رمضان التباهي... شراهة "سلبية" للجزائريين في عادات الشراء
يخصص الجزائريون ميزانيات إضافية لشهر رمضان، نظراً إلى المتطلبات التي تحتاجها العائلات من المواد الغذائية والحلويات والأطباق والمشروبات المتنوعة التي تفرض نفسها على موائد الصائمين. كذلك تسعى نساء وربات عائلات إلى ابتكار ديكورات مختلفة لوجبات الإفطار من أجل إمتاع الصائمين والتعبير عن فرحتهن بهذه اللحظات الروحانية.
تتضاعف نفقات العائلات الجزائرية خلال شهر رمضان بسبب العادات الاستهلاكية المؤقتة الخاصة بالشهر، وتوجه الصائمين إلى استهلاك مضاعف للمواد الغذائية إضافة إلى الغلاء الفاحش للمواد الاستهلاكية واللحوم التي عرفت زيادة في الأسعار في الآونة الأخيرة.
وتفرض خصوصية الشهر الفضيل استخدام ربات البيوت مواد لا يمكن الاستغناء عنها في الأطباق اليومية، مثل اللحوم والتوابل، فالعائلات ذات الدخل البسيط والمتوسط تنفق بين 300 و400 دولار خلال هذا الشهر، مكتفية بالأساسيات فقط، أما نفقات العائلات الميسورة فقد تصل إلى 700 دولار في بعض الأحيان، من خلال احتساب تكاليف السهرات والكماليات.
يقول عبد النور صادلي لـ "العربي الجديد"، وهو موظف في إحدى الإدارات العمومية، وتتألف عائلته من 4 أفراد: "أضطر إلى مضاعفة ميزانية الوجبات التي ترتفع من 200 دولار في الأشهر العادية إلى 400 دولار في شهر رمضان، والسلة الغذائية تتمثل في بضع كيلوغرامات من اللحم الأبيض والخضار ومواد الطبخ والمواد الاستهلاكية مثل الزيت والحليب، وأيضاً القليل من الحلويات التي أجلبها مرات لأطفالي أو لدى دعوة أحد الأقارب لمشاركتنا في مأدبة الإفطار".
أما محفوظ علي مرزوق، وهو تاجر في محافظة تيبازة ووالد لأربعة أطفال، فيقول لـ"العربي الجديد" إن الميزانية التي يخصصها في شهر رمضان لا تقل عن 500 دولار، معترفاً بأنه يغيّر عاداته الاستهلاكية مع أفراد عائلته في شكل كبير "فالجلوس على المائدة وانتظار الأذان يجعلانك تحضّر لهذه اللحظات في شكل جيد. وأنا لا أتحكم بنفسي في ساعات النهار أثناء تجوالي في الأسواق، فأجد نفسي أشتري الكثير من الفواكه والحلويات وأنواعاً متعددة من الخبز واللحوم. ولدى مغادرتي السوق أكون صرفت ما لا يقل عن 50 دولاراً في يوم واحد".
ونظراً إلى التكاليف الباهظة والمتطلبات الإضافية لشهر رمضان تتعاون العائلات بينها في توفير الميزانيات الضرورية، وهو ما يفعله توفيق عليلي الذي يعمل مسؤولاً في قطاع الأشغال العمومية والذي يعترف لـ"العربي الجديد" بأنه يخصص بالتعاون مع أبنائه الموظفين ميزانية تصل إلى 500 دولار لتنويع أطباق موائد الإفطار، وجعلها تتضمن اللحم الأبيض واللحم الأحمر وطبق خضار ونوعين من السلطة إضافة إلى مشروبات وحلويات.
ويعيش الحال نفسها الأستاذ الجامعي محمد حشروف الذي يخصص ميزانية تصل إلى 600 دولار لتلبية احتياجات عائلته المؤلفة من 7 أفراد. ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن أبناءه يحبّون تنويع المشروبات والأطباق، ودعوة أصدقائهم وبعض عابري السبيل والفقراء لتناول وجبة الإفطار، وكسب الثواب والأجر في شهر الصوم.
من جهته، يرى الأمين العام للمنظمة الوطنية لحماية المستهلك حمزة بلعباس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "العادات الاستهلاكية التي يتبعها الجزائريون لها أضرار سلبية على الصحة بسبب انعدام الثقافة الاستهلاكية لدى الصائمين، والتهافت على تناول المأكولات والحلويات دفعة واحدة خلال وجبة الإفطار، وذلك في ظل معدات فارغة، وأجسام صائمة" .
يضيف: "يتعمد التجار مضاعفة الأسعار خلال شهر رمضان، ما يدفع العائلات إلى تحضير ميزانيات إضافية، وهذا ما اعتاد عليه الجزائريون في أسواق رمضان سنوياً"، محذراً في الوقت نفسه من تسويق بعض المنتجات المنتهية الصلاحية، والغش في تغليف المواد الغذائية، ما قد يؤدي إلى كوارث صحية.
ويعلّق الدكتور في علم الاجتماع العائلي عبد الحليم مصطفي بالقول لـ"العربي الجديد": "يميل الجزائريون إلى تحقيق ذاتهم والتباهي بين أفراد عائلاتهم، وتجنب الإحساس بالنقص تجاه باقي العائلات ووسط الجماعات. وقد يرتبط ذلك بمشتريات دخيلة على موائد رمضان التي تتنوع أطباقها، في عادات متوارثة أيضاً منذ سنوات طويلة. كما أن ربات البيوت أصبحن مع الغزو الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي أكثر تقليداً لما يرونه في الحصص والبرامج الخاصة بالأكل والأطباق المتنوعة".
يُضيف: "بات شهر رمضان هاجساً للعائلات الجزائرية بسبب ما تعيشه من ضغط الأسعار المرتفعة، وهو ما يدفعها إلى مضاعفة الميزانيات، علماً أن عدداً منها تهتم بهذه التحضيرات الخاصة بالميزانيات كي لا تفقد مكانتها الاجتماعية، ولا تشعر بنقص".