دول حوض النيل "يقتلها الظما"

15 فبراير 2021
النيل إذ يعبر في الخرطوم (عمر إردم/ الأناضول)
+ الخط -

 

أكان طرفة بن العبد يعنينا حين أشار إلى "كالعيس في البيداء يقتلها الظما... والماء فوق ظهورها محمولُ"؟ إحدى عشرة دولة أفريقية يجري في أراضيها النيل العظيم وروافده، لكنّها تعيش الفقر والتدهور البيئي وعدم الاستقرار، وتتهددها المجاعة المائية.

قبل عقدين من الزمان حاول كويشيرو ماتسورا، المدير العام لـ"يونسكو" أن ينبهنا لما نحن فيه الآن: "من بين كلّ الأزمات الطبيعية والاجتماعية التي نواجهها نحن البشر، فإنّ أزمة المياه هي الأزمة التي تكمن في صلب بقائنا، وبقاء كوكبنا، ولن تنجو منطقة من تأثير هذه الأزمة التي تمسّ كلّ أوجه الحياة، بدءاً من صحة الأطفال، حتى مقدرة الأمم على تأمين الغذاء لمواطنيها".

النيل أطول أنهار العالم، وأعظمها إرثاً، ظلّ عبر حقب التاريخ يغذّي الحياة والنظم البيئية، والتنوّع الكبير للحضارات، فقد ضمّت ضفتاه أعظم الحضارات البشرية. لكن، على الرغم من النعم الطبيعية للحوض، فإنّ سكانه يواجهون تحديات لا خبرة لهم فيها، ما لم يجرِ تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد، أي أن يعامل النيل كوحدة، وأن تتكامل دول الحوض في استخدام الموارد، لا أن تتنافس عليها.

البروفيسور عاصم المغربي، الخبير في شؤون المياه بملتقى أصدقاء حوض النيل، يؤكد أنه "ليست هناك خطة إطارية لإدارة النيل، لا في الدول منفردة، أو مجتمعة، وهذا وضع مأساوي يؤدي إلى التدهور والفقر. والمعروف أنّ غرض الإدارة المتكاملة توفير الأمن الغذائي لسكان الحوض". وللنيل مجالات واعدة لتنمية قادرة على إنتاج الغذاء، ووفرة الطاقة والمواصلات، والتنمية الصناعية، وصيانة البيئة. كما ستساعد الإدارة المتكاملة لموارد المياه في خلق تكامل إقليمي أعظم من محاولات الاقتصاد والسياسة.

موقف
التحديثات الحية

هل هناك أيدٍ خفية تعمل على بعثرة الجهود، و"نقض غزل" التكامل، حتى لا تتمكن هذه الدول من النهوض، والتفكير الجماعي الجاد في الاستغلال الأمثل لمواردها؟ يتفق كثيرون على أنّ الحاجة للتلاقي تزداد يوماً بعد يوم لتلافي مشاكل الفقر المتفاقم، والنزاعات حول الموارد المتفجرة هنا وهناك، فأزمة المياه الكونية باتت ترمي بظلالها على التفكير المستقبلي في العالم، وتأخذ منحى جديداً في التصعيد، ما دامت هناك أطماع لدى دول لا تمتلك ما يكفيها من هذا المورد الحيوي، لكنّها تتوافر على قوى عسكرية واقتصادية تمكّنها من مدّ اليد إلى أبعد ما يكون، ولها من الوسائل ما يجعلها تستغل الضعفاء ومواردهم. وهو ما يحتم خلق إطار للحوار والتفاهم، وإيجاد صيغة جديدة للتعاون تنبني على الاعتراف بالحدود وحقوق الغير، وعدم العبث بها، مع الالتزام بالنهج الديمقراطي في حلّ المشاكل وإخمادها في مهدها، واحترام مظاهر التعددية الإثنية والثقافية، وتعزيز سبل التعاون الإقليمي من خلال تفعيل دور المجتمع المدني، والتوجه الكامل للتنمية المستدامة، وإعلاء شأن صون البيئة والمحافظة على الأنظمة البيئية، والتوازن البيئي في كلّ منظومة.

(متخصص في شؤون البيئة)