دوائر الحياة المجتمعية... استراتيجية صينية لرفع الإنتاج

10 أكتوبر 2023
سمحت خطة الدوائر المجتمعية لصينيين بالبحث عن وظائف في محيطهم السكني (ويلي سيو/ Getty)
+ الخط -

قد تستغرق الرحلة اليوم للذهاب إلى مكان العمل والعودة منه نحو 4 ساعات في الصين مع استخدام أكثر من وسيلة مواصلات، مثل سيارات أجرة، ومترو أنفاق، وحافلات، ودراجات الهوائية، ما دفع سلطات المدن الصناعية إلى بناء شبكة تعرف باسم دوائر الحياة المجتمعية لمدة 15 دقيقة، أو مدن الـ 15 دقيقة عام 2020. 
وتمثلت الفكرة في مزج الوظائف الحضرية ضمن مساحات أصغر مع توفير كل المتطلبات المعيشية في نفس الدائرة، ما يزيل حاجة الناس إلى التنقلات الطويلة.
وتلبي هذه الدوائر عشرات من احتياجات الناس خلال 15 دقيقة فقط، وتقلل تكاليف التنقل، وتزيد الإنتاجية، وتسمح لهم بقضاء مزيد من الوقت مع أسرهم، أو الاستمتاع بالحياة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبحسب الأكاديمية الصينية للتخطيط والتصميم الحضري، يتنقل أكثر من 14 مليون شخص في 44 مدينة خلال 60 دقيقة يومياً. وفي بكين وحدها يتنقل 30 في المائة من السكان البالغ عددهم 23 مليوناً يومياً بين الساعتين الثامنة والتاسعة صباحاً في طريقهم إلى العمل. 
تقول مي تشوان، الموظفة في شركة لصنع الأغذية المعلبة في العاصمة بكين، لـ "العربي الجديد": "كنت أستخدم أكثر من وسيلة مواصلات للوصول إلى مقر عملي السابق في مركز المدينة بمنطقة تشاويانغ، في حين كنت أقيم في منطقة دا شن التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن العاصمة". 
تضيف: "دفعني ارتفاع تكلفة المعيشة وإيجارات السكن الباهظة في مركز المدينة إلى الإقامة في حي سكني بعيد منخفض التكلفة، لكنني تحمّلت في المقابل أعباء التنقل مسافات بعيدة يومياً لبلوغ مقر عملي، وهذا كان أمراً مجهداً كثيراً بالنسبة لي. لكن بعد حملة التطوير التي شهدتها منطقة دا شن في إطار خطة الدوائر المجتمعية، بحثت عن وظيفة في محيطي السكني، حيث افتتحت شركات خاصة عدة مشاريع صغيرة، ما ساهم في توفير آلاف فرص العمل. وشملت خطط تطوير هذه الدوائر توفير أسواق مجاورة وعيادات صغيرة إضافة إلى أماكن عامة للترفيه.

من جهته، يقول شياو لونغ، وهو مدرب لياقة بدنية في مدينة تيانجين (شمال) لـ"العربي الجديد": "دفعتني خطط التطوير التي شهدتها المنطقة التي أقيم فيها إلى التخلي عن وظيفتي السابقة التي فرضت أن أستأجر غرفة صغيرة في مركز المدينة كي أكون قريباً من مكان العمل"، يضيف: "كنت أنفق نحو 35 في المائة من مرتبي لتغطية تكلفة الإيجار الشهري ومصروف الطعام واحتياجات أساسية، أما اليوم فأستطيع أن أدخر أكثر من 50 في المائة من دخلي لأنني أعمل في مكان قريب من منزلي بمسقط رأسي". 
ويلفت إلى أن التنمية التي شهدتها المنطقة ساهمت في عودة الموظفين للعيش في منازلهم، ويقول "هناك قول رائج بين الشباب بأنه لا داعي للذهاب إلى المدينة، لأن المدينة ستأتي إليك".

يتنقل ملايين العمال والموظفين يومياً في طرقات الصين (جايد غاو/ Getty)
يتنقل ملايين العمال والموظفين يومياً في طرقات الصين (جايد غاو/ Getty)

استثناء الريف
يعلّق الباحث في مركز "خاي ديان" للدراسات الاجتماعية لي وان تشو على الخطة الحكومية بالقول لـ"العربي الجديد": "دوائر الحياة المجتمعية جيدة لو اقتصر الأمر على مسألة التوزيع العادل لفرص العمل وتوفير سبل العيش والحياة داخل المدن الصناعية، لكن المشكلة تتمثل في التفاوت الكبير بين الريف والمناطق الحضرية، والنزوح الجماعي للعمال من القرى إلى المدن الكبرى الذي استنزف الريف وفرّغه من السكان. وأنا أرى أن أي خطة لا تأخذ في الاعتبار تطوير الريف وإدراجه ضمن خطط التنمية ستبقى قاصرة عن حل المشكلات الأساسية التي تعاني منها الصين". 
يتابع: "تحل الدوائر المجتمعية مشكلة عدد قليل من إجمالي عدد العمال والموظفين الذين يتمتعون بميزات الضمان الاجتماعي في مسقط رأسهم، لكن الغالبية العظمى من هذه الشريحة تفتقر إلى أبسط الحقوق، باعتبارهم عمالة وافدة إلى المدينة (تشترط القوانين الصينية أن يتمتع الفرد بميزات الضمان الاجتماعي في مسقط رأسه فقط)". 
ويشير إلى أن "حلّ مشكلة هؤلاء يفرض تنفيذ خطط استراتيجية لتحقيق التوازن بين الريف والمدينة بينها بناء مشاريع توفر فرص عمل للشباب في القرى والأرياف والمناطق المهمشة التي تجاوزها قطار التنمية، وألا يقتصر الأمر على المدن الصناعية".

في المقابل، يعتبر الباحث الاقتصادي تشي جيانغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "دوائر الحياة المجتمعية تمثل رافعة أساسية للاقتصاد من خلال زيادة الانتاج عبر توفير المزيد من فرص العمل، والحد من استنزاف وهدر وقت الموظفين في وسائل المواصلات". وهذه الدوائر تندرج ضمن الخطط الاقتصادية للحكومة، ولا تعالج القضايا والآثار الاجتماعية المترتبة عن الفجوة القائمة بين الريف والمناطق الحضرية.
وكان نشطاء صينيون قد هاجموا فكرة الدوائر المجتمعية التي يعتبرون أنها "تعزز مفهوم الطبقية في مجتمع اشتراكي، من خلال وضع العمال في كانتونات داخل مدن توفر كل سبل الحياة، لكنها مصنّفة بأن درجتها متدنية في سلم التسلسل الطبقي. وكان سكان هذه المناطق، حسب هؤلاء، عرضة لإجراءات المشددة أثناء جائحة كورونا، على خلاف مناطق أخرى في نفس المدنية تمتعت بهامش أكبر من حرية التنقل والحركة.

المساهمون