رمضان لبنان... روح الناس انطفأت

19 مارس 2024
الشغل الشاغل للعائلات هو تأمين الإفطار (بلال جاويش/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأزمة الاقتصادية والتوترات الأمنية في لبنان تؤثر سلبًا على احتفالات رمضان، مع تراجع ملحوظ في الزينة والتحضيرات، ويواجه الكثيرون صيامًا قسريًا بسبب الفقر.
- اللبنانيون يعيدون تركيزهم خلال رمضان على العبادة بدلاً من الاحتفالات الكبيرة، مع مواجهة صعوبات في تأمين الإفطار والسفرة الرمضانية، والبحث عن عمل إضافي لتوفير الاحتياجات الأساسية.
- رغم الصعوبات، يحتفظ اللبنانيون بالأمل ويدعون إلى التكافل، معتمدين على الزراعة وإعداد الطعام في المنازل، وتقديم المساعدات من المؤسسات الخيرية للفقراء والمحتاجين.

تغيب بهجة شهر رمضان المبارك عن نفوس معظم اللبنانيين المتألمين معيشياً وأمنياً. وقد تتجلى بعض مظاهر الشهر الفضيل في زينة خجولة بمناطق وشوارع، في حين تكاد تنعدم التحضيرات وأجواء الفرح مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي وضعت شريحة كبيرة من المجتمع في حالة صيام قسري، وأيضاً مع تنامي قلق اللبنانيين في الأشهر الأخيرة من حرب مرتقبة تطيح ما تبقى من الحدّ الأدنى المتوفر لمقومات الحياة، مع اشتداد حدّة التوترات في الجنوب منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة. ولا يشغل بال اللبنانيين حالياً سوى الدعاء بحصول فرج قريب، وبأن يبقى لبنان بعيداً عن شبح الحرب المدمّرة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

يقول علي البراج من منطقة إقليم الخروب لـ"العربي الجديد": "لم نعد نحتفل بشهر رمضان كما اعتدنا سابقاً، ولعلّه أصبح مثل باقي أشهر السنة. كنا نستعد لهذا الشهر بنشاط من خلال شراء زينة ومأكولات وأصناف أغذية وحلويات وتجهيزات مختلفة، أما اليوم فصرنا عاجزين عن ذلك بكل معنى الكلمة، ليس فقط بسبب الغلاء المعيشي والأوضاع المادية الصعبة التي تأقلمنا نوعاً ما معها، بل نتيجة تراكمات جعلتنا نعيش في حالة إرهاق نفسي وتعب. لا أفكر على غرار باقي زملائي من موظفي القطاع العام وحتى القطاع الخاص، بالفرح والاحتفال والاجتماع مع العائلة حول مائدة الإفطار، بل بكيفية اللحاق بعملي الثاني خلال فترة بعد الظهر". 
يضيف البراج، وهو أب لطفلين: "يسيئون فهم معاني شهر رمضان ورمزيته الدينية، فهو للعبادة والصوم وليس لإعداد ولائم ليلية".
وتتحدث الشابة مايا سليمان التي تقيم في شمال لبنان، لـ"العربي الجديد"، عن أن "التجهيزات والزينة خجولة في شوارع مدينة طرابلس، وتقتصر على ما تبرعت به شخصيات نافذة ومقتدرة في بعض المناطق، في حين تغيب مظاهر وأجواء رمضان عن مناطق أخرى لا يفكر بها أحد". 
تضيف: "أصبحت غالبية اللبنانيين في مستوى طبقي واحد، والوضع سيئ جداً، والشغل الشاغل للعائلات مع حلول شهر رمضان هو كيفية تأمين الإفطارات والسفرة الرمضانية. ولا ننسى ما تقاسيه العناصر الأمنية والعسكرية من معاناة بسبب الرواتب الزهيدة والظروف المعيشية المتردية التي تجبر أفراد أسرهم على إيجاد عمل يعينهم على الأقل في توفير قوت يومهم واحتياجاتهم الأساسية. ويبقى العمال الذين يتقاضون أجوراً يومية أسرى مبالغ لا تتجاوز 200 دولار شهرياً تكفي بالكاد لتسديد قيمة إيجار منزل ورسوم اشتراك بمولد كهرباء".

