رمضان قطر... "غبقة" و"مسحر" ومأكولات وتقاليد متوارثة
أسامة سعد الدين
- المجتمع القطري يحافظ على تقاليده الرمضانية من خلال صلاة التراويح، مدفع الإفطار، والاحتفال بليلة القرنقعوه، مع تعريف الأجيال الجديدة بالموروث الرمضاني عبر المهرجانات.
- دور المرأة بارز في إدخال روحانيات رمضان للبيت، من خلال تجهيز الطعام والغبقة، التي تعزز الترابط الاجتماعي وتعكس تغير طبيعة المجتمع مع الحفاظ على التقاليد.
يكاد ينفرد رمضان بكونه الشهر الوحيد الذي تصاحبه طقوس وعادات وتقاليد خاصة توارثتها الأجيال، ويواصل الشبان ممارستها على غرار الأجداد، وتتشابه الكثير من تلك الطقوس والتقاليد في بلدان الخليج العربي، وإن ظل لدى كل بلد خصوصيته، وأحدها قطر.
يقول الباحث في التراث الشعبي الخليجي، صالح غريب، لـ "العربي الجديد": "يبدأ أهل قطر استعداداتهم لقدوم رمضان في مستهل شهر شعبان، وكانت ربات البيوت يجتمعن في منزل أحد الوجهاء، أو أحد كبار الأسرة، لدق حبوب (الهريس) وتجهيزها لموائد رمضان، ويستمر هذا الطقس حتى اليوم الرابع عشر من شعبان، وفيه يحتفل المجتمع القطري بليلة (النافلة)، وهي عادة تراثية قديمة تعنى بالعطاء والمشاركة، ومساعدة العائلات على جمع المكونات الأساسية اللازمة لصيام رمضان، وتذكيرهم بالنعم والبركات، وفي احتفال النافلة، توزع المرأة القطرية المأكولات الشعبية وحلوى الزلابية على الأهل والجيران".
ويوضح غريب: "بعض هذه الفعاليات اختفت، سواء طقس دق الحب، أو النافلة بشكلها التقليدي الذي كان سائداً في قطر ودول الخليج قبل التغير الذي طاول مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، وثمة مسميات أخرى لليلة النافلة في دول الخليج، إذ يطلق عليها في المنطقة الشرقية بالسعودية وفي البحرين (الناصفة الشعبانية)، وفي عُمان والإمارات تسمى (حق الليلة)، وهي تماثل احتفالات ليلة النصف من رمضان، والتي تسمى (القرنقعوه)".
يضيف: "من ضمن عادات شهر الصيام، ما يُعرف بـ (نقصة رمضان)، وكانت عبارة عن أطباق من المأكولات للفطور أو السحور يجري تبادلها بين الأخوة والأهل والجيران، وهي تحوي التمر والقهوة العربية وبعض المأكولات والمشروبات المصنوعة منزلياً، وغالبيتها كانت بسيطة ورمزية وفي متناول الجميع، قبل أن تتحول إلى هدايا متنوعة تشمل الأواني المنزلية، والعطور الفاخرة والبخور وغيرها، وبات يمكن أن تصل تكلفتها إلى 10 آلاف ريال (2.74 ألف دولار)".
ويشير غريب إلى أن المجتمع القطري مستمر في إحياء عاداته وتقاليده وقيمه الاجتماعية الرمضانية، ومن ذلك الحرص على أداء صلاة التراويح، والتي يشارك فيها الرجال والنساء والأطفال في المساجد، وكذلك حضور المجالس العائلية والشعبية، وجرى الحفاظ على مدفع الإفطار الذي ينطلق يومياً إيذانا بانتهاء يوم الصوم، ودخول موعد الإفطار، وذلك في أكثر من موقع في العاصمة الدوحة وخارجها، من بينها الحي الثقافي "كتارا"، وسوق واقف، وفي ميناء الدوحة القديم، وفي مدينة الخور (شمال)، وفي مدينة الوكرة (جنوب).
