رفح بلا مستشفيات... الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المرضى والجرحى

29 مايو 2024
جرحى رفح ينقلون إلى المستشفى الأوروبي في خانيونس (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر أدى لدمار شامل بالمنظومة الصحية في غزة، مع خروج مستشفيات رفح عن الخدمة واعتماد الغزيين على الخيام الطبية.
- الهلال الأحمر الفلسطيني اضطر لنقل مستشفى ميداني من رفح إلى خانيونس بسبب الاستهدافات، مما يعكس الضغط الكبير على المؤسسات الصحية.
- الطواقم الطبية تواجه تحديات جمة في تقديم الرعاية بظروف صعبة، مع نقص حاد في الموارد والأدوية، ما يحد من فعالية الاستجابة الطبية في القطاع.

لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن تدمير المنظومة الصحية في قطاع غزة، منذ بدء عدوانه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وباتت رفح بلا مستشفيات ولم يبقَ للغزيين غير الخيام الطبية.

أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إخلاء مستشفى ميداني تابع لها في منطقة مواصي رفح، ونقله إلى منطقة مواصي خانيونس، بسبب الاستهدافات الإسرائيلية المتلاحقة جنوب قطاع غزة. وقالت: "أخلت طواقمنا مستشفى القدس الميداني التابع لنا من منطقة مواصي رفح إلى منطقة مواصي خانيونس، بعد ازدياد حجم تهديدات الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار القصف المدفعي والجوي في محيطه، وإخلاء المنطقة المحيطة به من السكان تماماً".
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة في القطاع، أول من أمس الثلاثاء، خروج 6 مستشفيات في محافظة رفح عن الخدمة، في ظل استمرار وتوسع التوغل الإسرائيلي في المحافظة، واستهدافه المتعمد للعديد من المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية بالمحافظة، باستثناء مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في تل السلطان، والمهدد بالخروج عن الخدمة. وقالت في بيان، إنّ كلاً من مستشفى أبو يوسف النجار، وعيادة أبو الوليد المركزية، ومستشفى رفح الميداني رقم 2، ومستشفى الكويت التخصصي قد خرجت من الخدمة، نتيجة للاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال.
وأكّدت أن الاستهداف المتعمد من قبل الاحتلال للمؤسسات الصحية يتواصل بشكل واسع، حيث جرى قصف المستشفى الميداني الإندونيسي ليل الاثنين الماضي، بالإضافة إلى قصف محيط عيادة تل السلطان، ما أدى إلى خروج كل من المستشفى الميداني الإندونيسي، وعيادة تل السلطان في منطقة رفح، عن الخدمة.
وناشدت جميع المؤسسات الدولية والأممية بضرورة توفير الحماية لكل المستشفيات والطواقم الصحية العاملة وسيارات الإسعاف من بطش وغطرسة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أهمية الاستجابة الفورية لحماية المنشآت الصحية والعاملين فيها لضمان استمرار تقديم الرعاية الصحية اللازمة للفلسطينيين في منطقة رفح وباقي مناطق قطاع غزة.
وأُبقِي على مستشفى الولادة لوجود عدد من الأطفال الخدج في الحضّانات، بالإضافة إلى عدد من المرضى من النساء، وتقديم الخدمة الطبية المستعجلة للنساء اللواتي يتواجدن في المنطقة الغربية لمدينة رفح، واللواتي اقترب موعد ولادتهن.  
لكن صباح أمس الأربعاء، أعلنت وزارة الصحة عن صعوبات بالغة تواجه المرضى والطواقم الصحية في الوصول إلى مستشفى الولادة وتشغيله، في ظل الاستهداف الدائم والمتواصل لمحافظة رفح ومحيطها، علماً أن المستشفى يعمل بطاقة محدودة، وهناك تخوفات من فقدانه في أية لحظة.
وخرج مستشفى أبو يوسف النجار المركزي في مدينة رفح عن الخدمة، علماً أنه كان أول مستشفى يخرج عن الخدمة جراء التوغل الإسرائيلي شرقي المدينة. ثم خرجت عيادة أبو الوليد المركزية، ومستشفى رفح الميداني 2، ومستشفى الكويت التخصصي عن الخدمة، ثم مستشفى الإندونيسي الميداني، والمستشفى الأردني الميداني في وسط مدينة رفح، وعيادة تل السلطان الحكومية الطبية، بالإضافة إلى عيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مدينة رفح. 