زينة رمضانية في بيروت (حسام شبارو/ الأناضول)
زينة رمضانية في بيروت (حسام شبارو/ الأناضول)

وتتحسر سليمان على "الأوضاع السيئة التي باتت تؤثر على حياة الجميع، لا سيما في المناطق الشعبية حيث تزداد المآسي والويلات، في حين باتت المساعدات شحيحة جداً مقارنة بالسابق. والحقيقة أننا نعجز عن وصف وجع الأهالي وصرخاتهم، وربما يشاهد البعض شوارع مدينة طرابلس مضاءة، لكن روح الناس انطفأت، ولا أحد يسمع أو يجيب عن رسائلهم ومناشداتهم. وتأثر هذا الواقع أيضاً بالأوضاع الأمنية الشائكة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي نأمل في أن تهدأ وتمر على خير بما يلطف بحال أهلنا في الجنوب". 
بدوره، يبدي رئيس المنتدى الثقافي للعشائر العربية في لبنان، طلال الضاهر، حزنه العميق لحلول شهر رمضان المبارك وسط ظروف استثنائية غير مألوفة في بلد يعاني من شتى أنواع الأزمات. ويقول لـ"العربي الجديد": "نستقبل رمضان باعتباره شهراً كريماً مليئاً بالخيرات، ونأمل من الميسورين أن يجعلوه مليئاً بالعطاء والتكافل، وأن يصرفوا زكاة أموالهم للمحتاجين، لأن هذا الأمر يجلب محبة الله لهم، كما نناشد أن يرأف التجار بالناس والفقراء ولا يستغلوا احتياجاتهم، وندعو المسؤولين في هذا البلد إلى أن يتّقوا الله في التعامل مع الشعب".
وتجد نجية منصور، وهي أم لخمسة أولاد تعيش في الجنوب، في الأرض خلاصاً وحيداً لها ولعائلتها من براثن الفقر والجوع، وتقول لـ"العربي الجديد": "زرعنا الخضار كي نضمن الحصول على الأصناف الرئيسية في إعداد طعامنا، لا سيما في ظل الحرب الدائرة حولنا. كما نعدّ الخبز المرقوق والكعك والمناقيش، وندبّر أنفسنا بما يعزز قدرتنا على الصبر والتحمل والصمود في قريتنا. لقد تمسك أهلنا بالأرض وتمكنوا من الصمود رغم الحروب والأزمات المتتالية، وتوفير احتياجاتهم الأولية".
ويعلّق رئيس جمعية "حفظ النعمة"، أحمد عبد العال، آماله على المساعدات والتبرعات التي كانت تقدمها هيئات إغاثة ومؤسسات تجارية ورجال أعمال وخيّرون مع بداية شهر رمضان الكريم. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا نعرف هذه السنة حجم المساعدات والعطاء في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان، لذا نأمل في أن يكون رمضان شهر خير وبركة على اللبنانيين".
يتابع: "نتمنى راحة البال والاستقرار كي يستطيع المواطنون أن يؤدوا صيامهم وطقوسهم الدينية تجسيداً لمعاني الشهر الفضيل". 
ويشير إلى أن الجمعية تجهّز كل سنة الصالة والمطبخ المركزي قبل عشرة أيام من حلول رمضان، و"نحن ننتظر هذه السنة يد العطاء والأعمال الإنسانية والخيرية، علماً أننا نقدم منذ 12 عاماً وجبات غذائية لفقراء ومعوزين وأيتام على مدار السنة". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتخبر رئيسة جمعية "وحدة المجتمع"، ندى صوان، "العربي الجديد"، أن الجمعية أمّنت 120 حصة غذائية لتوزيعها خلال شهر رمضان المبارك، وتقول: "نقيم إفطارات أحياناً، ونرسل أيضاً وجبات غذائية إلى المنازل، حيث نساهم في إفطار نحو مائة صائم يومياً. ونتطلّع مع هذه الظروف إلى الصمود ومواصلة الأعمال الخيرية التي باتت حاجة ملحّة في مجتمعنا".
أما الفنّان التشكيلي عيسى حلوم، من مدينة بعلبك البقاعية، فيتحسّر في حديثه لـ"العربي الجديد" على "انعكاس الأحداث الأمنية في الجنوب، إلى جانب الأزمة المعيشية، على الأوضاع في لبنان، ما سيجعل كثيرين يجدون صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتهم خلال شهر رمضان، علماً أنهم يتأثرون أيضاً بتداعيات عدم الاستقرار وحرمان معظم العائلات من التلاقي والشعور بالأمان".

المساهمون