رعاية صحية هزيلة في مستشفيات القامشلي السورية

20 يناير 2023
لا تتوفر أجهزة طبية حديثة في مستشفيات في القامشلي (سلام حسن)
+ الخط -

انعكست هجرة الأطباء وضعف البنى التحتية بطريقة كارثية على المصابين بالأمراض المزمنة في مناطق شمال شرق سورية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية، ولا سيّما مدينة القامشلي، إذ يواجه هؤلاء المرضى مشكلات في توفير الأدوية، وحتى في التنقّل لتلقّي العلاج خارج مناطق سيطرتها.
وسوء البنى التحتية لا يقتصر فقط على المستشفيات العامة التي يعمل معظمها بأجهزة ومعدّات منتهية الصلاحية، ومن المفترض أن تكون خارج الخدمة. فهذا الواقع يشمل كذلك المستشفيات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، إنّ ارتفاع تكاليف التنقّل وأسعار الأدوية زاد من معاناة هؤلاء المرضى، فضلاً عن الوقت الطويل الذي قد يحتاجه الذين يقصدون مستشفيات مدينة دمشق؛ فالرحلة تستغرق أياماً عدّة بسبب الحواجز المختلفة على الطريق.

ويعيش مرضى السرطان الواقع الأسوأ، خصوصاً أنّهم في حاجة إلى جرعات دوائية أو جلسات علاج دورية، إلى جانب معاناة الوصول إلى المستشفيات التخصصية في مدينة دمشق. ولا تخفي شيخة محمود المقيمة في مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد" أنّها تواجه مشكلات عديدة، شارحة بقولها: "شقيقي مصاب بسرطان القولون، وأنا أعاني من المصاريف الكثيرة. وقبل أربعة أشهر، توقّفت عن اصطحاب شقيقي إلى دمشق لتلقّي العلاج، بسبب تكاليف وإجراءات السفر وعناء الطريق. ففي أفضل الأحوال، نحتاج إلى ثلاثة أيام للوصول إلى دمشق، فيما تتجاوز أجور النقل مليون ليرة سورية (نحو 400 دولار أميركي)".
وتؤكد محمود أنّ "الطريق إلى دمشق صعبة. وثمّة أشخاص كثيرون لا يستطيعون الذهاب إلى هناك، بسبب حواجز النظام السوري الأمنية، ولا سيّما أنّ من بينهم أشخاصاً مطلوبون للجيش".
وتتمنّى محمود لو أنّ ثمّة مستشفى متخصصاً في علاج مرضى السرطان يتوافر بمدينة القامشلي أو مدينة الحسكة، "فتُختصَر بالتالي على شقيقي معاناة الوصول إلى دمشق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المرضى الآخرين". تضيف: "وضعنا الاقتصادي سيّئ إلى حدّ كبير، وعلاج شقيقي يكلّفنا مبالغ كبيرة. فكلّ جلسة علاج تصل كلفتها إلى 100 دولار، وحتى الآن حصل على ثماني جرعات، لكنّه في حاجة إلى عدد أكبر منها، إلى جانب حاجته لعملية جراحية"، مشيرة إلى أنّ "كلّ المصاريف تقع على عاتقي بسبب ظروف عائلتي الخاصة".
ولا تختلف حالة شيخة محمود عن أحوال كثيرين من أهالي القامشلي الذين يصعب عليهم تأمين احتياجات مرضاهم، إذ إنّهم بمعظمهم من ذوي الدخل المحدود. ولأنّ الجفاف عطّل الزراعة التي تُعَدّ مصدر دخل رئيسياً لسكان المنطقة، ثمّة أشخاص كثر صاروا عاجزين، إذ كانوا يعتمدون على ما تنتجه الأراضي الزراعية.

