الجبلية للمنطقة، ووقوع انهيارات صخرية في بعض المناطق، رغم أن السلطات تمكنت من فتح كثير من الطرق المقطوعة". ولفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأولوية حالياً بالنسبة للمتضررين هي تزويدهم بالخيام بالنظر إلى صعوبة عودتهم إلى منازلهم التي تضررت، وأصبح بعضها يشكل خطراً يهدد حياتهم في حال استمرار الهزات الارتدادية، وهم ينتظرون الخيام التي تغنيهم عن المبيت في العراء، وتجنب أطفالهم المشاكل الصحية مع انخفاض درجات الحرارة".
بدوره، كشف مصطفى أجير، من جمعية "تنكارين" للتنمية والتضامن، لـ"العربي الجديد"، أن "المساعدات التي تقدمها الدولة لم تصل إلى دوار أدنسيل بإقليم شيشاوة، ويرجع ذلك إلى طبيعة المنطقة الجبلية حيث تتم عمليات البحث والإنقاذ وتقديم الإعانات".

فقد كثير من المغاربة عائلاتهم (فاضل سنا/فرانس برس)
فقد كثير من المغاربة عائلاتهم (فاضل سنا/فرانس برس)

تقع قرية "تيخيت" فوق الجبل، وقد انهارت بالكامل بسبب الزلزال، ونصبت الوقاية المدنية الخيام، ولكن لا تزال العائلات تبحث عن بريق أمل، في حين اختار بعضها الجلوس تحت الأشجار للهروب من لهيب الشمس تحت وقع الصدمة. في القرية، يجلس إبراهيم أدجار (23 سنة) فوق ركام منزله، وهو لم يستوعب بعد كيف فقد 12 من أفراد أسرته دفعة واحدة. وقال أدجار لـ"الأناضول": "فقدت 12 من عائلتي، لا نملك من الأمر شيئاً، ما علينا إلا الصبر، ونحتسب أمرنا لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون"، وأضاف والحسرة على وجهه: "فقدت أخي الذي قضى مع ابنيه الصغيرين، وجدي وجدتي، وعمي وزوجته وأبناءهما".
وأعلنت وزارة التجهيز والماء، صباح الاثنين، فتح غالبية الطرق في الأقاليم المنكوبة، بواقع طريقين رئيسيين، و4 طرق جهوية، و13 طريقاً إقليمياً. في حين تواصل فرق بحث وإنقاذ من المملكة المتحدة وإسبانيا وقطر والإمارات عملها في مساعدة فرق الإنقاذ المغربية بالمناطق المتضررة.
ووافق المسؤولون المغاربة على المساعدات التي عرضتها أربع دول فقط، في حين قالت فرق إغاثة أجنبية إنها تنتظر الإذن بالانتشار. وتقول وزارة الداخلية المغربية إن المسؤولين يريدون تجنب الافتقار إلى التنسيق الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مشيرة إلى إمكانية "اللجوء لعروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة" إذا اقتضت الحاجة، وترحيب المملكة "بكل المبادرات التضامنية من مختلف دول العالم".
وقال المقدم بوحدة الطوارئ العسكرية الإسبانية، خوان سالدانيا غارسيا، والتي وصلت الأحد إلى مراكش، إن "وجودنا يعتبر واجباً تجاه المغرب، البلد الحليف والصديق"، وأوضح في تصريح لوكالة الأنباء المغربية الرسمية، أن "هذه المساهمة تستجيب لاحتياجات محددة ميدانياً عبّر عنها المغرب مسبقاً، وتجري عبر تنسيق نموذجي مع السلطات المغربية".

وقضى الكثير من الناجين ليلة ثالثة في العراء بعدما تهدمت منازلهم، أو أصبحت غير آمنة بسبب الزلزال. في قرية إمكدال الواقعة على بعد نحو 75 كيلومترا جنوبي مراكش، تجمع النساء والأطفال في وقت مبكر من صباح الاثنين، تحت خيام مؤقتة نصبت على طول الطريق بجوار المباني المتضررة.
ونظراً لأن معظم المناطق التي ضربها الزلزال تقع في أماكن يصعب الوصول إليها، لم يتحدد بعد حجم إجمالي الأضرار الناجمة عنه. ولم تصدر السلطات أي تقديرات لعدد الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين. وبسبب الطرق المسدودة أو التي سقطت عليها الصخور، زادت صعوبة الوصول إلى الأماكن الأكثر تضرراً، وكان الناس ينتشلون ممتلكاتهم من بين أنقاض منازلهم، ويسردون حكايات يائسة، ويحفرون بأيديهم للبحث عن أقاربهم.
ونشر المغرب الجيش في إطار تعامله مع الزلزال، وقال إنه يعزز فرق البحث والإنقاذ، ويوفر مياه الشرب، ويوزع الأغذية والخيام والبطاطين. وقال المتحدث باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إن "كل الجهود تبذل على الأرض".

المساهمون