أكتب مقالتي من رحم تجربتي الحياتية أثناء تواجد داعش داخل مدينة حلب وريف إدلب الشرقي إلى أن طردوا منهما. حيث أنه كلما اشتدت المعارك في الريف الشمالي مع التنظيم في هذه الأيام أعود بالذاكرة إلى حالات الخطف المتكررة قبيل اندلاع المعارك معهم لكل من عارض أو انتقد فكرهم حتى وإن كان يدّعي الصفة "الإسلامية" كفصيل أو أفراد.
أتذكر المعارك الصغيرة ببداياتها وتفاصيلها، وكيف قتلوا أحد قياديي الجيش الحر في المدينة مما أشعل نار الحرب عليهم والتي ما زالت إلى الآن، هنا يراودني السؤال دائماً لماذا حدة العنف هذه والدموية لدى أفراد التنظيم خصوصاً؟.. عندما أتذكر بعض أسرى مشفى الأطفال بحلب كيف قتلوهم على عجل قبل أن ينسحبوا وكأنهم يريدون سفك أكبر قدر من الدماء وفقط؟!
أعود بالذاكرة إلى الوراء أكثر وتحديداً قبيل الاقتتال مع التنظيم بحوالي ثلاثة أشهر، أتذكر، أيضاً، مناقشتي الأولى مع أحد أفراد داعش يدعى "أبو محمد الشامي" شخص غامض جداً لا أعرف عنه سوى اسمه "الوهمي" وملامح وجهه، دار حديثنا على مسمى هذه البلاد حيث يُصرُّ على كنايتها ببلاد الشام بدلاً من سورية، وأنا العكس. وبعد ساعات عدة اقتنع بأنها سورية، وقال لي بالحرف الواحد وباللغة الفصحى "أُكنّى بالشامي نسبة لأصولي الدمشقية ولكنني سوري"، هنا وبعد معركة إقناعي له بدأت أبحث عن مصادر الأفكار التي يتلقاها أفراد التنظيم وفي أغلبها فتاوى تعود لابن تيمية وبعض المنظّرين الجدد، وأيضاً تحليل لتلك الفتاوى أو غيرها حسب مزاجهم أو المشكلة التي يواجهونها، حيث لاحظت أن التنظيم نفسه يقسّم أتباعه إلى أصناف عدة، فمثلاً عند مواجهته مشكلة مع فصيل عسكري ما، ويسعى إلى الصلح معه يبعث بشرعييه وأمرائه من الجنسية المصرية لأنهم أكثر حنكة ولديهم أسلوبهم السلمي في حل أي مشكلة عالقة، ولكن عندما لا يريد ذلك يبعث بشرعييه وأمرائه من الجنسية التونسية وهم أحد أكثر أصنافه دمويةً! هنا أبدأ بتحليل شخصيات أفراده وتقسيمها حسب مشاهدتي أفعالهم وتصرفاتهم حتى توصلت إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هم عناصر بالدرجة الأولى يؤمنون أن الجهاد وسيلة لإقامة حكم إسلامي يضمن على الأقل عدم ممارسة المعاصي الدينية على الأرض التي يحكمونها، وهؤلاء الأفراد هم العدد الأكبر داخل التنظيم، وسببُ ذلك هو تعرضهم لعوامل اجتماعية ودينية صادمة، مثل التمييز المجتمعي لهم ببلادهم على أساس أن المسلم يعني "الإرهاب" أو جرح مشاعرهم الدينية كإحراق القرآن الكريم، وأيضاً الرسم الكاريكاتوري المسيء للرسول "محمد" التي قامت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية بنشره بتاريخ 30 سبتمبر 2005 وتبعتها الصحيفة النرويجية Magazinet بنشر الرسوم ذاتها، أيضاً.
