رمضان جوهر شعائر مسلمي روسيا
في غياب إحصاءات رسمية، يقدر مفتي موسكو إلدار علاء الدينوف عدد المسلمين الذين يقيمون في العاصمة الروسية بأكثر من مليونين في ظل تدفق أعداد متزايدة من المهاجرين والمغتربين إلى المدينة التي تعد أهم مركز اقتصادي في روسيا، وفضاء الاتحاد السوفييتي السابق. ويحرص عدد كبير من هؤلاء المسلمين على الحضور إلى موائد إفطار جماعية خلال شهر رمضان.
يقول علاء الدينوف لـ"العربي الجديد": "يدعم الرقم المقدّر بمليونين لعدد المسلمين المقيمين في موسكو، والذين يعملون فيها واقع امتلاء مساجد في العاصمة والشوارع المحيطة بها أثناء أداء صلاة عيدي الفطر والأضحى".
ويعزو تزايد عدد المسلمين في موسكو إلى "تدفق أعداد متزايدة من المغتربين من الجمهوريات السوفييتية السابقة"، ويشير في الوقت نفسه إلى أنه "على مستوى عموم مناطق روسيا، ليس غالبية المسلمين مهاجرين، بل سكان أصليون يساهمون منذ عقود طويلة في تنمية بلدهم وتطويره".
ويلفت علاء الدينوف إلى أن تقدم موعد حلول شهر رمضان نحو الشتاء بحسب التقويم الهجري الذي يعتمده المسلمون يُخفف متاعب الصيام، في حين يبقى الجوهر الرئيسي للصيام هو تطهير الإنسان من الذنوب والامتناع عن المحرمات. وفي هذا الشهر، يسعى المسلم إلى الارتقاء بنفسه وتحسين أخلاقه، مع التركيز على تنفيذ أعمال خيرية وتعزيز الروابط الأسرية".
وفي شأن الفعاليات المقامة لمسلمي موسكو خلال شهر رمضان، يقول علاء الدينوف: "تعتبر الخيمة الرمضانية التي تبلغ مساحتها 800 متر مربع من أبرز مشاريع الإدارة الدينية لمسلمي موسكو، وهي مشروع ثقافي تعليمي يقام سنوياً منذ عام 2006 في حرم المسجد التذكاري بوكلونايا غورا قرب وسط العاصمة، وتستقبل أكثر من 45 ألف زائر خلال شهر رمضان تقدم لهم وجبات إفطار مجانية".
يُعتبر الإسلام الديانة الثانية الأكثر انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويقدّر عدد المسلمين المقيمين فيها بنحو 20 مليوناً، بينهم بضعة ملايين من المهاجرين القادمين من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدمها طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان.
وإلى جانب إقامة موائد الإفطار، يشمل برنامج الخيمة الرمضانية مختلف الفعاليات الثقافية التي تساهم في إطلاع روادها على تاريخ الشعوب المسلمة داخل روسيا وخارجها، وتشارك فيها بعض الدول الإسلامية، مثل الإمارات وتركيا وقطر.
من جهته، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية المستشرق كيريل سيميونوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الصيام في رمضان يشكل مدخلاً إلى الإسلام لمجموعة واسعة من مسلمي روسيا الذين لا يؤدون أي شعائر في الأشهر الأخرى من العام. ويؤكد تنامي الدور الذي يلعبه المسلمون في مختلف جوانب الحياة في روسيا.
ويقول سيميونوف الذي اعتنق هو نفسه الإسلام: "لم تترسخ الديانة الإسلامية حتى الآن في جميع الأقاليم الروسية التي يقطنها مسلمون، نظرا إلى تأثرها بإرث الحقبة السوفييتية، ما يزيد دور شهر رمضان في نهضة الإسلام في البلاد من خلال نشاطات تنظيم موائد إفطار جماعية وغيرها من الفعاليات التي توطّد التواصل بين المسلمين، وتلفت الأنظار إليهم كجزء خاص من الأمة الروسية الكبرى".
ويلفت إلى أهمية دور مسلمي روسيا في تنمية العلاقات مع بلدان العالم الإسلامي، و"اتجاه روسيا شيئاً فشيئاً نحو الجنوب والشرق يزيد دور المسلمين والمناطق ذات الغالبية المسلمة مثل جمهوريتي تتارستان والشيشان اللتين تقودان روسيا إلى تعزيز العلاقات مع بلدان العالمي الإسلامي".
واللافت أن نص الرؤية الروسية للسياسة الخارجية الذي نشره الكرملين في نهاية مارس/ آذار الماضي، يتضمن فصلاً خاصاً يعرض للعلاقات مع العالم الإسلامي التي يصنّف دولها بأنها صديقة، وتوفر لروسيا آفاقاً رحبة في عالم متعدد الأقطاب يتعايش مع وقائع مختلفة. كما يؤكد النص حرص روسيا على تعزيز التعاون مع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وعلى الصعيد الداخلي، يقر سيميونوف بمواجهة مسلمي روسيا بعض الصعوبات، مثل رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا)، في بعض الأقاليم، ومعارضة سكان محليين بناء المساجد، في حين يشير في الوقت نفسه إلى الدور النشط للمسلمين في حياة المقاطعات التي تمتد على نهر فولغا مثل أوليانوفسك وساراتوف وأستراخان وغيرها، رغم أنها ليست ضمن المناطق ذات الأغلبية المسلمة.
ويقطن معظم مسلمي روسيا في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا، إضافة إلى العاصمة موسكو. والغالبية من سُنّة المذهبين الحنفي والشافعي، أما الشيعة فيتواجدون أساساً في داغستان، وينحدر القسم الأكبر منهم من أصول أذربيجانية وطاجيكية.