ريما حسن... الفلسطينية الفرنسية من منشغلة باللاجئين إلى متّهمة

30 ابريل 2024
ريما حسن خلال الوقفة التضامنية معها، باريس، 30 إبريل 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ريما حسن، ناشطة حقوقية ذات أصول فلسطينية، تواجه اتهامات بتمجيد الإرهاب في فرنسا بسبب تغريداتها عن غزة وأحداث 7 أكتوبر 2023، محاولةً الحفاظ على خطاب متوازن لتجنب الصدام مع القوانين الفرنسية.
- تعرضت لتهديدات بالقتل وحملات تشويه إعلامي، لكنها تستمر في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، مستخدمةً مصطلحات القانون الدولي وتجنب الربط بحركات مثل حماس.
- تعتبر من الشخصيات الأكثر تأثيراً في فرنسا، تعمل على تعزيز الوعي حول قضايا اللاجئين والعنصرية، وتسعى لتحقيق تغيير سياسي من خلال الترشح للانتخابات الأوروبية مع حزب فرنسا الأبية.

استمعت الشرطة الفرنسية، صباح اليوم الثلاثاء، إلى أقوال الناشطة الحقوقية ذات الأصول الفلسطينية ريما حسن، بعد اتهامات بـ"تمجيد الإرهاب" وجّهتها لها منظمّات داعمة لإسرائيل في فرنسا على خلفية تغريدات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي استعملت فيها تعبير "الإبادة" بخصوص ما يحدُث في غزة، أو أنها لم تعتبر ما حدث في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "عملية إرهابية"، ووضعت "تصعيد سياسات الاحتلال الإسرائيلي" ضدّ الفلسطينيين من بين أسباب الحرب.

ولطالما حاولت حسن أن تنأى بخطابها عن كل تصيّد وزجّها في مواجهة الترسانة القانونية الفرنسية، لكن ذلك لا يجدي في وقت تنهار فيه التبريرات الصهيونية لحرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل في غزة، وبالتالي تنشط أكثر حملات التضييق على الأصوات الداعمة للحقّ الفلسطيني. ومن بين أدوات التضييق توجيه جهود الشرطة نحو متابعة ما يكتب مناهضو إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي.

أمس، وعلى خلفية هذا الاتهام، حضرت ريما حسن في برنامج على القناة الفرنسية الثانية (حكومية)، وواجهت أسئلة من قبيل "هل تعتبرين ما أقدمت عليه حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الاول 2023 شرعيّاً؟"، وقد طلبت حسن هنا العودة إلى تصريحاتها ومنشوراتها، والتي أكّدت أنها "تخضع إلى مصطلحات القانون الدولي". كما أقحمها محاورها في توضيح موقفها من حراك طلاب الجامعات هذه الأيام بالإشارة إلى دعوات أطلقتها لهم بالتظاهر، وهو ما ردّت عليه بأن دعوتها تتعلق برفع الأصوات للضغط لوقف إبادة يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة. وهنا أيضا استوقفها محاورها بأن مفردة "إبادة" ما تزال موضع جدل، لتشير حسن إلى أنها تعتمد هنا أيضاً توصيفات القانون الدولي بالنظر إلى ما ألحقه جيش الاحتلال من أضرار بشرية ومادية موثقة في قطاع غزّة.

ليس التضييق على حسن جديدا، فقد تعرّضت لعدة حملات إعلامية بسبب مواقفها. كما أن حضورها في وسائل إعلام مستقلّة، حيث تجد مساحة لتأصيل أفكارها وليس الردّ على اتهامات، كثيراً ما يتسبّب في حملات تشويه، كما وصلت إليها تهديدات بالقتل على هاتفها، وهو ما حدث مباشرة بعد حوار لها صدر في موقع "ميديابارت" (29 أكتوبر 2023).

وبسبب استعمالها شعار "فلسطين من البحر إلى النهر"، وُجهت أيضاً للناشطة اتهامات في مواقع التواصل بأنها تدعو إلى تصفية إسرائيل، لكنها فسّرت ذلك في أكثر من ظهور إعلامي بأن هذا الشعار لا صله له بحركة حماس من جهة ولا بمجريات الحرب الدائرة. وقالت أن جيلها شهد فشل مشروع حل الدولتين، وأنها تدعو إلى نموذج دولة موحّدة تقوم على تساوي الحقوق بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وتقدّم صحف فرنسية ريما حسن بصفة "اللاجئة الفلسطينية" وحدها، وهو وصف غير بريء على دقته، إذ تنحدر حسن من أسرة مهجّرة من فلسطين في سورية التي عاشت أعوامها العشرة الأولى في مخيم النيرب قرب حلب، قبل انتقال أسرتها إلى فرنسا. ويأتي التأكيد على أن ريما لاجئة فلسطينية يأتي لـ"تنبيه القارئ" إلى عدم حيادية أقوالها في كل ما يتعلق بفلسطين.