القسم الثاني: هم عناصر استخباراتية محلية على مستوى سورية والعراق أو إقليميون قادمون من دول الجوار أو دوليون قادمون من البلدان التي ينتمون إليها، وفي اعتقادي هم عناصر يتواجدون أو يأتون إلى مناطق النزاع بهدف الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية، ولكن في حقيقتهم عناصر استخباراتية خضعوا لتدريبات عالية المستوى وتم إرسالهم بمهمات سرية معقّدة من قِبَل حكوماتهم، حيث لاحظنا في إحدى الفترات حوادث إعدام عدة بحق أفراد مشتبهين بصلات استخباراتية مع بلدان أجنبية من قِبَل التنظيم، وعلى الرغم من النظام المخابراتي الذي يمتلكه داعش إلا أنه لم يكتشف سوى القليل منهم إلى الآن.
وهنا أضع شهادة ميدانية لأحد أبناء وناشطي مدينة الباب في ريف حلب الشرقي "باري عبد اللطيف" حيث يقول: في أول تأسيس تنظيم "دولة العراق والشام" كان أبرز الشرعيين لديهم في المدينة شخص يسمى "أبو عبدالرحمن المصري" طويل، نحيف الجسم، ذو بشرة داكنة، وملامح مصرية جنوبية، يبدو على وجهه الدهاء والوقاحة، بدأ عمله في مدينة الباب بالدعوة ومناقشة المشايخ وتكفيرهم علناً وسراً (حسب ما تقتضيه الحاجة) والتكفير والتضييق على قادة الجيش الحر، ومن ثمَّ استلم منبراً لأحد المساجد عنوةً بعد تهديد إمام المسجد واعتقاله لعدة ساعات والذي كان قاضياً في الهيئة الشرعية آن ذاك، ومن هذا المنبر بدأ بتجنيد بعض الجهلة من الشباب المندفعين والمغررين بشعارات الجهاد الرنانة، وبعد دخول داعش مدينة الباب بقوة عسكرية لأول مرة، بالشهر سبتمبر/ أيلول من عام 2013، بدأ بملاحقة الناشطين وإرسال رسائل التهديد عبر المنبر وعبر أمنييه انطلاقاً من مقرهم الواقع في قرية "قباسين" القريبة من مدينة الباب وبعد ذلك بدأ بالتضييق على الخطباء ككل والتدخل بكل ما يخصهم، وقد قال أكثر من مرة علناً عبارته الشهيرة في المدينة "احنى دولة، والدولة دي اللي حَ ينقطع عليها روس".
وبعد دخول التنظيم مدينة الباب وبسط سيطرته عليها كاملاً مطلع عام 2014 أصبح شرعي المدينة الموصّى به من قِبَل أمير ما يسمى "ولاية حلب" وهو "أبو الأثير العبسي" كان مقره الرئيسي بمشفى الأطفال في حي قاضي عسكر داخل مدينة حلب، وهو من أذاع على المآذن بيان سيطرتهم على المدينة، وبعد ذلك بعدة أشهر تم اعتقاله من قِبَل أمنيي داعش بشكل مفاجئ، ومن ثمَّ أُعلنَ عن إعدامه بتهمة أنه يعمل لصالح "المخابرات المصرية" ولم تُعرض جثته أو تعلّق واختفى ذكره بعد ذلك كلياً.
القسم الثالث والأهم: هم أفراد أُطيح بهم من دولة البعث العراقية تحديداً بعد دخول القوات الأميركية إلى بلدهم، وهم يشكلون العامود الفقري للتنظيم فكرياً وعسكرياً ولديهم مجلس قيادتهم الخاص وهدفهم الرئيسي بسط السيطرة والنفوذ على أكبر مساحة ممكنة في هذه المنطقة بهدف إقامة دولتهم وإيجاد مكانة وهيبة لهم بين دول العالم بعد أن افتقدوها إثر الإطاحة بحكم صدام حُسين في عام 2003، ولكن هذه المرة بصبغة إسلامية ليستجلبوا أكبر عدد من الشباب المندفعين والمتحمسين لإقامة "الخلافة" وساعدهم ذلك تواجدهم في "بلاد الشام" ذات الرمزية الخاصة للشباب المسلم عقائدياً وذلك لقيام معركة مرج دابق الكبرى ومعركة فسطاط المسلمين المحدّث عنهم في الدين الإسلامي والتي تُكنى بمعركة آخر الزمان.
