تسجّل تونس أكثر من 100 ألف منقطع عن الدراسة سنوياً، 41 في المائة منهم هم في الصف السابع، فيما 49 في المائة من الصف الأول ثانوي. وتشهد الأوساط المدرسية أكثر من ألف حالة عنف سنوياً بحسب إحصائيات رسمية. هذه الأرقام جعلت أولياء أمور التلاميذ والخبراء التربويين والمنظمات المعنية بالشأن التربوي يُجمعون على ضرورة إحداث تغييرات في المناهج التعليمية وصولاً إلى إصلاح المنظومة التربوية.
وخلال السنوات الأخيرة، تكثر الانتقادات الموجهة إلى المنظومة التربوية والبرامج التعليمية بسبب كثافة المواد التعليمية وعدم ملاءمتها مستوى التلاميذ، وتراجع مكانة المدارس الحكومية بسبب ما تشهده من نقائص ومشاكل على غرار انتشار العنف داخل الأوساط المدرسية ونقص العديد من التجهيزات في مقابل ارتفاع عدد المدارس الخاصة والتلاميذ الملتحقين بها وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة.
ويطالب معظم المعنيين في الشأن التربوي بضرورة التخفيف من الحصص الدراسية في مقابل الاهتمام أكثر بالحصص الترفيهية. وكثيراً ما يشكو أولياء أمور التلاميذ من كثافة المناهج التعليمية وساعات التدريس الطويلة، مطالبين بتنظيمها حتى تتسنى للتلاميذ ممارسة الأنشطة الترفيهية.
ويرى العديد من الخبراء أنّ عملية الإصلاح تتطلب إرادة سياسية بالأساس، ووضع برامج واضحة بمشاركة العديد من الأطراف، لا سيما المدرسين والخبراء التربويين. وتقول عربية حمودي، وهي الدة أحد التلاميذ لـ "العربي الجديد" إنّ ابنها "في الصف الخامس، ويدرس ست أو سبع ساعات يومياً"، لافتة إلى أن ساعات التدريس هذه طويلة ولا تتخللها أي حصص ترفيهية أو تثقيفية، عدا عن الفروض المنزلية التي قد تستغرق ما بين ثلاث أو أربع ساعات يومياً، الأمر الذي يمثل ضغطاً كبيراً على التلاميذ". تضيف أنّ ابنها "لم يعد قادراً على استيعاب كل تلك الدروس وحفظها بسبب الكم الكبير من المواد".
كما يردد كثرون أنّ "حقيبة الدراسة باتت ثقيلة والأدمغة فارغة". وكثيراً ما ينشر الأهالي صوراً لأولادهم على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مدى صعوبة حمل الحقيبة. كما لا يمكنهم ترك الكتب في المدارس بسبب حاجتهم إلى الدراسة فيها بالمنزل. لذلك يطالب الأهل بتخفيف عدد الحصص والتقليص من الدروس والتركيز على التفكير بدل التلقين وحشو الأدمغة.
ورحّبت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ بإعلان سلطة الإشراف اعتزامها تخفيف البرامج المدرسية وتقليص عدد الكتب في إطار مراجعة البرامج وعدد الساعات الدراسية ومحتوى الكتب. ويؤكد رئيس الجمعية رضا الزهروني لـ "العربي الجديد" أنّ "الجمعية سبق وطالبت بضرورة تغيير المناهج التعليمية والتخفيف من عدد الكتب أو محتواها والتركيز على البرامج التثقيفية والأنشطة والنوادي التي تنشّط ذهن التلميذ وتساعده على الترفيه عن نفسه بين الحصص الدراسية حتى لا يتعب أو يملّ".
كما طالبت بضرورة "تحسين المدارس والاستعانة بالمزيد من الكوادر التربوية لتخفيف الضغط على الصفوف على ألا يزيد عدد التلاميذ في الصف الواحد على الثلاثين، حتى لا يشكّلوا ضغطاً كبيراً على المُدرّس ولتسهيل عملية تعامله مع التلاميذ أكثر".
ويشير الخبير في الشأن التربوي عبد الستار بن منصور، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن الاتجاه الكمي بات مسيطراً على البرامج، وبات التلميذ يلقن من دون تفكير. كما تسببت المناهج التعليمية الحالية في إضعاف مكتسبات التلاميذ في اللغات والعلوم، مضيفاً أنّ "آخر تغيير أدخل على المناهج كان منذ عام 2002 ما يعني أنها لا تواكب التطورات. وأحدثت تلك التغيرات بمقتضى استشارة وطنية شارك فيها الجميع من جمعيات وخبراء. وقد أقرّت حينها تلك الاستشارة ضرورة تعميم الخدمات التربوية في الأرياف، والتخفيف من عدد التلاميذ في كلّ فصل دراسي، وإحداث تغييرات في الحصص التدريسية والمناهج التعليمية في كلّ المواد. مع ذلك، ما زالت العديد من الفصول تشهد اكتظاظاً كبيراً. ويتجاوز عدد التلاميذ في الفصل الواحد 35 تلميذاً، الأمر الذي يصعب عملية التدريس على الأستاذ، ويجب تغييرها مرّة كل خمس سنوات على الأقل، وتقييم كلّ تغير من خلال نتائج التلاميذ والتصدي لظاهرة التسرّب المدرسي".
وكان وزير التربية فتحي السلاوتي قد أكد أكثر من مرة أنّ التعليم في كل مراحله يحتاج إلى تطوير لمواكبة العصر، ويجب إحداث إصلاح جذري وشامل للمنظومة، وهناك تجارب فشلت في آخر لحظة وخصوصاً عام 2015. وأكد أن برامج 2002 لم تعد متماشية مع الواقع بالمرّة لأنّها لا تجذب التلميذ وهي بمثابة حشو للأدمغة، وتفتقر إلى مسائل عملية تتعلّق بالتكنولوجيا.
من جهته، يؤكد رئيس الجمهورية قيس سعيد في كل لقاء مع السلاوتي على ضرورة إعادة النظر في المناهج التربوية والقضاء على الأسباب الحقيقية لتراجع التعليم.