تُواجه الحكومة العراقية انتقادات شديدة بسبب استمرار اعتمادها الروتين التقليدي الورقي في إنجاز المعاملات، بدل التحول الرقمي الإلكتروني، وهو ما يكلّف العراقيين هدراً كبيرا للوقت والمال، وسط مطالبات بإنهاء هذا الروتين "القاتل".
ومازالت أغلب الوزارات العراقية ومؤسسات الدولة تعتمد على حلقات العمل المتعددة في إنجاز المعاملات، ما يفرض على المواطن تنقلات بين دوائر المؤسسة الواحدة (أغلبها بمناطق متفرقة)، لإنجاز معاملته، الشيء الذي جعل من المعاملات "كابوساً" يقض مضجع العراقيين.
وفي أحدث تجربة في هذا الإطار، والمتعلقة بتعيين حملة الشهادات العليا والأوائل على وزارات الدولة، والذين تم تعيينهم إلكترونياً في مجلس الخدمة الاتحادي، فرضت الوزارات المعنية على المعينين وهم بالآلاف التزام العمل الروتيني بإنجاز معاملاتهم مجدداً. وقد أجبرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أكثر من 8 آلاف و300 معين جديد لديها على إنجاز المعاملة بوقت واحد وفي مقر الوزارة حصرا، مع التنقل إلى دوائر الوزارة، وإجراء الفحص الطبي حصرا في مركزين طبيين ببغداد.
ومنذ يوم الأحد، وحتى اليوم، أجبر آلاف المعينين الجدد على السفر إلى بغداد من عموم محافظات البلاد، وتجمعوا عند بوابة الوزارة التي لم يستطع أحد دخولها بسبب كثرة الأعداد وعدم التنظيم، وهو ما تسبب بتسجيل حالات إغماء لعدد منهم خاصة بين الفتيات، وأجبر الوزارة على اتخاذ قرار لاحق بتوزيع العدد على أربعة مواقع تابعة لها لإنجاز المعاملات.
المواطن أبو هبة، وهو من أهالي الموصل، أجبر على ترك عمله للذهاب إلى بغداد رفقة ابنته لإنجاز معاملتها، يقول لـ"العربي الجديد"، "منذ الأحد حتى اليوم أنا في بغداد محاولا إنجاز معاملة التعيين ولم أستطع. كل يوم نصل إلى الدائرة فجرا ونجد الآلاف يتجمعون عند الأبواب، أنجزنا جزءا من المعاملة لكن يجب أن نكمل حلقات أخرى بدوائر أخرى، وهو ما يتطلب مزيداً من الوقت والجهد والكلفة المالية".
وشدد على أنه "لا يمكن لحكومة أن تعمل وزاراتها بهذه الطريقة الفوضوية، إذ لا يمكن استيعاب كل هذه الأعداد الكبيرة بدوائر محدودة، ومن ثم تجبر على إجراء الفحص الطبي بمركزين طبيين فقط"، منتقدا "التعامل الورقي الروتيني، في وقت كان من الممكن جدا أن تنجز المعاملات إلكترونيا، وأن تجرى المقابلات في الجامعات التي يتم التعيين فيها، وأن يتم إجراء الفحص الطبي بالمراكز الصحية كل بمحافظته".
أحمد المياحي، وهو أحد المعينين الجدد، أكد أن المعاملة كلفته حتى الآن أكثر من 300 ألف دينار ولم تنجز (أكثر من 200 دولار)، موضحا لـ"العربي الجديد": "قدمت من البصرة (أقصى جنوب العراق) إلى بغداد، ولم أستطع حتى اليوم إنجاز المعاملة، بسبب الروتين والتنقل بين الدوائر".
وأضاف: "أجبرت على استئجار غرفة بفندق، كما أن كلف التنقل بين الدوائر، والمبلغ الذي تحصل عليه مراكز الفحص الطبي، والاستنساخات والطباعة كلفتني مبالغ مالية كبيرة"، مؤكدا: "كان من الممكن أن نستغني عن ذلك لو اعتمدت الوزارة على ترويج معاملاتنا إلكترونيا، أو إنجازها في محافظاتنا".
وتسببت الفوضى والأعداد الكبيرة، بتسجيل حالات فساد واستغلال، من قبل بعض السماسرة لدى دوائر الدولة، ممن يحصلون على مبالغ مالية مقابل تسهيل إنجاز المعاملات، وهو ما انتقده إعلاميون وممثلون للمعينين الجدد، الذين حملوا الحكومة، مسؤولية ذلك، وطالبوا على صفحات التواصل الاجتماعي، بمحاسبة الفاسدين.
ودعا الإعلامي العراقي سجاد الموسوي، لجان التفتيش والرقابة إلى مكافحة الفساد ومتابعة مراكز الفحص الطبي، وحالات "الإذلال والفساد والفوضى".
كما انتقدت ممثلة حملة الشهادات العليا، رواء الجاف، إجبار المعينين على دفع رشاوى لإجراء الفحص الطبي، منتقدة "حالات الابتزاز".
يشار إلى أن الحكومة العراقية كانت قد وعدت مرارا بالتخلص من روتين المعاملات وحلقاته الزائدة، واعتماد إجرائها إلكترونيا، إلا أن تلك الوعود لم تحقق.
ويؤكد مسؤول في مجلس الوزراء، اشترط عدم ذكر اسمه، أن الحكومة مازالت تعمل على إنجاز التحول الرقمي في دوائر الدولة، إلا أنه يستغرق وقتاً، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "بعض المعاملات لا يمكن أن تنجز إلكترونياً لاسيما التي نحتاج فيها إلى فحص طبي ومقابلات مباشرة، لكن الوزارات مسؤولة عن تنظيم ذلك وتوفير أماكن لإجرائها تتناسب مع الأعداد، وأن توزع على المحافظات".
ويوضح، أن "هناك سوء تنظيم لدى الوزارات بإجراء المعاملات. نسعى للتخلص من ذلك، ونعمل على برامج ستحقق نقلة نوعية بالتحول إلى المعاملات الإلكترونية".