على الرغم من مرور أكثر من عامَين على جائحة كورونا التي أرّقت العالم، فإنّ الوضع الوبائي في روسيا ما زال يبدو حرجاً، ولا سيّما بعد الارتفاع الأخير في عدد الإصابات بكوفيد-19 التي سجّلت على مدى أيام أرقاماً قياسية لتتخطّى 120 ألف إصابة جديدة في يوم واحد للمرّة الأولى منذ تفشّي الوباء في البلاد. ومن اللافت أنّ تسجيل هذه الأرقام القياسية في الإصابات يتزامن مع ارتفاع المناعة الجماعية في البلاد إلى 64.4 في المائة، بعد تلقّي نحو 80 مليون شخص جرعتَين من اللقاحات المضادة لكوفيد-19، وفق الأرقام المنشورة على موقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي الروسي.
ويبدو أنّ هذه الأرقام المرتفعة لم تشكّل مفاجأة للسلطات الصحية الروسية التي كانت قد توقّعت معدّلات انتشار مماثلة لفيروس كورونا الجديد، في ظلّ تمدّد متحوّر أوميكرون سريع الانتشار، وهو أحدث متحوّرات الفيروس. ويأتي ذلك في ظلّ تشكيك في الأوساط الطبية الروسية في فاعلية حملة التحصين وغيرها من إجراءات مكافحة كورونا. وفي هذا الإطار، يرى رئيس منظمة "تحالف حماية الأطباء" سيميون غالبيرين، أنّ "الزيادة الأخيرة في عدد الإصابات تظهر عدم فاعلية إجراءات مكافحة الفيروس كلها، بما فيها التحصين"، داعياً إلى "العمل على استعادة منظومة الرعاية الصحية الروسية التي تعرّضت في السنوات الأخيرة لمجموعة من الإصلاحات".
ويقول غالبيرين في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "من خصائص متحوّر أوميكرون الانتشار بوتيرة أسرع من متحوّر دلتا وغيره، لكنّ الإصابة به تأتي أخفّ كذلك"، مضيفاً أنّه "بحسب ما اتّضح أخيراً، فإنّ إجراءات مكافحة كورونا من قبيل إلزامية الكمامات أو التحصين لا تأتي بالنتائج المرجوّة، وبات الوضع يشبه أوبئة (مثل الإنفلونزا) لا تنتهي إلا بعد تعرّض أغلبية السكان للإصابة".
ولا يستبعد غالبيرين أنّ "جائحة كورونا كانت ستنتهي ربّما في حال عدم مواجهتها من الأساس"، لافتاً إلى أنّ "ضعف مفعول الأدوية واللقاحات على الفيروس قد يؤدّي إلى ظهور متحوّرات منه. وحتى الآن، لم نحصل على إثباتات علمية لفاعلية التحصين، وليس من باب الصدفة عدم نشر نتائج الاختبارات السريرية حتى الآن وعدم تقديم تقارير عن نتائج مكافحة الجائحة للرأي العام".
وتظهر بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" قفزة كبيرة في عدد الوفيات بين المصابين بكوفيد-19 في عام 2021 بواقع 517 ألف وفاة، بزيادة أكبر بثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020، وسط تراجع إجمالي عدد سكان البلاد من 146.2 إلى 145.5 مليون نسمة. لكنّ غالبيرين يشكّك في دقّة هذه التقديرات، قائلاً: "أُعلن رسمياً أنّ ثمّة مرضاً واحداً فقط، وعُطِّلَت الخدمات والعمليات الصحية الدورية، الأمر الذي زاد من عدد الوفيات بشكل عام". ويشدّد غالبيرين على ضرورة أن تخرج السلطات الروسية من أزمة كورونا بمجموعة من الدروس، منها "وجوب استعادة منظومة الرعاية الصحية بعد عقود من هدمها من طريق إجراء الإصلاحات وترشيد النفقات، والاستعانة بخبراء في الطبّ لا الموظفين الحكوميين في غرف عمليات مكافحة الأوبئة".
من جهتها، لفتت صحيفة "فيدوموستي" الروسية إلى أنّ الإجراءات الاعتيادية لمنع تمدّد فيروس كورونا الجديد لم تعد فعّالة، مستشهدة في ذلك بدعوة منظمة الصحة العالمية إلى تخفيف أو إلغاء القيود المتعلقة بالسفر بين الدول، وإعلان بريطانيا إلغاء إلزامية إجراءات تقديم شهادات التحصين والتزام الكمامات في الأماكن العامة وفي وسائل النقل العام ابتداءً من 27 يناير/ كانون الثاني الجاري، وإلغاء نظام الإغلاق المفروض على غير المحصّنين في النمسا. وفي مقال بعنوان "على ماذا يعتمد النجاح في مواجهة أوميكرون؟"، ذكرت الصحيفة مجموعة من الإجراءات عدّتها "ضرورية"، في ظلّ تزايد عدد الإصابات، بما فيها ضمان التمويل غير المنقطع لمنظومة الرعاية الصحية لتجنّب تعطّل الخدمات الطبية الدورية، وزيادة نطاق شمول التحصين فئات السكان الأكثر عرضة لمضاعفات كوفيد-19 من أمثال المسنّين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، والارتقاء بفاعلية الأساليب غير المرتبطة بالتحصين لمراقبة انتقال العدوى.
تجدر الإشارة إلى أنّ رئيسة الهيئة الفيدرالية الروسية لحماية المستهلك "روس بوتريب نادزور" آنا بوبوفا، قد حذّرت في 11 يناير الجاري من أنّ السيناريو غير المواتي لوضع الفيروس في روسيا لا يستبعد احتمال ارتفاع عدد الإصابات إلى أكثر من 100 ألف حالة جديدة يومياً. وهذا ما شهدناه أخيراً بالفعل.
وعلى الرغم من ذلك، لم يرَ الكرملين مسوّغات لإعادة فرض نظام الإغلاق الكلي في البلاد مثلما حدث في ربيع عام 2020، واعتبر المتحدّث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، أنّه يجب الاسترشاد بعدد الحالات في المستشفيات على خلفية انتشار متحوّر أوميكرون قبل الأرقام القياسية لأعداد المصابين في حدّ ذاتها.