لا تستطيع حسن رفع التباسات متعلقة بهذا التوصيف إلا في الحوارات المتلفزة، حيث تؤكد أنها تتحدّث من موقع المواطنة الفرنسية أوّلاً (حازت الجنسية الفرنسية عام 2010 في عمر 18 عاما)، ومن موقع حقوقي ثانياً، معتمدة على حسن استعمال المصطلحات القانونية، بحكم تكوينها الأكاديمي حيث ونالت ليسانس الحقوق عام 2014 ومن ثم تابعت دراسة القانون لتتحصّل على الماجستير سنة 2016. ومما يجدر التنويه به أن مذكّرة تخرّجها كانت دراسة مقارنة حول مسألة الميز العنصري بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، وهو ما أتاح لها الاندماج في منظومة المؤسسات الرسمية الفرنسية التي تشتغل على قضايا العنصرية، ومنها تفرّعت مسيرتها نحو قضايا اللاجئين، ومن أبرز محطّات مسيرتها العمل في المحكمة التي تسند حقّ اللجوء بدءاً من 2017، وقد استقالت منها بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزّة. وفي الأثناء كانت قد أسّست منذ 2019، منظمّة غير حكومية باسم "مرصد مخيّمات اللاجئين"، كما أنها كانت وراء إطلاق حملة دعم للاجئين الفلسطينيين في نهاية 2023. 

وضعت هذه المسيرة المهنية، على قصرها، ريما حسن في قائمة مجلة فوربس أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا اليوم. لكن الناشطة الحقوقية كانت سبباً في إلغاء حفل التكريم الذي كان مزمعاً تنظيمه في فبراير/ شباط الماضي، بعد حملة قادتها المنظمّات الصهيونية ضد المجلّة الأميركية لتكريمها شخصية تقف في وجه "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وقد عملت ريما حسن، في بداياتها، في المؤسّسات الرسمية، وإن تعتبر المجتمع المدني أولويتها، غير أن حرب الإبادة في غزّة دفعتها إلى الاقتراب من أكثر الأحزاب الفرنسية دعماً للحقّ الفلسطيني حالياً، حزب فرنسا الأبية، حيث صرّحت في مارس/ آذار الماضي أن "التحرّك السياسي بات أولوية"، وستكون ريما حسن ضمن مرشّحي الحزب في الانتخابات الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويُنظر إلى اتهام ريما حسن بـ"تمجيد الإرهاب"، يُنظر له داخلياً بوصفه تشويشاً على حملة حزبها الانتخابية، لكن هل يمكن حقّاً اختزاله في هذا البعد؟ ذلك أن حرب الإبادة في غزّة ليست بعيدة عن فرنسا، بل إنها جزء من يومياتها، وبالتالي فإن الاتهامات الموجهة لحسن، وزميلتها ماتليد بانو (رئيسة كتلة الحزب في البرلمان)، تتعلق بمحاولة استعمال الأجهزة البوليسية والقضائية لقمع الأصوات الداعمة لفلسطين أو الناقدة لحرب "الإبادة" التي تقودها إسرئليل في قطاع غزة. 

يتزامن ذلك مع لحظة مفصلية يعيش فيها الشارع الفرنسي طفرة تظاهرات يغذّيها حراك طلاب الجامعات، خصوصاً في معهد الدراسات السياسية في باريس. هذا الزخم سيلتقي مع تحرّكات حزب فرنسا الأبية في الشارع، فقد أعلن عن تنظيم وقفة مساندة شعارها "ضد تجريم دعاة السلام".

يقع اتهام ريما حسن بـ"تمجيد الإرهاب" في نقطة التصادم بين فضاءين في فرنسا: شارع وجامعات وأصوات ترتفع ضد ما تقترفه إسرائيل في غزّة، ومنظمّات تتحرّك للدفع نحو مزيد من التواطؤ والصمت على جرائم إسرائيل. وبينهما الدولة الفرنسية حَكماً بقوانين معظمها ينتصر لدولة الاحتلال (اللاسامية، تصنيفها للمنظمّات الإرهابية...)، لكن الناشطة الحقوقية ذات الأصول الفلسطينية قد أكّدت في أكثر من مناسبة أن هناك فسحة أمل لمواصلة تعرية الغطرسة الصهيونية، وأن هناك مساحات كثيرة لإعلاء صوت الحقّ الفلسطيني بهدوء.

المساهمون