دور رعاية المسنيّن حاجة في الشمال السوري

26 يونيو 2023
يقرأ القرآن (محمد الرفاعي/ Getty)
+ الخط -

فقد العديد من كبار السن من يعيلهم في سورية، واضطروا إلى العيش بمفردهم بعدما أدت ظروف الحرب والتهجير إلى فقدان البعض ذويهم، في وقت يعجز آخرون عن التواجد مع بقية أفراد أسرهم بسبب إغلاق الحدود وغير ذلك، فكانت دور المسنين التي وفرت لكبار السن المأوى والرعاية والطبابة وغيرها من الاحتياجات الأساسية. 
يقول المدير الإداري والمسؤول الطبي عن دار السلامة لرعاية المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة جعفر النجار، لـ "العربي الجديد": "أقيمت الدار في مخيم بالقرب من مدينة أعزاز قرب معبر باب السلامة الحدودي، لتستقطب من تقطعت بهم السبل من كبار السن، وفقدوا أهلهم وذويهم وأصبحوا بلا مأوى أو معيل". ويوضح أن "البداية كانت عام 2013، من خلال خيمةً كبيرةً تحتوي على عشر أسر، وقد تعرض المخيم لحرائق عدة. وكشف عن وجود أربعة أشخاص من ذوي الإعاقة ليس لديهم معيل، منهم من قُتِل أولاده، ومنهم من سافروا إلى أوروبا. هؤلاء جمعوا بصيوان تعزية (خيمة) وتمت رعايتهم من قبل شخص في المخيم". يضيف: "بعد فترة، زاد العدد إلى 7 أشخاص. بنينا كرفانين. وبعد فترة، ومن جراء استمرار النزوح، توافد إلى الدار حالات جديدة. ومع تزايد هذه الحالات، بنينا أربع غرف في بداية عام 2018، بعدما وصل العدد إلى 18 شخص".
يضيف: "في بداية 2020، ومع تزايد العدد، بنينا 3 غرف إضافية، يسكنها 37 شخصاً من كبار السن وذوي الإعاقة. ومنذ فترة قصيرة، تبرع أحد أهل الخير بقطعة أرض لبناء دار لرعاية المسنين بعيداً عن المخيم. ونأمل أن نتمكن من بنائها. في البداية، كانت دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. لكن الواقع الصعب دفعنا لاستقبال حالات أخرى ومن مختلف الفئات العمرية. على سبيل المثال، لدينا خمسة رجال دخلوا سجون النظام وخرجوا منها فاقدي العقل والحركة من جراء التعذيب، وباتوا في حاجة إلى رعاية ومأوى. وهناك رجل مسن بترت رجله من جراء إصابته بمرض السكري، في وقت يعاني البعض من شلل رباعي وشلل نصفي".
يتابع النجار: "عمد فريق من المتطوعين إلى تقديم الرعاية الكاملة لكبار السن من مأكل ومشرب ورعاية صحية كاملة. وحتى اليوم، لا توجد أي منظمة أو جمعية خيرية تكفل أو تتبنى هذه الدار بشكل رسمي"، لافتاً إلى أنها ما زالت تعتمد على التبرعات. ويقول: "للأسف، هذه الشريحة من المجتمع مهملة وهذا المشروع منسي على الرغم من الحاجة الماسة إليه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون. لكل مسن قصته الخاصة وظروف قاهرة مر بها. وكثيراً ما ناشدنا المنظمات للتدخل ولم نلق أي استجابة، وكان التركيز دائماً على دعم أنشطة ليست ضمن الاحتياجات الضرورية". ويقول النجار: "في ما يتعلق بالصحة، أشرف عليها بشكل شخصي بحكم وجود مستشفى قريب من المركز"، موضحاً أن المركز يفتقد إلى وجود كادر طبي متخصص لعدم وجود جهة مانحة، فإمكانيات المركز بسيطة جداً ومصاريفه كبيرة. ويتألف الكادر في الدار من رجال ونساء متطوعين تتوزع المهام في ما بينهم بين تحضير الطعام والعناية الشخصية والعناية الطبية وإعطاء الدواء بمواعيده والغسيل. وتتولى امرأة مسنة تعاني من مرض في القلب التنسيق بين كادر النساء والرجال والمطبخ وإطعام من هو غير قادر على الأكل بمفرده". يتابع: "ننظم رحلات ترفيهية للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم وهمومهم كنوع من الدعم النفسي ليخرجوا من جو الحزن الذي يرافقهم".

