دروس لترويض الأزواج في الصين

28 ديسمبر 2022
يريد الصينيون تحسين علاقاتهم بزوجاتهم (Getty)
+ الخط -

بعدما باتت المساواة بين الجنسين خلال السنوات الأخيرة قضية ذات أهمية متزايدة في المجتمع الصيني، أعلنت إدارات ثلاث مدن، هي شنغهاي وشينزن وتشنغدو، منتصف أغسطس/ آب الماضي، بدء استقبال الأزواج الذكور في مدارس لتدريبهم على "طاعة الزوجة"، ومساعدتها في الأعمال المنزلية
ويأتي ذلك بعد سنوات من ظهور مدارس "فضائل الإناث" التي هدفت إلى "تدريب النساء على طاعة الرجال والتركيز على الأسرة فقط، وقبول العمل الوضيع، وتقبل فكرة أنهن أدنى منزلة من الرجال"، ما أثار غضباً مجتمعياً.
ويوضح القائمون على المشروع الجديد أن هذه المدارس "ستعلّم الذكور كيف يكونون أزواجاً صالحين من خلال ممارسة ألعاب، مثل تجربة محاكاة آلام المخاض، ومشاركة قصص الحياة مع بعضهم البعض، ومشاهدة الأفلام، وتبادل الأفكار". 
وعلى عكس مدارس "فضائل النساء"، تحاول سلسلة الفصول الدراسية في المدن الصينية الثلاث تعليم الرجال أنهم متساوون في علاقاتهم مع النساء، وليسوا متفوقين. وربما يأتي ذلك استدراكاً للغضب الذي أثارته مدارس "الفضائل النسائية" سابقاً.
ويبدي العديد من الرجال اهتماماً كبيراً بالانضمام لهذا النوع من المدارس، لأنهم يرون أنها تشكل وسيلة لتحسين علاقاتهم بزوجاتهم وأطفالهم. 
ويقول وانغ يوان، وهو موظف في مكتب البريد بمدينة شينزن، لـ"العربي الجديد": "لن أتردد في الانضمام لمدرسة الذكور، لأن أي رجل يحتاج إلى استغلال هذه الفرصة الذهبية لتعلم أساسيات التعامل مع الزوجة، وإدارة المشاكل الزوجية".
ويوضح أنه خلال خمس سنوات من زواجه واجه العديد من التحديات والصعوبات، ما انعكس على علاقته مع زوجته، وصولاً إلى جعلهما يفكران الطلاق، لكنه حين أعاد النظر في تصرفاته وسلوكه وجد نفسه مخطئاً، وأدرك أنه لم يقدّر المهمات التي تنفذها زوجته في المنزل، رغم أنها امرأة عاملة في الوقت ذاته. 
ويقول: "كنت أتعامل مع زوجتي بمنطق ذكوري يتضمن الكثير من التصرفات المتعالية، مع الإحجام عن القيام بأي مهمات لمساعدة زوجتي، مثل توضيب الثياب وغسل الأطباق بعد تناول الطعام. وقد تعلمت بمحض الصدفة بعض هذه المهمات خلال متابعتي مسلسلاً تلفزيونياً استعرض سعادة أسرة ريفية ترتكز على أسس التفاهم والوئام بين زوجين بسيطين".

الصورة
تستهدف البرامج تعزيز الشراكة بين الأزواج (هيكتور ريتامال/ فرانس برس)
تستهدف البرامج تعزيز الشراكة بين الأزواج (هيكتور ريتامال/ فرانس برس)

في المقابل، يقول مو دونغ الذي يملك مقهى في مدينة شانتو (جنوب)، لـ"العربي الجديد": "الأمر مثير للسخرية، فالمرأة باتت أكثر تمرداً على الرجل بسبب تحصيلها العلمي واستقلالها المادي، لذا بات الرجال يحتاجون إلى مدارس تعلم الإناث أهمية الزواج وتكوين أسر، في ظل عزوفهن غير المسبوق عن الزواج والارتباط". 
يضيف: "هناك كثير من التجني على الرجل، فهو يعمل طوال اليوم، ولا يلقى أي تقدير. في المقابل تعلو الأصوات التي تطالب بالمساواة بين الجنسين، وتُصوّر المرأة بأنها مضطهدة، في حين أنها الطرف الذي يأبى الاقتران برجل لمجرد أنها مستقلة مادياً، وتفضل بيئة العمل على حساب بناء أسرة وإنجاب أطفال. وفي ظل هذه المعطيات، لا معنى للحديث عن ترويض الذكور، في وقت يجب أن ينصب الاهتمام على كيفية تطويع المرأة وحثها على الانصياع للمفاهيم التقليدية الخاصة بالزواج والإنجاب بعيداً من الأنانية المفرطة التي قد تهدم المجتمع على المدى البعيد".
وكانت دراسة أجراها مركز الإحصاء الوطني في الصين الصيف الماضي كشفت أنّ 70 في المائة من النساء المتعلمات اللواتي استُطلعت آراؤهنّ، لا يرغبنَ في الإنجاب.
وأثارت هذه النسبة المرتفعة نقاشات ساخنة على مواقع التواصل الاجتماعي، حول دور التعليم في جعل المرأة أكثر تمرّداً على التقاليد الاجتماعية، وتداعيات ذلك على خصوبة المجتمع بسبب تفضيل العمل ونمط التحرّر على فكرة الأسرة والاقتران بزوج.

وعزا مراقبون هذا التوجّه إلى تحوّل الصين بشكل أو بآخر من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي، وتراجع المجتمع عن القيم الشيوعية.
ويقول لي وان دينغ، أحد النشطاء المدافعين عن المساواة بين الجنسين، لـ"العربي الجديد": "تهدف مدارس تدريبهم الرجال على طاعة الزوجات بالدرجة الأولى إلى تعزيز الشراكة بين الأزواج على أساس العدالة والمساواة والمسؤولية الاجتماعية، ومعالجة الصورة النمطية السلبية التي تضع الذكور في مرتبة عليا تحول دون انخراطهم في معترك الحياة الزوجية، أو حتى مجرد مشاركة المرأة همومها ومتاعبها اليومية.

وقبل سنوات نشأت مدارس ومراكز خاصة سعت إلى ترويج أفكار متحيزة ضد المرأة، مثل تعليمها بأنها أقل منزلة من الرجل، وأن الحياة لا تنتهي بشكل جيد بالنسبة إلى المرأة العاملة. والكثير من هذه الأفكار المشوّهة هدفت إلى تعزيز تبعيتها في مجتمع ذكوري، لكنها حظيت حينها بتغطية إعلامية واسعة، ثم اختفت بسرعة وتوارت بعدما أثارت استياءً عاماً".
يشار إلى أن مدارس تعليم الذكور لن تقتصر فقط على المدن الثالث. ويقول القائمون عليها إنه "بمجرد تخرّج الفوج الأول مطلع العام المقبل، سيجري توظيف من يملكون رغبة وقدرة كمعلمين في مدارس جديدة ستفتتح في مدن أخرى بينها العاصمة بكين، ومدينة كوانزو. وهناك خطة استراتيجية للتوجه إلى الريف الذي تنتشر فيه مظاهر التمييز ضد المرأة".

المساهمون