يتابع: "يحرص أهل قطر أيضاً على الاحتفال بليلة القرنقعوه في النصف من رمضان، وهي تقليد خليجي قديم متوارث، ولها تسميات شبيهة في دول الخليج، إذ تُعرف بـ (القرقشون) في المنطقة الشرقية بالسعودية، و(القرقعان) في الكويت، و(المندوس) في سلطنة عمان، وإن اختلفت التسميات، فهذا الموروث متشابه، وما زال أهل الخليج متمسكين به بشكل لافت.
أما (المسحر) فقد كاد يختفي بحكم أنه لم يعد له دور يذكر، على خلاف ما كان في الماضي، حين لم تكن الهواتف منتشرة، وبث التلفزيون غير متواصل طوال اليوم، وبالتالي لم تكن إمكانية معرفة التوقيت لإيقاظ الناس متوفرة، وإن غاب دور المسحر التقليدي، إلا أنه يظهر في المهرجانات والفعاليات الرمضانية، وهو موجود على سبيل المثال في ميناء الدوحة القديم، لتعريف الأجيال بهذا الموروث الرمضاني، كما ينظم ميناء الدوحة القديم خلال رمضان مهرجان (أكل أول)، والذي يعتبر رحلة إلى الماضي، تستعرض أقدم مطاعم قطر".
وحول دور المرأة في طقوس رمضان، تقول الباحثة المتخصصة في الاستدامة، ميرفت إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إنه مع إعلان لجنة تحري الهلال دخول رمضان، تحرص المرأة القطرية على أن تدخل روحانيات الشهر الكريم إلى بيتها،
ويبدأ ذلك بانتقاء لباسها التقليدي بعناية من أجل التجمل به طيلة أيام الشهر، وهي بذلك تغرس في بناتها قيمة التمسك باللباس التقليدي ليظل متوارثاً.
تضيف إبراهيم: "كانتِ المرأة قديماً في قطر تقوم بتنظيف البيت، وإعداد الطعام للأسرة، وطحن حبوب الهريس، وإضافة الليمون الأسمر والبهارات إليها، كما تجهز الثياب الخاصة بالبنات والأولاد من (الدرعات) و(البخانق)، وتتولى الطبخ، وتوزيع الأكلِ على الجيرانِ في (الفريج)، وكل ذلك قبل أذان المغرب بنحو ساعة ونصف الساعة، ويتواصل ذلك طوال أيام شهر الصيام، ومع اقتراب منتصف الشهر، تقوم بصنع الأكياس المتعلقة باحتفال القرنقعوه، كما كانت الحناء من بين الطقوس المهمة، وكانت عادة عبارة عن الهلال أو النجمة أو الخطوط على الأصابع".
تتابع: "تشارك المرأة في إعداد الغبقة، وهي أحد أبرز المظاهر المتوارثة التي يحافظ عليها أهل قطر ضمن موروثهم الشعبي، وهي وليمة تؤكل عند منتصف الليل، وتعتبر فرصة لتعزيز التعارف والترابط الاجتماعي، ويلتزم فيها الجميع باللباس التقليدي، ويحرصون على إبراز كل ما له علاقة بالتراث. وأصل لفظة غبقة في اللغة العربية يعود إلى الغبوق، وهي عادة عربية قديمة تعني تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، وتعدّ خلالها وجبة متوارثة اسمها (لمحمر)، وهي مكونة من الأرز المطبوخ بخلاصة التمر مع سمك الصافي المقلي، وظلت هذه الوجبة متربّعة على مائدة الغبقة حتى ستينيات القرن الماضي، لينضم إليها لاحقاً العديد من الأطباق الأخرى".
وتوضح الباحثة إبراهيم: "تجمع الغبقة الأهل والمعارف على الطعام، وثمة غبقة خاصة بالشباب، وأخرى يحضرها الكبار، كما أن للنساء غبقتهن، وقديما كانت تلك العادة محصورة في الأهل والجيران، لكن مع تغير طبيعة المجتمع أصبحت تتخذ أشكالاً متعددة، فأصبحت تقام في المجالس بحضور الأصدقاء والمعارف، واهتمّت الفنادق والمطاعم بهذا التقليد الرمضاني، وباتت الغبقة موجودة في الخيام الرمضانية، كما وجدت الشركات والهيئات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني فيها فرصة لتعزيز العلاقات بين منتسبيها".