يقول العم أبو أحمد (80 عاماً) الذي تم قبوله في الدار منذ سنتين، لـ "العربي الجديد": "بعدما استشهد أولادي في مدينة حلب، ونزحت مع زوجتي إلى مخيم الريان قرب باب السلامة، بقيت وحيداً. فزوجتي تعاني من احتشاء عضلة القلب ما أدى إلى نقلها إلى مستشفيات تركيا للعلاج". يضيف: "بقيت وحيداً في خيمتي حتى لجأت إلى الدار على أمل أن أتمكن من الذهاب إلى إبني الموجود في تركيا. لكن لم يسمحوا لي على الرغم من عشرات الطلبات المقدمة للسلطات التركية، من دون أن يستجيب أحد". ويختم حديثه قائلاً: "يبدو أنني سأعيش ما تبقى من عمري في هذه الدار على أمل السماح لي بالعبور".
من جهته، يقول محمود قطنجي (58 عاماً) لـ "العربي الجديد"، إنه رحّل قسرياً من تركيا بعدما توفيت زوجته ولم يبق له أحد. يضيف: "بقيت لفترة أبيت في الشوارع ثم سمح لي صاحب أحد الدكاكين بالنوم في دكانه بعدما صرت أعاني من أمراض عدة، ودلني أهل الخير على الدار التي تم قبولي فيها". 
من جهتها، تقول مديرة مشروع دار البشير للمسنات يسرى صبرة إن المشروع تأسس في مارس/ آذار عام 2020 بجهود فردية تلبيةً للأمهات اللواتي ليس لهن معيل بسبب ظروف الحرب والتهجير. ولاقى قبولاً من الناس، وخصوصاً أنه يخفف من معاناة المسنات المستضعفات اللواتي فقدن المعيل الذي كان يرعى شؤونهن.

الحرب والظروف الصعبة دفعت كبار السن للجوء إلى دور المسنين (إبراهيم ياسوف/ فرانس برس)
الحرب والظروف الصعبة التي مرت بها البلاد دفعت كبار السن للجوء إلى دور المسنين في شمال غرب سورية (إبراهيم ياسوف/ فرانس برس)

تتابع أن "مشروع دار البشير يرعى فقط الأمهات المسنات، وبات يضم 12 مسنة، ونأمل أن يشمل المشروع جميع الأمهات اللواتي ليس لهن معيل، وأن تقدم لهن الرعاية الكاملة ليشعرن بالأمان والاستقرار".
تضيف صبرة: "في البداية، كان عملنا تطوعياً قبل أن يموّل المشروع لفترة معينة. وعدنا إلى العمل التطوعي بانتظار أن يتكفل أحد بتمويلنا". وتقول: "ننظّم بعض الأنشطة الخارجية للمسنات، بعضها زراعية. ولا ننسى التمارين الرياضية الخفيفة التي تناسب أعمارهن وقراءة القرآن". وتُرافق المسنّات ممرضتين نهارية وليلية تتوليان إجراء العلاج الفيزيائي للمسنات. وتشير إلى "أننا نعتني بهؤلاء النساء بشكل كامل. ونستدعي الطبيب أو نتوجه إلى عيادته إذا لزم الأمر".  
بدورها، تؤكّد الباحثة الاجتماعية إيفا وحيد عطفة لـ "العربي الجديد أن "الحرب والظروف الصعبة التي مرت بها البلاد دفعت كبار السن للجوء إلى دور المسنين في شمال غرب سورية وغيرها من المناطق. ولم يعد لدى الكثير من العائلات أي معيل، علماً أن المسنين يحتاجون إلى من يرعاهم. قد يكون لديهم أولاد لكنهم مهاجرين أو مهجّرين".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تتابع: "يمكننا القول إن سوء الأوضاع الاقتصادية والهجرة، سواء الهجرة القسرية أو النزوح أو الهجرة إلى الخارج، كلها عوامل ساهمت في تفكك الأسر، لتتأثر العلاقة بين الأبناء والآباء، عدا عن حالات الفقدان والاعتقال والخطف. وفي النتيجة، بات الكثير من المسنين وحيدين في المجتمع، ويحتاجون إلى دور رعاية تحضنهم". وتقول إن "لهذا أثر نفسي على الكثير من كبار السن الذين يجدون أنفسهم وحيدين. يتأثر الشخص الذي يكون ضمن إطار معين ثم ينتقل إلى إطار آخر من العلاقات الاجتماعية، الأمر الذي ينعكس على الانتماء والهوية الاجتماعية والذكريات والمشاعر والأمان والارتباط العاطفي بالآخرين. من هنا، يعيش بعض المسنين عزلة نفسية واجتماعية".
وتوضح: "يرتبط التأثير النفسي والاجتماعي بعاملين: يتأثر المسن الذي استشهد أفراد عائلته أو توفوا أو فقدوا أو اعتقلوا وما من خبر عنهم أكثر من الذين لديهم أولاد مهاجرين ما زالوا على تواصل معهم. فهذا التواصل يخفف عن الأهل الشعور بالوحدة في المجتمع". تضيف أن "التأثيرات تختلف بين شخص فقد كل عائلته وآخر اختار أن يرسل أولاده إلى الخارج لمتابعة تعليمهم وعيش حياة أفضل. دور دار المسنين ليس فقط الاعتناء بهم بل مساعدتهم على التأقلم والتكيف مع الواقع الجديد الذي يعيشونه". 
يشار إلى أنه لا تتوفر إحصائيات رسمية جديدة عن عدد المسنين في سورية، إلا أن أحدث التقديرات تشير إلى أن العدد تجاوز 1.7 مليون مسنّ بنسبة تُقدّر بنحو 7.2 في المائة من تعداد السكان. ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 5.7 ملايين نسمة عام 2050، بنسبة 13 في المائة من إجمالي عدد السوريين.

المساهمون