في أحد مستشفيات القامشلي، يراقب الطاقم التمريضي حالة الطفل أحمد الذي خضع لعملية جراحية في الصدر قبل مدّة من الزمن، علماً أنّ الأطباء أوصوا أهله بنقله إلى مدينة دمشق لاستكمال العلاج هناك، إذ لا أجهزة مناسبة لذلك في مستشفيات المنطقة.
تخبر والدة الطفل أمية السلوم "العربي الجديد"، قائلة: "نحو أسبوع مضى على وجود ابني في المستشفى، ولا نملك المال الكافي لتغطية مصاريف العلاج". وتشرح أنّ "وضع ابني الصحي خطر جداً، وبيتنا على الحدود العراقية، وهو بالتالي بعيد عن المستشفى، والإمكانات محدودة جداً". تضيف الوالدة: "صحيح أنّ الأطباء شدّدوا على ضرورة نقله إلى مدينة دمشق، إلا أن لا قدرة لدينا على ذلك. وقد اصطحبته في السابق إلى المستشفى الوطني في مدينة القامشلي، لكن من دون أيّ فائدة".
وتوضح السلوم أنّ "تكلفة بقائه في المستشفى الخاص حالياً مليون ونصف مليون ليرة (نحو 600 دولار)، عدا عن تكاليف العلاج والأدوية. وحتى الآن، نحن لا نملك المبلغ المطلوب مبدئياً. ونحن لم نعد نتناول الطعام والشراب كما كنّا نفعل في السابق، بهدف توفير المال لعلاج طفلنا وتعافيه". وتطالب الوالدة "المنظمات الإنسانية بمساعدتها على تخطّي هذه المحنة التي وقعت فيها".

الصورة
مستشفى في القامشلي في سورية 2 (سلام حسن)
تركت الأزمة السورية على مدى 12 عاماً آثاراً سلبية على القطاع الصحي (سلام حسن)

من جهته، يقول الطبيب فرات مقدسي، المتخصّص في الجراحة العامة، ومدير "مستشفى السلام" لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد تركت الأزمة في سورية، على مدى الأعوام الاثني عشر الأخيرة آثاراً سلبية كثيرة، خصوصاً على القطاع الصحي". ويشرح مقدسي أنّ "أكثر من أربعين في المائة من سكان سورية يحتاجون إلى مساعدات صحية، وأكثر من ثلث الأطفال يحتاجون إلى لقاحات، فيما المرافق الصحية تضرّرت كثيراً إمّا جزئياً وإمّا كلياً، والهجرة طاولت أكثر من ثلث الكوادر التمريضية والفنية والطبية".
يضيف مقدسي أنّ "القطاع الصحي في سورية استُنزف، لذلك صار الخلل واضحاً في المنظومة الصحية في البلاد، فيما التجهيزات الطبية استُهلكت في خلال 12 عاماً، ولا صيانة لها ولا بدائل، على الرغم من وجود منظمات داعمة صحياً في منطقة شمال شرق سورية". ويتابع قائلاً: "المستشفيات الخاصة تعاني كذلك من الظروف الصعبة، ولا تتوافر فيها خدمات كافية"، مشدداً على أنّه "على الرغم من ذلك أُنقذت أرواح كثيرة بخدمات بسيطة".

ويوضح مقدسي أنّ "ثمّة نقصاً كبيراً لدينا، لذا نحاول تحويل المرضى إلى العاصمة دمشق. لكنّنا نتيجة الصعوبة المتمثّلة بالتكاليف لجهة النقل والغلاء، نضطر إلى معالجتهم بالإمكانات المتاحة ومراعاة ظروفهم، ونحاول قدر الإمكان التخفيف عنهم".
وتفيد بيانات محلية بأنّ ثمّة 12 مستشفى في مدينة القامشلي الواقعة شمال شرقي محافظة الحسكة، من بينها 11 مستشفى خاصاً، وكلّ هذه المستشفيات إلى جانب الوطني لا تتوافر فيها أجهزة طبية حديثة، فيما بنيتها التحتية ضعيفة وغير مؤهّلة.

المساهمون