رمضان الجزائر... وجبات إفطار من "قطّاع طرق"
- تشمل المبادرات إنشاء مطاعم مؤقتة أو توزيع وجبات جاهزة، مع التركيز على السلامة وخفض السرعة لتعزيز الوعي المروري وحماية الجميع.
- رغم النوايا الطيبة، تبقى مخاطر السرعة العالية قائمة، مما يؤدي أحيانًا إلى حوادث مؤسفة كوفاة متطوع من الهلال الأحمر، مما يؤكد على أهمية الحذر والتزام قوانين السير.
قبل أقل من ربع ساعة من موعد الإفطار خلال شهر رمضان، يقف شبان في الجزائر على جوانب طرقات، ويوقفون السيارات، ويدعون السائقين والمسافرين إلى تناول وجبة الإفطار ما دام الوقت الباقي لا يسمح للمسافرين بالوصول إلى الأماكن التي يقصدونها. وفي حال اعتذر السائقون لسبب ما، تُقدم لهم وجبات مجهّزة في كيس. هؤلاء "قطّاع طرق" من نوع خاص.
قبل أكثر من خمس سنوات أغلقت السلطات جزءاً من نفق جبل الوحش على طريق سريع يربط بين مدينتي قسنطينة وعنابة بهدف إعادة تأهيله بعدما انهار جزء منه. وفرض ذلك استخدام طريق جانبي مؤقت يمر قرب مدخل قسنطينة، والذي يشهد حركة كثيفة ما سمح لمحمد بو نجار الذي يملك مطعماً يقع على الطريق المؤقت بربح زبائن كثيرين، ثم حوّل المطعم خلال شهر رمضان إلى تقديم وجبات مجانية للمسافرين وعابري السبيل، خاصة أن مسجداً يقع قرب المطعم. وهو يستعين بمجموعة من المتطوعين يرتدون قمصاناً موحدة يبادرون لدى اقتراب موعد الإفطار إلى دعوة السائقين لتوقيف سياراتهم، وقبول إفطار مجاني.
يقول متطوع يدعى سهيل لـ"العربي الجديد": "نقف عند منعطف يحتم تخفيف السائقين سرعة سياراتهم، ما يساعدنا في توقيفهم، ودعوتهم الى تناول وجبة الإفطار. ونحن نصر على حصولهم على وجبة الإفطار، ونقف بلباقة أحياناً أمام السيارات إلحاحاً منا عليهم على قبول ما نقدمه، والاستجابة تكون دائمة حين توجد عائلات أو مسافرون كثيرون في السيارات أو الحافلات التي تتنقل بين خطوط طويلة".
وعند مدخل بلدية أحمر العين بولاية تيبازة، يعترض شبان من فرع الهلال الأحمر الجزائري مسار سائقين مع اقتراب موعد الإفطار، ويخيّرونهم بين الانتقال إلى مطعم خيري تديره جمعية "شباب احسان" الأهلية وسط البلدة، أو أخذ وجبة إفطار جاهزة، كل بحسب ظروفه. أيضاً أنشأت جمعية "بواسل الخير" الأهلية في بلدة رأس العقبة مطعماً على الطريق العام، ونشرت إشارات وسط الطريق كي يتمهل السائقون في القيادة تمهيداً لدعوتهم إلى الإفطار. وتقدم الجمعية يومياً خلال شهر رمضان بين 60 و100 وجبة للسائقين في المطعم المؤقت، وكميات من الوجبات محمولة لمن يرغبون في ذلك.
وتنفذ مجموعات أخرى تضم متطوعين ينشطون في جمعيات أهلية مبادرات مماثلة عند جوانب طرق في نقاط معينة لا تتوفر فيها الإمكانيات اللوجستية لإنشاء مطاعم للإفطار، وتنصب خيماً صغيرة، وإشارات بخط كبير تعلم السائقين بتوفر وجبات إفطار. ويوقف المتطوعون السيارات لمنح سائقيها وجبات إفطار جاهزة مع تمر وحليب، ما يسمح لهم بمواصلة السير والتوقف لتناول هذه الوجبات في أي مكان بعد إعلان أذان المغرب.
إلى ذلك اعتاد نشطاء في منطقة رأس بوقارون التي تقع على طريق سريع قرب مدينة الحروش بولاية سكيكدة (شرق)، نصب خيمة صغيرة عند مدخل محطة افتتحت قبل فترة قصيرة لتوزيع وجبات إفطار مجانية، وأحدهم أنور، وهو طالب جامعي في الـ 21 من العمر، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "يراعي هذا العمل الخيري ظروف المسافرين وعابري السبيل، وكل شخص ظروفه التي قد تكون فرضت أن يكون خارج البيت في وقت الإفطار، لذا لا نعطل المسافرين وسائقي السيارات عن مقصدهم، ونوفر لهم وجبات إفطار محمولة يمكن أن يتناولوها وقت الإفطار من دون أن يهدروا وقتاً على الطريق".
وأحياناً ترافق عناصر أمنية النشطاء ومتطوعي المنظمات الأهلية، وتستغل الفرصة لتوعية السائقين بضرورة خفض السرعة واحترام قوانين السير والسلامة. وفي بلدة عماري بولاية تيسمسيلت، ينسّق أفراد من فوج الإخلاص في الكشافة الإسلامية الجزائرية مع الدرك الوطني لتوزيع وجبات إفطار للصائمين بشعار "أفطر معنا وسر في أمان" لمطالبتهم بتوخي الحذر أثناء القيادة لتفادي حوادث مرور. وتحذو أفواج أخرى حذوها.
وعموماً تتعدد مظاهر العمل الخيري في مختلف المدن والبلدات الجزائرية خلال شهر رمضان، وتتنوع بحسب ظروف كل منها والأماكن المتوفرة والإمكانيات الخاصة بكل منظمة أو هيئة أهلية تتحيّن فرصة الشهر الفضيل لإظهار التضامن والتكافل وترسيخ قيم أعمال الخير.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا النوع من الأعمال الخيرية لا يخلو من مخاطر بسبب قيادة السائقين آلياتهم بسرعة عالية. ففي رمضان العام الماضي توفي شاب متطوع في الهلال الأحمر الجزائري يدعى عبد المجيد مرواني (20 عاماً) قبل موعد الإفطار في حادث مروري غير مقصود صادفه حين كان موجوداً عند حافة طريق لتقديم وجبات إفطار للصائمين وعابري السبيل في منطقة الشلف (غرب).