رحلة شاقة لتجهيز وجبة طعام في غزة

22 أكتوبر 2024
تعدّ وجبة طعام لعائلتها بما تيسر (إياد البابا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الفلسطينيون في غزة تحديات كبيرة في إعداد الطعام بسبب نقص الغاز والحطب، مما يضطرهم لاستخدام بدائل مكلفة وصعبة.
- منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، تشدد الحصار وارتفعت الأسعار، مما أجبر النازحين على ترك منازلهم والعيش في مناطق تفتقر إلى الأساسيات.
- تتفاقم الأزمات الصحية بسبب استخدام الحطب للطهي، حيث يسبب الدخان أضراراً صحية خطيرة، خاصة للأطفال، مما يزيد من معاناة النازحين.

مراحل عدة وشاقة تسبق القدرة على إعداد أي وجبة طعام في قطاع غزة جراء شح معظم المواد التي يحتاج إليها الأهالي، ليقضوا ساعات طويلة في البحث عن هذه المقومات ويخشون فقدانها تماماً

تتعاظم الأزمات التي تواجه الفلسطيني أنس الكيلاني، والذي نزح قسراً من شمالي مدينة غزة نحو المحافظة الوسطى، حتى أصبح عاجزاً عن طهي طعام أسرته جراء نفاد الغاز المخصص للطهي وصعوبة الحصول على الأخشاب والحطب، البديل الوحيد لتجهيز وجبات الطعام اليومية.
ويخوض النازحون الفلسطينيون رحلة طويلة وشاقة للحصول على الحطب الذي تضاعفت أسعاره بفعل حالة الشح الشديد، كما تتزايد تداعيات إغلاق المعابر السلبية يوماً بعد الآخر جراء ما يخلفه ذلك الإغلاق من نقص شديد في كل المتطلبات الأساسية. ويواجه النازحون أزمات حادة ومركبة منذ بدء الحرب، بسبب النقص الشديد في مختلف المتطلبات والبدائل التي من شأنها التخفيف من حدة الأزمة، بسبب الطلب المتزايد وسط حالة كبيرة من الشح، نتيجة تكدس النازحين في مناطق محددة تطلق عليها "مناطق إنسانية آمنة" على الرغم من افتقارها إلى مختلف المقومات.
ويعاني الفلسطينيون منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، سياسةَ تشديد الخناق التي تستهدف كل الاحتياجات اليومية، وقطع إمدادات الكهرباء والمياه، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والأدوية والمستهلكات الطبية، فضلاً عن منع دخول البضائع، ما سبّب نقصاً حادّاً أدى إلى تضاعف أسعارها عشرات المرات مقارنة بالأسعار المعتادة.
ويقول الكيلاني لـ "العربي الجديد" إنه ترك بيته مجبراً بكل ما فيه من تجهيزات وأثاث وأنابيب غاز بسبب الأحزمة النارية التي استهدفت منطقة الأمن العام شمالي مدينة غزة، والطلب الإسرائيلي المتكرر بضرورة الإخلاء نحو المناطق الجنوبية والوسطى، وقد فوجئ بانعدام كل مقومات الحياة فيها وفي مقدمتها الطعام والماء والمأوى الآمن والمريح.

ويبين الكيلاني أن النقص وصل إلى أدق تفاصيل المتطلبات المعيشية المتعلقة بتوفير الخضار أو البقوليات، والتي بات يجد صعوبة بالغة في إنضاجها لعدم امتلاكه قارورة غاز، إلى جانب شح الحطب والأخشاب نتيجة اعتماد الفلسطينيين عليها بشكل كامل في صناعة الخبز وطهي الطعام.
من جهته، يلفت الفلسطيني أشرف أبو مسامح إلى أن تحضير وجبة طعام واحدة في ظل العدوان الإسرائيلي يمر في العديد من المراحل الشاقة، بدءاً بتوفير المال، وشراء الطعام والأدوات المطبخية بأسعار مرتفعة، وصولاً إلى توفير الطريقة التي يتم من خلالها طهي الطعام، سواء عبر شراء غاز الطهي بأسعار خيالية، أو تأمين الحطب والخشب من المنازل المدمرة ومن أماكن بعيدة. ويبين أبو مسامح لـ "العربي الجديد" أن الأزمة لا تنتهي عند حد توفير الحطب، إذ يبدأ تحدٍّ آخر يتمثل في إشعاله بسبب رداءة الأصناف المتوفرة وبكميات شحيحة، إلى جانب إيجاد المكان المناسب لإشعاله بعيداً عن خيام النزوح، فيما يسبب الدخان الكثيف ضرراً صحياً بالغاً داخل الخيام الخشبية والبلاستيكية التي تعاني سوء التهوية بفعل إغلاقها المحكم تفادياً للبرد القارس.

تعدان الخبز (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
تعدان الخبز (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

ويشير أبو مسامح إلى التداعيات الخطيرة لإشعال النار بالقرب من الخيام البلاستيكية المعرضة للحرق، والتي باتت سوداء بفعل الدخان الكثيف، الذي سبّب أضراراً صحية لأطفاله الذين يعانون السعال المتواصل بسبب التأثير المباشر للدخان المتصاعد على الجهاز التنفسي.
أما الفلسطيني إياد شنيورة، فيجبر على الخروج برحلة شاقة للبحث عن الحطب والأخشاب في الطرقات، أو بجوار المباني والمنازل المقصوفة، فيما يدفعه الشح الشديد فيها إلى جمع الأوراق والكارتون والنايلون والبلاستيك، على الرغم من الضرر البليغ الذي يسبّبه الدخان الأسود الناتج عن إشعال تلك المواد المسرطنة. ويلفت شنيورة الذي اضطر إلى إقامة خيمته بالقرب من شاطئ بحر مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لـ "العربي الجديد"، إلى مجموعة تأثيرات إضافية تزيد من صعوبة طهي الطعام لأسرته المكونة من خمسة أفراد، هو الذي يعاني بسبب صعوبة الطريق بسبب بعد خيمته عن الشارع العام واضطراره إلى نقل حمله الثقيل يدوياً، وانطفاء النار المتكرر بفعل الرياح الساحلية القوية.

ويشير شنيورة إلى عدم قدرته على تخزين كميات من الحطب بسبب الرطوبة العالية التي تصيبها وتزيد من صعوبة إشعال النار، ما يدفعه إلى شراء أو جمع الكميات التي تكفيه ليوم أو يومين، الأمر الذي يبقيه على مدار الوقت داخل دائرة القلق من عدم القدرة على توفير الحطب لطهي الطعام لأسرته.
وتتزايد التحديات التي تواجه النازحين الفلسطينيين منذ أكثر من عام بفعل الملاحقة الإسرائيلية الدائمة لمختلف المتطلبات الأساسية وبدائلها، ما يسبّب تضاؤل قدرتهم على توفير أبسط المقومات المعيشية اليومية، في ظل تواصل حرب الإبادة التي أدت إلى استشهاد وفقدان وإصابة ما يزيد عن 150 ألف فلسطيني.

المساهمون