تشتهر محافظة الرقة شمال شرقي سورية بتنوع مواردها كونها تقع في منطقة يعبرها نهرا الفرات والبليخ، وتضم قنوات ري مصدرها بحيرة سد الفرات تنتشر "كما العروق في الجسد". ويجعلها ذلك وجهة لمربي الثروة الحيوانية، حيث المراعي الطبيعية التي تشتهر بها أريافها الأربعة.
يقول مربي قطيع جواميس يدعى خليل العيسى لـ"العربي الجديد": "تربية الجواميس مهنة متعبة وشاقة لم يعتدها سكان الرقة التي يشتهر سكانها بتربية الأغنام والماعز والإبل، في حين تنتشر تربية الجواميس تحديداً في أرياف القامشلي والحسكة وحلب". ويشرح أنّه ارتحل نتيجة الظروف الصعبة والجفاف مع عائلته إلى الرقة للإفادة من المياه والموارد الطبيعية التي تخفف عنه تكاليف تربية قطيع الجواميس خلال فصول الربيع والصيف والخريف. أما في فصل الشتاء، فينقل قطيعه إلى مناطق أخرى في ريفي الحسكة والقامشلي، حيث يكون موسم الأمطار والمناخ معتدلين، بخلاف الطقس في الرقة.
ويخبر أنه يرتحل مرتين سنوياً، ويتوجه إلى الرقة في الربيع والصيف، ويعود إلى الجزيرة (ريف القامشلي والحسكة) في منتصف الخريف. ويلفت إلى أن "مهنة تربية الجواميس الحديثة العهد في منطقة الرقة مكلفة جداً، إذ تتطلب تأمين المربين الأعلاف في شكل مستمر ومن دون انقطاع للقطيع، فالجواميس تستهلك الكثير من الأعلاف، بخلاف الإبل والأغنام والماعز، وقد تتجاوز تكلفة الأعلاف المركزة والمتنوعة الطرية والقاسية لقطيعي الذي يضم 20 جاموساً 100 ألف ليرة سورية (30 دولاراً) في يوم واحد في فصل الشتاء، حين لا تتواجد المراعي الطبيعية".
ويذكر أن وسائل التنقل في المناطق التي يرعى بها القطيع تضطره إلى اجتياز 300 كيلومتر بمعدل مرتين أو ثلاث سنوياً، وهذه مسافات كبيرة بالنسبة إلى المربين، خصوصاً في ظل ارتفاع أجور النقل. أما في فصل الصيف، فيتنقل برفقة عائلته وقطيعه بين ضفاف نهر الفرات، ويرتحل من الطبقة إلى المنصورة والسلحبيات وصولاً إلى الرقة والحمرات طوال 4 أشهر من فصلي الربيع والصيف، ويعود إلى منطقته في ريف القامشلي مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
الإبل الأقل تكلفة
ورغم الصعوبات الكبيرة الناتجة من ارتفاع أسعار الأعلاف التي تقدّم للشياه والإبل والماعز والأغنام، وانعدام أي دور مؤسساتي يدعم قطاع الثروة الحيوانية، تعتبر مهنة تربية الجواميس مصدر الرزق الثاني الأهم بعد الزراعة لسكان الرقة خصوصاً والجزيرة السورية عموماً. لكنّ مربين كثيرين هجروا مناطق عدة في ريف المحافظة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة للبحث عن مناطق غنية بالموارد الطبيعية والمسطحات الخضراء، بهدف تقليل التكلفة المادية.
في المقابل، زاد الإقبال على تربية الإبل في مناطق الريف الشمالي بالرقة، لأنّها الأقل تكلفة من ناحية مصاريف الرعاية البيطرية وتوفير الأعلاف، علماً أنّ عدد هذه الحيوانات تراجع نتيجة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على البادية التي تشكل المناطق الأساسية لتربيتها، وكذلك بسبب الاستهلاك العشوائي للحومها.
حصة الأبقار
إلى ذلك يقول خالد عيسى (40 عاماً) الذي يعمل في تربية الأبقار، لـ"العربي الجديد": "أمتهن مع أهلي منذ عقود تربية الأبقار في منطقة الرقة السمرة شرقي الرقة. وكان وضع المهنة جيداً، إذ شكّلت دائماً مصدراً أساسياً لمداخيلنا من خلال تجارة الحليب والأجبان واللحوم، لكن الدعم غاب بالكامل قبل خمس سنوات على صعيد الطبابة البيطرية، كما اندثرت المستوصفات التي كانت موجودة سابقاً. وحالياً نعاني في شكل كبير من غلاء سعر الأعلاف في ظل غياب اهتمام المؤسسات العامة بتوفيرها في المناطق الريفية. وقد تواصلت جمعيات محلية معنية بالثروة الحيوانية قبل عام وفحصت القطيع، ثم رحلت ولم تعد". يتابع: "اضطررنا على غرار مربين آخرين إلى بيع عدد من الأبقار بسبب التكلفة الباهظة لتأمين مستلزماتها، فانخفض عدد ما نملكه من 20 رأساً إلى 7 رؤوس".
وكانت تربية الثروة الحيوانية ازدهرت في الرقة خلال العقدين الماضيين بتأثير دعم مؤسسات أسعار الأعلاف التي يشتريها المربون، وإنشاء مستوصفات ومراكز رعاية بيطرية مجانية، لكنّها انحسرت قبل خمس سنوات مع غياب الدعم والرعاية اللازمة لاستمرار عمل المربّين.