هؤلاء الأفراد وتقسيماتهم لن يتم القضاء عليهم عسكرياً إلا بإنهاء الإرهاب الطائفي الأول في سورية وهو النظام السوري - علينا أن لا ننسى من بدأ بممارسة القتل بالسكاكين علناً على أساس طائفي محض دون تفرقة بين الرضّع والعجائز، ولكن دون إصدارات مرئية أو لباس ذي اللون البرتقالي، لذلك لم يتأثر أو يتعاطى العالم بالشكل المطلوب مع هذه المجزرة.. حيث كانت مدينة الحولة هي الضحية الأولى للقتل الجماعي بالأسلحة البيضاء على يد شبيحة وموالين للنظام، بتاريخ 25 مايو/ آيار 2012 (أي قبيل ظهور تنظيم داعش) وقصف المدنيين بالكيماوي المحرّم دولياً في الغوطة الشرقية - ثم العمل على تجفيف المنابع الاقتصادية والتي تحافظ على قوة التنظيم، وأيضاً إغلاق الحدود الجنوبية لتركيا وممراتها الشبه آمنة في وجه المهاجرين الجهاديين القادمين من دول الجوار أو من الدول البعيدة، وأيضاً الحد من تدفق الشباب المتحمس إلى صفوف التنظيم، حيث أن أغلب المقاتلين المحليين المنضوين، منذ بداية العام الفائت إلى يومنا هذا، كان بسبب بحثهم عن معنى حقيقي للانتماء والهوية بعد يأسهم وفقدان أملهم من سعي القوى الدولية لإسقاط النظام السوري مما كان السبب الرئيسي لاندفاعهم نحو التطرف، ومن ثمَّ يمكن إيجاد حل سياسي عادل يضمن حكم الأكثرية للبلاد أي "السنة" ودولة تحفظ حقوق كافة الطوائف.
القصف المستمر من قِبَل التحالف الدولي بقيادة أميركا ودعم بعض الفصائل العسكرية على الأرض لمحاربة داعش فقط لن يكون الحل الجذري والأمثل، وقد شهِدنا فشل هذه الخطة، منذ تدخل التحالف الدولي وقصفه مواقع التنظيم إلى يومنا هذا.
أما فكرياً، يمكن القضاء أو حصر الفكر الداعشي "الدموي" بإنهاء معاناة التمييز العنصري وإيقاف الوصف التعنيفي ضد المسلمين وفتح حوارات توعوية على عدة مستويات تُبيّن الفرق بين الإسلام و"الإرهاب"، وبحسب مشاهدتي العامة، لن يكون لتلك الحلول مكانٌ بيننا بل سنشهد ردّات فعل عنيفة مثل تلك الردود التي شهدناها بعد نشر الصور المسيئة للرسول "محمد"، حيث أُضرمت النيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدنمارك والنرويج بدمشق في 4 فبراير/ شباط 2006، وتم إحراق القنصلية الدنماركية في بيروت في اليوم التالي، تماماً مثلما ذكر "حميد الشيخ" أخيراً – الباحث في علم النفس الاجتماعي والذي يعمل في مركز الحرب على الإرهاب في نيويورك وأيضاً في مركز تسوية وحل النزاعات المستدامة المستعصية – بعد استنتاجه من بحثه الميداني: (لكن للأسف يبدو أن المقبول اجتماعياً، هو إبقاء الإسلام والمسلمين تحت شبه العامة دوماً، وهذا سيتسبب بأننا سوف نتكيّف مع مزيدٍ من الهجمات الإرهابية، كما هو الحال في باريس)، وهذا ما تستقصده بعض القوى الدولية لإبقاء المسلمين شمّاعةً لأي عمل إرهابي في العالم.
