تواجه الصين نقصاً حاداً في العاملين بمجال الرعاية الصحية والاجتماعية يتزامن مع مع سرعة تقدم ملايين السكان في السن، ووفقاً للمعايير الوطنية، يجب أن يكون هناك عامل واحد لكل أربعة مقيمين داخل مرافق رعاية المسنين، ولكن الأرقام القائمة حالياً لا تتجاوز 320 ألف عامل يخدمون نحو 8.1 ملايين مقيم في دور الرعاية في أنحاء البلاد، ما يمثل عجزاً يزيد عن 1.7 مليون.
ويتوقع خبراء أن يرتفع عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في الصين من 280 مليوناً في عام 2022 إلى 402 مليون بحلول عام 2040، في وقت يواجه فيه نظام الرعاية الاجتماعية مشاكل عدة، ومن المرجح أن تزداد الأمور سوءاً ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة.
في عام 2021، نشرت لجنة الصحة الوطنية خطة هي الأولى من نوعها لتطوير رعاية ذكية للمسنين، تهدف إلى تنمية صناعة الروبوتات المخصصة لخدمة كبار السن. في أعقاب ذلك، وصلت إلى العديد من عمالقة التكنولوجيا في البلاد مذكرة حكومية تحث على الإسراع في تنفيذ خطة الدولة لتطوير أنواع جديدة من روبوتات رعاية كبار السن، وحملت الخطة شعار "دع الروبوت يذهب إلى كل منزل لخدمة المسنين"، وتأمل السلطات في أن يتمكن جيش من الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من سد الفجوة الكبيرة بين عدد المسنين في البلاد وأعداد مقدمي خدمات الرعاية.
يقول ليانغ جو، وهو صاحب مركز خاص لرعاية المسنين في مدينة شنزن جنوبي البلاد، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن مركزه يضم 42 مسناً يعاني أكثر من نصفهم من الخرف، وقد تجاوزوا جميعاً السبعين عاماً. يضيف أن لديه رغبة كبيرة في توظيف الأجهزة الذكية لتقديم خدمات الرعاية، لكن ميزانية المركز لا تسمح بذلك نظراً لكلفتها الباهظة. ويلفت إلى أن الأجهزة التي يستخدمها تقتصر على الأساور والساعات الذكية التي توفر عدداً من الوظائف المفيدة، مثل تذكير المستخدمين بتناول أدويتهم في الوقت المحدد وتتبع مواقعهم. يضيف أن "إحدى الشركات عرضت علينا روبوتات ذكية وظيفتها توزيع وجبات الطعام على النزلاء، لكننا لم نتمكن من شرائها بسبب كلفتها العالية، إذ يصل سعر الروبوت الواحد إلى نحو 70 ألف يوان (حوالي 10 آلاف دولار)". كما يلفت إلى وجود روبوتات خاصة بالتطهير وتقديم خدمات الاستحمام للمسنين، قائلاً إنه يأمل في الحصول عليها في موسم التخفيضات السنوية لأنها ضرورية وعليها طلب كبير. يتابع أنه بسبب قلة العاملين في مجال الرعاية، فإن الشباب يشمئزون من فكرة التطهير وحمل فضلات كبار السن، ويعتقدون أن ذلك يمس كرامتهم. لذلك، فإن استخدام الأجهزة الذكية للقيام بهذه المهمة تخفف الضغط عنهم، وقد تجذب المزيد منهم للعمل في مراكز الرعاية. بالتالي، من المهم وجود مثل هذه الروبوتات في كل مركز".
ويرى ليانغ جو أن استثمار الأموال في الخدمات الذكية من شأنه أن يرفع التكلفة التي يتحملها النزيل في النهاية، وهو غير قادر على ذلك. يضيف: "ليس لدينا سوى 42 نزيلاً، في حين أن لدى المركز طاقة استيعابية تصل إلى مائة نزيل".
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي شياو خي لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة تدرك تداعيات أزمة الرعاية الصحية بالنسبة لكبار السن. لذلك، صبت جهودها خلال العامين الماضيين على إطلاق خطط استراتيجية تتمحور حول تطوير رعاية صحية ذكية بالتعاون مع كبرى شركات الذكاء الاصطناعي في البلاد.
ويلفت إلى أن قادة ومسؤولي الحزب الشيوعي دعوا خلال اجتماعات البرلمان السنوية في شهر مارس/ آذار الماضي إلى تسريع الجهود لتنمية هذه الصناعة. لكنه يعتقد أن ذلك غير كاف لسد الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب. يضيف أن العبء الأكبر يقع على عاتق القطاع الخاص الذي يخضع لاعتبارات الربح، ما يجعل تكلفة الخدمات باهظة وليست في متناول الجميع، كما أن الاستثمار في مجال الروبوتات الذكية يضاعف الكلفة، في حين أن عدد دور الرعاية التي تديرها الدولة محدود، وهناك شروط صعبة لاستقبال النزلاء، كما أن خدمات الرعاية الذكية فيها تقتصر على روبوتات ترفيهية غالباً ما تقدم أداءً للنزلاء، مثل الرقص وغناء الأغاني الثورية من عصر الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، وتشغيل الأفلام لهم، ومساعدتهم على الاتصال بأبنائهم، في حين أن المسنين في حاجة ماسة، بحسب قوله، إلى خدمات أخرى أساسية مثل المساعدة على النهوض والاستحمام وتقديم الدواء ووجبات الطعام.
ويتابع أنه غالباً ما تكافح دور الرعاية الخاصة لجني الأرباح، كما أن معظمها بحاجة إلى معدلات إشغال تصل إلى نحو 95 في المائة حتى تستطيع كسب المال. لذلك، ليس بإمكانهم الاستثمار في مجال الرعاية الذكية من دون إعانات من الدولة.
ويقول إنه على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة، لا تزال الصناعة تكافح من أجل التوسع، ولا تزال أسعار الروبوتات مرتفعة جداً، كما أن السلطات المحلية لا تقدم التمويل الكافي لطرح الروبوتات في دور رعاية المسنين على نطاق واسع.
وبحسب وزارة الشؤون المدنية الصينية، فإن البلاد تحتضن أكثر من مئتي ألف دار للمسنين، توفر ثلاثين سريراً لكل ألف مريض من كبار السن، علماً أن السلطات تتطلع إلى بلوغ طاقة استيعاب تتجاوز أربعين سريراً لكلّ ألف مريض بحلول عام 2025. وكانت الحكومة المركزية قد كشفت في وقت سابق عن خطط لإلزام الشباب بتوفير رعاية أسرية تحت ضغط فرض عقوبات تأديبية على المتخلفين. كما أعلنت أنها ستعمل على توسيع قطاع رعاية المسنين بالاعتماد على رأس المال الخاص بما يخدم خططها الاستراتيجية في هذا المجال.