آخر الأطباء الذين خرجوا من المستشفى الميداني، التابع للهلال الأحمر، والذي جرى تفكيكه، هو طبيب الطوارئ محمد عودة. يقول عودة لـ"العربي الجديد" إن الوضع الصحي الحالي يؤدي إلى موت عدد من الغزيين الذين هم في حاجة إلى علاج دائم وغير قابل للتأجيل، إذ إن عدداً من أصحاب الأمراض المزمنة، ومنهم جرحى، يعانون من مضاعفات جراء الإصابة والمرض المزمن.
نزح عودة وأسرته إلى منطقة المواصي، ولا يزال ينتظر نصب خيام مخصصة للطواقم الطبية، كما هو متفق عليه، على أن يتولى الطاقم الطبي تقديم خدماته داخل خيام يجري تجهيزها، بالإضافة إلى علاج الحالات الخطيرة على مدار الساعة، مع محاولة تخصيص بعض الخيام لإجراء عمليات جراحية صغيرة ومتوسطة. ويجري بحث إمكانية تخصيص خيام مجهزة بالكامل لعمليات كبرى.
يتابع عودة: "لا يمكن تغطية الحاجة العلاجية لأعداد كبيرة من الجرحى والمرضى في مناطق وجود النازحين داخل خيام أو مستشفيات ميدانية بالجودة نفسها، أو حتى بنصف درجة الجودة، وستكون هناك محاولات لإنقاذ وتقديم الرعاية الممكنة فقط". يضيف: "آمل أن يكون كل شيء على ما يرام، لأن الضغط الذي نعيشه كبير، ولا يوجد أفضل من المستشفيات والمراكز الصحية".
يشعر عودة بالخوف جراء تقديم العلاج داخل الخيام، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وعدم وجود تعقيم كامل داخل الخيام، وانهيار النظام الصحي المتبع في إجراء عمليات جراحية ودخول المرضى وتجهيزهم قبل أي عملية، أو تلقي العلاج وتنظيف الجروح، نظراً لاحتمال حدوث التهابات، بسبب الحرارة والرطوبة. ويضيف: "مدينة رفح كانت الطلقة الأخيرة في اختبار إنسانية العالم حيال المواطن الفلسطيني، لكن العالم فشل في إنقاذنا. وكانت المراكز الصحية والمستشفيات هدفاً أساسياً بهدف الضغط على الغزيين. وهناك توقعات بحدوث وفيات، في ظل استمرار إغلاق المعابر، وعدم خروج المرضى للعلاج في الخارج".

رفح (هاني الشاعر/ الأناضول)
خروج مستشفيات رفح عن الخدمة سيشكل كارثة كبيرة (هاني الشاعر/ الأناضول)