(سورية)
أتذكر المعارك الصغيرة ببداياتها وتفاصيلها، وكيف قتلوا أحد قياديي الجيش الحر في المدينة مما أشعل نار الحرب عليهم والتي ما زالت إلى الآن، هنا يراودني السؤال دائماً لماذا حدة العنف هذه والدموية لدى أفراد التنظيم خصوصاً؟.. عندما أتذكر بعض أسرى مشفى الأطفال بحلب كيف قتلوهم على عجل قبل أن ينسحبوا وكأنهم يريدون سفك أكبر قدر من الدماء وفقط؟!
أعود بالذاكرة إلى الوراء أكثر وتحديداً قبيل الاقتتال مع التنظيم بحوالي ثلاثة أشهر، أتذكر، أيضاً، مناقشتي الأولى مع أحد أفراد داعش يدعى "أبو محمد الشامي" شخص غامض جداً لا أعرف عنه سوى اسمه "الوهمي" وملامح وجهه، دار حديثنا على مسمى هذه البلاد حيث يُصرُّ على كنايتها ببلاد الشام بدلاً من سورية، وأنا العكس. وبعد ساعات عدة اقتنع بأنها سورية، وقال لي بالحرف الواحد وباللغة الفصحى "أُكنّى بالشامي نسبة لأصولي الدمشقية ولكنني سوري"، هنا وبعد معركة إقناعي له بدأت أبحث عن مصادر الأفكار التي يتلقاها أفراد التنظيم وفي أغلبها فتاوى تعود لابن تيمية وبعض المنظّرين الجدد، وأيضاً تحليل لتلك الفتاوى أو غيرها حسب مزاجهم أو المشكلة التي يواجهونها، حيث لاحظت أن التنظيم نفسه يقسّم أتباعه إلى أصناف عدة، فمثلاً عند مواجهته مشكلة مع فصيل عسكري ما، ويسعى إلى الصلح معه يبعث بشرعييه وأمرائه من الجنسية المصرية لأنهم أكثر حنكة ولديهم أسلوبهم السلمي في حل أي مشكلة عالقة، ولكن عندما لا يريد ذلك يبعث بشرعييه وأمرائه من الجنسية التونسية وهم أحد أكثر أصنافه دمويةً! هنا أبدأ بتحليل شخصيات أفراده وتقسيمها حسب مشاهدتي أفعالهم وتصرفاتهم حتى توصلت إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هم عناصر بالدرجة الأولى يؤمنون أن الجهاد وسيلة لإقامة حكم إسلامي يضمن على الأقل عدم ممارسة المعاصي الدينية على الأرض التي يحكمونها، وهؤلاء الأفراد هم العدد الأكبر داخل التنظيم، وسببُ ذلك هو تعرضهم لعوامل اجتماعية ودينية صادمة، مثل التمييز المجتمعي لهم ببلادهم على أساس أن المسلم يعني "الإرهاب" أو جرح مشاعرهم الدينية كإحراق القرآن الكريم، وأيضاً الرسم الكاريكاتوري المسيء للرسول "محمد" التي قامت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية بنشره بتاريخ 30 سبتمبر 2005 وتبعتها الصحيفة النرويجية Magazinet بنشر الرسوم ذاتها، أيضاً.
القسم الثاني: هم عناصر استخباراتية محلية على مستوى سورية والعراق أو إقليميون قادمون من دول الجوار أو دوليون قادمون من البلدان التي ينتمون إليها، وفي اعتقادي هم عناصر يتواجدون أو يأتون إلى مناطق النزاع بهدف الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية، ولكن في حقيقتهم عناصر استخباراتية خضعوا لتدريبات عالية المستوى وتم إرسالهم بمهمات سرية معقّدة من قِبَل حكوماتهم، حيث لاحظنا في إحدى الفترات حوادث إعدام عدة بحق أفراد مشتبهين بصلات استخباراتية مع بلدان أجنبية من قِبَل التنظيم، وعلى الرغم من النظام المخابراتي الذي يمتلكه داعش إلا أنه لم يكتشف سوى القليل منهم إلى الآن.
وهنا أضع شهادة ميدانية لأحد أبناء وناشطي مدينة الباب في ريف حلب الشرقي "باري عبد اللطيف" حيث يقول: في أول تأسيس تنظيم "دولة العراق والشام" كان أبرز الشرعيين لديهم في المدينة شخص يسمى "أبو عبدالرحمن المصري" طويل، نحيف الجسم، ذو بشرة داكنة، وملامح مصرية جنوبية، يبدو على وجهه الدهاء والوقاحة، بدأ عمله في مدينة الباب بالدعوة ومناقشة المشايخ وتكفيرهم علناً وسراً (حسب ما تقتضيه الحاجة) والتكفير والتضييق على قادة الجيش الحر، ومن ثمَّ استلم منبراً لأحد المساجد عنوةً بعد تهديد إمام المسجد واعتقاله لعدة ساعات والذي كان قاضياً في الهيئة الشرعية آن ذاك، ومن هذا المنبر بدأ بتجنيد بعض الجهلة من الشباب المندفعين والمغررين بشعارات الجهاد الرنانة، وبعد دخول داعش مدينة الباب بقوة عسكرية لأول مرة، بالشهر سبتمبر/ أيلول من عام 2013، بدأ بملاحقة الناشطين وإرسال رسائل التهديد عبر المنبر وعبر أمنييه انطلاقاً من مقرهم الواقع في قرية "قباسين" القريبة من مدينة الباب وبعد ذلك بدأ بالتضييق على الخطباء ككل والتدخل بكل ما يخصهم، وقد قال أكثر من مرة علناً عبارته الشهيرة في المدينة "احنى دولة، والدولة دي اللي حَ ينقطع عليها روس".
وبعد دخول التنظيم مدينة الباب وبسط سيطرته عليها كاملاً مطلع عام 2014 أصبح شرعي المدينة الموصّى به من قِبَل أمير ما يسمى "ولاية حلب" وهو "أبو الأثير العبسي" كان مقره الرئيسي بمشفى الأطفال في حي قاضي عسكر داخل مدينة حلب، وهو من أذاع على المآذن بيان سيطرتهم على المدينة، وبعد ذلك بعدة أشهر تم اعتقاله من قِبَل أمنيي داعش بشكل مفاجئ، ومن ثمَّ أُعلنَ عن إعدامه بتهمة أنه يعمل لصالح "المخابرات المصرية" ولم تُعرض جثته أو تعلّق واختفى ذكره بعد ذلك كلياً.
القسم الثالث والأهم: هم أفراد أُطيح بهم من دولة البعث العراقية تحديداً بعد دخول القوات الأميركية إلى بلدهم، وهم يشكلون العامود الفقري للتنظيم فكرياً وعسكرياً ولديهم مجلس قيادتهم الخاص وهدفهم الرئيسي بسط السيطرة والنفوذ على أكبر مساحة ممكنة في هذه المنطقة بهدف إقامة دولتهم وإيجاد مكانة وهيبة لهم بين دول العالم بعد أن افتقدوها إثر الإطاحة بحكم صدام حُسين في عام 2003، ولكن هذه المرة بصبغة إسلامية ليستجلبوا أكبر عدد من الشباب المندفعين والمتحمسين لإقامة "الخلافة" وساعدهم ذلك تواجدهم في "بلاد الشام" ذات الرمزية الخاصة للشباب المسلم عقائدياً وذلك لقيام معركة مرج دابق الكبرى ومعركة فسطاط المسلمين المحدّث عنهم في الدين الإسلامي والتي تُكنى بمعركة آخر الزمان.