وأوضح الدفاع المدني الذي يتمركز على حدود المدينة في رفح من الجهة الغربية، سعياً للقيام بمهام الطوارئ، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت مستودعاً للأخشاب إلى جوار المستشفى الكويتي بمحافظة رفح، وحاولت الطواقم الطبية الوصول إلى المكان، لكن تقدم الآليات العسكرية والإغلاق الجوي من قبل الطائرات المسيرة منع وصول الطواقم إلى المكان، ما تسبب بعودتهم من دون أن يتمكنوا من إخماد الحريق مساء الثلاثاء.
ويقول الممرض عماد داوود، الذي نزح برفقة أسرته صباح الثلاثاء، إن عدداً من المرضى من أصحاب الإصابات الخطيرة بقوا في المستشفى الكويتي، وكان بعضهم موصولاً على أجهزة التنفس الاصطناعي، وبقي عدد قليل من الطواقم الطبية داخل المستشفى لتقديم الخدمة للموجودين من الجرحى والمرضى. ويضيف لـ"العربي الجديد": "في الآونة الأخيرة، وصلت إلى المستشفى الكويتي إصابات خطيرة جداً لم نشهدها في السابق، من بينها حروق وتشوهات خطيرة. إلا أن الإمكانيات محدودة. كنا نعطيهم أدوية بسيطة جداً من أجل التخفيف من آلامهم. وقد شهدنا حالات بتر وفقدان أطراف، وكنا عاجزين عن التعامل معها لأن الإمكانيات معدومة".
يتابع داوود أن "خروج مستشفيات رفح عن الخدمة سيشكل كارثة كبيرة. بعض الناس كانوا غير قادرين على النزوح، إذ يعاني البعض من أمراض مزمنة، وبالتالي فإن النزوح قد يؤدي إلى موتهم، عدا عن حالات الولادة. ونتوقع حدوث وفيات بسبب خروج المستشفيات عن الخدمة".
وكانت العيادات الصحية وعيادات الأطباء الذين تطوعوا لعلاج بعض الجرحى، تشكل متنفساً للعلاج على الرغم من قلة الإمكانيات. وكانت هناك عيادات صحية في منطقة تل السلطان، وهي إحدى أكبر المناطق الغربية في مدينة رفح. إلا أن الطواقم الطبية نزحت إلى منطقة المواصي التي لا يوجد فيها سوى عيادات طبية متنقلة في خيام، ومستشفى ميداني واحد أنشئ مؤخراً، جراء القصف الإسرائيلي المستمر. 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وكان الطبيب كمال الجزار قد فتح عيادته في منطقة تل السلطان، للإشراف على عدد من المرضى، وتقديم الرعاية الصحية لهم، علماً أنه متخصص في أمراض الجهاز الهضمي والمعدة. لكنه نزح مع أسرته، ولم يتمكن من أخذ الأدوات الطبية التي كانت متوفرة في عيادته. يقول لـ"العربي الجديد": "هناك انهيار للمنظومة الصحية. وما يقوم به الأطباء أشبه بالمهمات المستحيلة. لكنني سأحاول تقديم ما أمكن للمرضى في خيام النزوح".

تخوفات لدى الجرحى والمرضى 

من جهتها، تحاول "الأونروا" تقديم الرعاية الطبية بما هو متاح في مخازنها من أدوية وعلاجات وزيادة الخيام الطبية المتنقلة في منطقة المواصي، غرب مدينة خانيونس، وغرب مدينة دير البلح، في ظل اكتظاظ الجرحى وأصحاب الأمراض المزمنة، علماً أن العلاجات المقدمة أقل من حاجة البعض، وقد لا تتوفر لهم الأدوية التي يحتاجون إليها.  
وبعد النزوح الكبير من مدينة رفح وإخراج جميع المؤسسات الصحية فيها عن الخدمة، سيكون الوضع أصعب مما كان عليه. يعيش محمد صيام (33 عاماً) ضغوطاً نفسية كبيرة، هو الذي لم يتمكن من تنظيف جرحه، ولم يحصل إلا على مسكن آلام خفيف جداً، وصار يتناول 3 أقراص بدلاً من قرص واحد من دون أن يؤدي ذلك إلى تخفيف ألمه. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبت وعدد من الأصدقاء في مدينة خانيونس في مارس/ آذار هذا العام، ولا نزال نتلقى العلاج بعدما نزحنا إلى منطقة المواصي من خلال عربات يجرها حمار. أما في الوقت الحالي، فلا نحصل على العلاج. أشعر بألم شديد في ساقي اليمنى نتيجة الالتهابات. وقد حذرني الطبيب مراراً من عدم التوقف عن العلاج. واليوم، لم أعد أعرف ما قد يحصل".  

المساهمون