هؤلاء الأفراد وتقسيماتهم لن يتم القضاء عليهم عسكرياً إلا بإنهاء الإرهاب الطائفي الأول في سورية وهو النظام السوري - علينا أن لا ننسى من بدأ بممارسة القتل بالسكاكين علناً على أساس طائفي محض دون تفرقة بين الرضّع والعجائز، ولكن دون إصدارات مرئية أو لباس ذي اللون البرتقالي، لذلك لم يتأثر أو يتعاطى العالم بالشكل المطلوب مع هذه المجزرة.. حيث كانت مدينة الحولة هي الضحية الأولى للقتل الجماعي بالأسلحة البيضاء على يد شبيحة وموالين للنظام، بتاريخ 25 مايو/ آيار 2012 (أي قبيل ظهور تنظيم داعش) وقصف المدنيين بالكيماوي المحرّم دولياً في الغوطة الشرقية - ثم العمل على تجفيف المنابع الاقتصادية والتي تحافظ على قوة التنظيم، وأيضاً إغلاق الحدود الجنوبية لتركيا وممراتها الشبه آمنة في وجه المهاجرين الجهاديين القادمين من دول الجوار أو من الدول البعيدة، وأيضاً الحد من تدفق الشباب المتحمس إلى صفوف التنظيم، حيث أن أغلب المقاتلين المحليين المنضوين، منذ بداية العام الفائت إلى يومنا هذا، كان بسبب بحثهم عن معنى حقيقي للانتماء والهوية بعد يأسهم وفقدان أملهم من سعي القوى الدولية لإسقاط النظام السوري مما كان السبب الرئيسي لاندفاعهم نحو التطرف، ومن ثمَّ يمكن إيجاد حل سياسي عادل يضمن حكم الأكثرية للبلاد أي "السنة" ودولة تحفظ حقوق كافة الطوائف.
القصف المستمر من قِبَل التحالف الدولي بقيادة أميركا ودعم بعض الفصائل العسكرية على الأرض لمحاربة داعش فقط لن يكون الحل الجذري والأمثل، وقد شهِدنا فشل هذه الخطة، منذ تدخل التحالف الدولي وقصفه مواقع التنظيم إلى يومنا هذا.
أما فكرياً، يمكن القضاء أو حصر الفكر الداعشي "الدموي" بإنهاء معاناة التمييز العنصري وإيقاف الوصف التعنيفي ضد المسلمين وفتح حوارات توعوية على عدة مستويات تُبيّن الفرق بين الإسلام و"الإرهاب"، وبحسب مشاهدتي العامة، لن يكون لتلك الحلول مكانٌ بيننا بل سنشهد ردّات فعل عنيفة مثل تلك الردود التي شهدناها بعد نشر الصور المسيئة للرسول "محمد"، حيث أُضرمت النيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدنمارك والنرويج بدمشق في 4 فبراير/ شباط 2006، وتم إحراق القنصلية الدنماركية في بيروت في اليوم التالي، تماماً مثلما ذكر "حميد الشيخ" أخيراً – الباحث في علم النفس الاجتماعي والذي يعمل في مركز الحرب على الإرهاب في نيويورك وأيضاً في مركز تسوية وحل النزاعات المستدامة المستعصية – بعد استنتاجه من بحثه الميداني: (لكن للأسف يبدو أن المقبول اجتماعياً، هو إبقاء الإسلام والمسلمين تحت شبه العامة دوماً، وهذا سيتسبب بأننا سوف نتكيّف مع مزيدٍ من الهجمات الإرهابية، كما هو الحال في باريس)، وهذا ما تستقصده بعض القوى الدولية لإبقاء المسلمين شمّاعةً لأي عمل إرهابي في العالم.
(سورية)